المحتوى الرئيسى

هآرتس: حتى المصريين تفاجأوا بحرب أكتوبر

10/13 17:43

لا تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تدرس وتستخلص العبر من حرب أكتوبر 1973، التي تحطمت فيها أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" التي صدرتها الدولة العبرية التي تأسست على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد نكبة 1948. فمع كل ذكرى تأتي لهذه الحرب التي تسميها إسرائيل "حرب يوم الغفران (كيبور)"، تخرج بعض الوثائق التي كانت قيد السرية لتزيح بعض الغموض عن بعض جوانب الحرب التي احتاجت مصر إلى خطة خداع محكمة لمفاجئة العدو الإسرائيلي.

صحيفة هآرتس العبرية نشرت تقريرا لمراسلها أمير أورين عنوانه "الوثائق تظهر أن حرب يوم كيبور كانت مفاجأة للمصريين أيضا".

استهله الكاتب تقريره قاله نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) السابق، الجنرال فيرنون والترز، في محاضرة في مركز تدريب تابع للجيش الأمريكي قبل عام ونصف العام عن حرب أكتوبر: "كان لدينا تقريرا في سي آي ايه أواخر مايو 1973 يقول إن ‘مصر وسوريا سوف تبدأن الحرب ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر’”

وتابع "قلنا ذلك في حينه. لكن من خبرتي في عمل الاستخبارات هي أن المحللين بشكل عام يضيقون من إبلاغك بأي شيء غير سار، وحتى بعد أن حاولنا إعداد كل قطعة (معلومة) استخباراتية لتظهر أنها لن تحدث في السادس من أكتوبر. وجدنا أنفسنا أخيرا مقتنعين بأنها لن تقع في السادس من أكتوبر. في الواقع أنا الشخص الذي وقع تقرير المراقبة الذي قال إنها لن تحدث صباح السبت، ووقعت بعد ظهر السبت".

يقول أورين إن قصة وارترز، التي يؤكد فيها أنه شريكا بارزا في هذا الخطأ، واحدة من القطع التي صنعت أسطورة سرية حرب أكتوبر 173.

يتحدث بعد ذلك الكاتب عن أن الحرب كان موعدها مقررا قبل شهور وأسابيع، وبقى الأمر سرا حتى أن الاستخبارات الأجنبية فشلت في كشف السر. وهناك أيضا أشرف مروان الذي يصفه الكاتب ب"العميل"، والذي التقى مع تسفي زامير في لندن، وحذره من الحرب ستبدأ في اليوم التالي.

يقول الكاتب إن مروان ربما لم يحدد ساعة محددة تبدأ فيها الحرب، أو ربما فعل. ويشير إلى أن تقرير مروان الهاتفي وهو في طريقه إلى تل أبيب اعترضته الحرب التي بدأت في الثانية ظهرا وليس السادسة مساء كما يقال في بعض الأحيان.

ويخلص أورين إلى أن هناك تفصيلة تم تجاهلها بالنظر إلى تسمية مروان لليوم الذي اندلعت فيه الحرب، وهو التقرير الوحيد من نوعه الذي تسلمته إسرائيل، حسبما جاء في هآرتس.

وفي السنوات الأخيرة مع كل ذكرى لحرب أكتوبر، تخرج تقارير وكتب تتحدث عن أن أشرف مروان المقرب من الرئيس أنور السادات وصهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان "جاسوسا" لإسرائيل. لكن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان قد قال في يوليو 2007 على تلك التقارير بقوله إن مروان الذي قتل في لندن قبل سنوات "وطنبا مخلصا".

وقال مبارك في تصريحات نقلتها وقتها وكالة أنباء الشرق الأوسط وقال مبارك ان "ما نشر عن الراحل أشرف مروان وإبلاغه إسرائيل بموعد حرب أكتوبر 1973 لا أساس له من الصحة". وأضاف "لا أشك إطلاقا في وطنية الدكتور أشرف مروان وكنت أعلم بتفاصيل ما يقوم به لخدمة وطنه أولا بأول". زاد هذا التصريح من التكهن بأن مروان ربما كان "عميلا" مزدوجا.

وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أنه من الغريب اكتشاف بعد 43 سنة من الحرب، خاصة من اللحظة التي كشف فيها عن هوية وأهمية مروان كمصدر، فإن هذا الاداء في الكشف عن يوم بدء الحرب، كان مقبولا ولم تتم مواجهته أبدا. وقال إن النتيجة كانت مقاربة سطحية للانقسام والمسؤولية بين الحكومة والجيش الإسرائيلي، ومقاربة مماثلة لتقاسم المسؤولية عن جمع البحث بين الاستخبارات العسكرية والموساد القلق، حسب تعبيره.

يقول أورين إن مسؤولي الموساد البارزين كانوا هم من ضغطوا هذا البالون. فقد وجدوا تناقضا بين خطورة تحذير الجيش وسلوك الموساد. يقولون إنه رغم ان زامير هرع بعد أن استمع من عميله البارز تحذير الحرب، فإنه لم يطلق تحذير الطوارئ في الموساد ولم يكلف زامير نفسه بإحضار فريق القيادة معه أو رجل اتصالات على الأقل، لذا لم يكن عليه البحث عن هاتف عمومي أو الطرق على أبواب السفارة، في الوقت الذي كانت فيه كل لحظة لها أهميتها. يقول أورين إن عدت ساعات مرت حتى تلقت مساعدة زامير التقرير ومررته إلى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان ومدير الاستخبارات العسكرية.

يتحدث الكاتب هنا عن تأخير عميل الموساد في إبلاغ الجهات المعنية في إسرائيل بما لديه من معلومات حصل عليها من مروان.

ووفقا لتقرير أمير أورين، حدث شيء مماثل في جهاز الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي) قبل عامين، في جدل مع الاستخبارات العسكرية حول تقييم نشاطات حماس قبيل حرب 2014 في غزة. قال مسؤولو الشين بيت إنهم أعطوا الجيش تحذير بالحرب قبل أشهر. إذا كان ذلك حقيقيا، فإن رئيس الأركان بيني عانتز مسؤول عن فشل خطير.

يقول إن هذا اتهام مشين بعدما جرى في حرب أكتوبر، مضيفا أن الدليل على أن زعم الشين بيت لا أساس له هو أن الجهاز نفسه لم يعتقد فيه ولم يستعد للحرب.

في تاريخ الحروب هناك الكثير من حالات التغيير - الإلغاء أو التأخير - في موعد بدء الحرب. فغزو نورماندي في الحرب العالمية الثانية كانت مقررة يوم 5 يونيو 1944 وبسبب الطقس تأجلت إلى السادس. وفي نهاية مايو 1967، كانت مصر وإسرائيل على وشك فتح النيران على بعضها البعض، لكنهما تراجعتا، على ما قال الكاتب في الصحيفة.

وأضاف أن المشكلة في أغلب الأحيان قد تكون عملياتية أكثر من استخباراتية - فقبل ثماني ساعات من الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، طالب الطيارون الأمريكيون برفع الطائرات من قواعدها في الفلبين. ورفض رئيس الأركان الأمريكي وقتها الجنرال ماك ارثر إزعاجه بمثل هذه التوافه. وكان اليابانيون أقل انضباطا عندما شنوا هجوما ساحقا اخر.

يقول الكاتب إنه في 1973 كان الكل في إسرائيل يعلم أنه بدون التقدم في اتفاق سلام مع مصر، فإن أنور السادات قد يمضي إلى الحرب، كما كان يهدد قبل ثلاث سنوات. الجميع كان علم، لكنه رفض الإقرار بذلك. وكان رئيس الأركان والحكومة مطمئنين على أن مصر لن تذهب إلى الحرب دون سوريا، وهي متأكدة أنها ستخسرها بسبب تركيز الجيش الإسرائيلي على جبهة واحدة.

وقال الكاتب إن المصريين حددوا ثلاثة أوقات بدء الحرب - مايو، أغسطس وسبتمبر-أكتوبر. واشار إلى أن مصر حددت ثمانية عطلات دينية ثلاثة منها في أكتوبر - عيد الغفران (كيبور)، عيد العرش (سوكوت) وعيد سيمهات التوراة. ولفت إلى أن انتخابات الكنيست كانت ستجرى في أكتوبر، والتي استحوذت على اهتمام الجمهور، بما في ذلك احتياطي الجيش.

كما أن الطقس كان جيدا لعبور القناة في أكتوبر، والليل طويل والبحر هادئ. وفي 1973 جاء شهر رمضان في أكتوبر، وهو غطاء جيد لتحريك القوات وخداع العدو. أيضا في سوريا، الطقس يصبح سيئا وشتويا بعد أكتوبر.

يقول الكاتب الإسرائيلي إنه إذا كان ذلك ما قصده والترز عندما تحدث عن معلومات سي آي ايه في أواخر مايو، فإن التشكيك في ذلك الوقت مفهوم. وكان السادات قد اتفق مع الرئيس السوري حافظ الأسد على عدم بدء الحرب قبل عقد الجيشين لجنة عليا مشتركة. التقت اللجنة وكانت مؤلفة من 16 لواء، في الإسكندرية في 22 أغسطس وفي اليوم التالي. جاء السوريون في ملابس مدنية على سفينة، خوفا من أن تخطف طائراتهم من قبل إسرائيل أو يتم كشف مهمتهم السرية.

وفي 30 سبتمبر - بعد خمسة أيام من تحذير الملك حسين، عاهل الأردن، لرئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير أن "الجيش السوري يستعد لهجوم" وأن سوريا من المرجح أن تمضي في الحرب دون مصر، وبعد يومين من تحذير وزير الخارجية السوفيتي أندريه جروميكو الرئيس الأمريكي نيكسون من "في أي يوم قد نصحو على حرب"، استدعى السادات مجلس الدفاع لتقييم مجمل، واستنتج السادات أنه لا مفر من الحرب لأنه بدونها ستنهار مصر.

في اليوم التالي (1 أكتوبر) أصدر السادات توجيها استراتيجيا عن حرب محدودة في 6 أكتوبر.

في ذلك الوقت كان أمام كل تقرير موثوق إلى حد ما بأن الحرب ستندلع في غضون أسبوع بعد الأول من أكتوبر، هناك تقريرا، ليس أقل موثوقية، يتعارض معه، يقول أمير أورين.

يقول الكاتب إن التوجيه الاستراتيجي بدء الحرب في السادس من أكتوبر أعطي فقط لقادة الجيشين الثاني والثالث. وفي 3 أكتوبر أبلغ قادة الأفرع وفي اليوم التالي مررت المعلومات إلى قادة الألوية، الذين تساءلوا عما إذا كان ذلك حقيقيا أم أنها تدريبات إضافية.

ولخداع السوفيت، قال الكاتب، إن مدير المخابرات العسكرية المصرية (اللواء محمد فؤاد نصار)، قال إن هناك تقارير عن خطة إسرائيلية لتنفيذ غارة وضربة جوية كبيرة. وهناك هناك خداعات أخرى أم مخطط لها أو مرتجلة. ففي 17 سبتمبر، قال رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي الرئيس الجزائري هواري بومدين، "سوف نحارب في غضون ثلاثة اشهر". في اليوم التالي في المغرب، أبلغ الشاذلي للملك الحسن بالنية لخوض الحرب وطلب منه إرسال لواء مشاة على سفينة الى الإسكندرية في الأول من أكتوبر.

وقال الشاذلي "لدهشتي، الحسن قال إنه يفضل أن يغادر اللواء بداية نوفمبر. لم أستطع إقناعه دون كشف الموعد".

ويشير الكاتب إلى أن المصريين خططوا للحرب في السادسة مساء السادس من أكتوبر مع اخر ضوء في النهار، حتى تكون الدنيا مظلمة أمام الطيارين الإسرائيليين في طلعاتهم للهجوم على القوات التي تعبر القناة، والاستفادة من طول الليل. لكن عندما وصل وزير الحربية المصري أحمد إسماعيل إلى دمشق الأربعاء في 3 أكتوبر، واجه تعقيدات سورية، وكان هناك خلاف على التاريخ والوقت. طالب الأسد بتأجيل الهجوم إلى الاثنين، 8 أكتوبر، مع أول ضوء للنهار، حتى تتسبب الشمس في إعاقة رؤية الطيارين الإسرائيليين الذين يهاجمون القوات السورية.

وقال إنه عندما اتصل مروان بزامير لتحديد موعد، كانت معلوماته محدثه حتى صباح 3 أكتوبر. لكن تلك المعلومات كان قد مر عليها يومان عندما التقيا في لندن، رغم أنها كانت صالحة جزئيا مرة أخرى عندما التقى مروان مصادفة بصديق له من مصر للطيران في لندن وسمع منه أن طائرات مصر للطيران تم إخراجها من مطار القاهرة الدولي، خوفا من تعرضها لهجوم.

ولم يكن مروان يعلم أن لتاريخ تغير خلال زيارة وزير الحربية أحمد إسماعيل إلى دمشق. رفض إسماعيل في التخلي عن 6 أكتوبر، وزعم أنه غير مسموح له بتغييرها دون موافقة الشاذلي (رئيس الأركان). وتوصل الطرفان بعد تفاوض إلى حل وسط: بدء الحرب في الثانية ظهرا بدلا من السادسة مساءا.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل