المحتوى الرئيسى

قصة العراق والشام

10/13 15:28

أحار كلما أردت الكتابة عن العراق والشام: أنَّى البدء وكيف الانتهاء؟!

بيداء وحواضر وجنان ضمت حضارات وملاحم ومتناقضات قَصَصها لا ينتهي وعجائبها لا تنقضي، فالفرح فيها ليس كمثله فرح والوجع كذا لا يدانيه وجع.

سمَّاها جيمس هنري برستد "الهلال الخصيب"، هلال عمل فيه مشرط فرانسوا جورج بيكو ومُدية مارك سايكس عملَهما إثر سقوط العثمانيين، إلى أن استحال أربع مِزَع يقال إنها دول، بين ظهرانَيها جسم غريب يُدعى "إسرائيل".

قصة بقِدَم الآشوريين تلاحقت فيها الأحداث وتطورت مع العصور، لعل أبرز ما فيها بعد الإسلام قبيل ولادة دولة بني أمية؛ حيث وقعت الفتنة بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- معه أهل الكوفة، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- في دمشق، ثم كان ما تعلمون.

عيّن الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان الحجاجَ بن يوسف على بلاد الرافدين التي كره أهلَها وكرهوه، فلا تكاد خطبة من خطبه اللّاذعة تخلو ممّن ذمه وثلبه إياهم، هو الحجاج نفسه كليب بن يوسف الثقفي الذي ارتحل من الطائف مسقط رأسه إلى الشام؛ حيث ابتدأ طموحه السياسي في الشرطة، ولم يزل يترقى بحزمه وصرامته حتى وُلّي على العراق وتحت إمرته جيش شاميّ الهوى.

انتقلت عاصمة الخلافة من دمشق إلى بغداد بعد أفول الأمويين وبزوغ الدولة العباسية التي نشأ في خضمّ تفككها سيد الشعراء أبو الطيب المتنبي التيّاه الكِندي النسب الكوفي المولد المالئ حلبَ، إذ أمضى فيها أحلى أيامه بصحبة سيف دولتها، ثم كانت خيبة:

أتيت أرى الشهباء لكنّ خيبة ** أطاحت بأحلامي وأدمت صباحيا

فحطّت سحابات من الحزن في ** دمي كأنّي أرى ما لا يُرى في دمائيا

لقد بات فيها كلّ شيء مشوهاً ** فقد ضيّعوها واستباحوا تراثيا

كأنّي بها أمست بقايا مدينة إلى ** الموت قد أمسى بها النجم هاويا

سأرحل.. لا شعري يعيد مدينتي ** ولا أدمعي تحيي دهوراً خواليا

لعلي أرى الشهباء في قبر وحدتي ** فأبعثها، فالقبر أمسى عزائيا

أضمّ بقاياها وأحيي رميمها ** وأطلقها بيضاء للحبّ ثانيا

هي الأيام، لا هناءة باقية ولا اغتمام يدوم.

استأثر الانتداب البريطاني فور خمود الحرب العالمية الأولى ببغداد والبصرة والموصل، في حين أعلنت قوات "الثورة العربية" بقيادة فيصل بن الشريف حسين قيام "المملكة السورية العربية"، وكان معظم أركان حكومتها من العراقيين: كجعفر العسكري، وياسين الهاشمي، ونوري السعيد، ومولود مخلص وغيرهم.

وفي عام ألف وتسعمائة وعشرين للميلاد (1920 م) عُقد مؤتمر الحلفاء في سان ريمو بإيطاليا، الذي أقرّ بالانتداب البريطاني على العراق والفرنسي على سوريا، ثم اندلعت في يونيو/حزيران من العام نفسه الثورة العراقية الكبرى ضد الاحتلال البريطاني، وفي العشرين من يوليو/تموز وقعت معركة ميسلون التي انتهت باحتلال الفرنسيين لدمشق وإسقاط حكومة الملك فيصل الذي حال إلى العراق ليؤسس حكماً جديداً فيه.

كانت الحدود بين البلدين غير محددة في هذه الفترة المبكرة من تاريخهما، إلا أن خط الحدود العثماني بين الولايات العراقية والسورية كان نهر الخابور، ولذا كانت مدن البوكمال والميادين ودير الزور عراقية حسب هذه الحدود.

وقد أرسلت بريطانيا ضباطاً سياسيين لحكمها، ولكن في أواخر عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر للميلاد (1919 م) شنّت قوات سورية وعشائر هجوماً على هذه البلدات وأسرت الضباط البريطانيين، ما أجبر بريطانيا على القبول بالأمر الواقع، فتم تعديل الحدود إلى وضعها الحالي. "ويكيبيديا - بتصرُّف"

انقلب "حزب البعث" سنة ألف وتسعمائة وثلاث وستين للميلاد (1963 م) على الحكمين في البلدين، فصار "البعث" بعثين متصارعين على "الزعامة القومية"، حتى وصلت الخسة بحافظ الأسد إلى دعم إيران في حربها ضد العراق الذي اجتاحته أميركا في السنة الثالثة بعد الألفين للميلاد (2003 م) واجتثّت "بعث" صدّام متغاضيةً عن "بعث" النصيرية في الشام!

غزو خلّف مئات آلاف القتلى وأضعافهم من الجرحى ومدناً وقرى خاوية على عروشها واحتلالاً فارسياً حقوداً يمتطي الرافضة لبثّ زعافه في الرافدين؛ كي يتجرّعه المسلمون.

وقتئذ هبّت جموع من الشباب السوري الغيور للجهاد في العراق مدفوعين من خطباء محرّضين وإعلام مجيِّش بإخراج مخابراتيّ أراد أن يعلم من لم تزل فيه بقية نخوة وبعض حميّة.. ضاعوا في متاهة العراق من دون ناظم عمل ولا دراية بالأرض مع طعن في الظهر، فمنهم من قضى نحبَه ومنهم من آبَ ليجد سجون الأسد تنتظر.

لم يُلفِ السوريون في ثورتهم ملاذاً لدى الجار العراقي كما ألفى هو عندهم، ولا ملامة، فالمصاب ذاته على بلاد رديفها الأسى، أسى تعرفه في شجيّ صداح أهلها وحزن "مواويلهم"، وعديد طوائفهم وأعراقهم المُسمّى تبجّحاً "فسيفساء جميلة"!

يقال إن أول ظهور لآلة العود كان في بلاد ما بين النهرين ومنطقة الجزيرة السورية، وقد وقع الباحثون في شمال سوريا على أقدم أثر يدل عليها "نقوش حجرية تعود إلى خمسة آلاف سنة تمثل نساء يعزفن على العود"، فلا عجب أن تُنسب أجود أنواعه إلى بغداد أو دمشق، وأن يكون زرياب عراقياً، ولا عجب أن يكتب نصير شمة "أنا عراقي من حلب": "... ولي أن أقول لحلب وأهلها أنا عراقي من حلب وموسيقي عاش في قدودها، وما زال يحس بطعم شايها، وابن المطبخ البغدادي الأصيل الذي استهواه طعم أكلها خارجاً من مطابخ سيدات حلب، وابن حضارات يستلهم من حضارتها، حلب الأصدقاء الذين أحببت، حلب الروح والقلب معاً.. لي أن أقول من قلبي: سلاماً، ومن روحي: سلاماً".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل