المحتوى الرئيسى

رحلة يهودي داخل مقرات الجزيرة: تبني جسور التواصل مع القليل من الجدل

10/13 15:28

تتداخل هذا العام ذكرى عاشوراء مع يوم الغفران "عيد كيبور" حيث يتزامن التقويم الإسلامي والعبري

غداً هو اليوم الذي يعتبر الأكثر قدسية بين أيام العام بالنسبة للشعب اليهودي، وهو وقتٌ للتفكر والتأمل كأفرادٍ ومجتمعٍ ومواطنين في هذا العالم.

بدأت رحلتي من مدينة بالتيمور وأخذتني لجميع أرجاء العالم، في بداية شهر تشري -أول الشهور العبرية- عام 2005، كنت ضحيةً لجريمة كراهية في شوارع إحدى العواصم الأوروبية، وتم استهدافي بسبب ديانتي؛ حيث تعرضت للطعن من شخصين تونسيين عرب في بروكسل.

مع الوقت تخطيت ما حدث، على الرغم من صعوبة غفران الموقف واستحالة نسيان الحادثة، قررت بعدها تبني منظورٍ أكثر واقعية انطلاقاً من شعوري بالمسؤولية للتعلم مما حدث.

لقد كان الحادث مروعاً، لكنه أجبرني على أن أواجه ذاتي بالعديد من التساؤلات حول الهوية والسياسة. وتوصلت في النهاية إلى أن هذا الحادث لن أتمكن من تخطيه بالغضب والتحيز، بل قررت أن أبدأ سعيي لنشر التسامح والـ"تيكون أولام".

وبعد خمس سنوات، في عام 2010 (بالمصادفة في شهر تشري أيضاً)؛ بدأت ملحمة حياتي في مؤسسة "الجزيرة" الإخبارية بالدوحة؛ حيث أصبحت صحفياً عبر الإنترنت لموقع القناة الإنجليزية.

وفي تشري الماضي عام 2015، احتفلت بالذكرى الخامسة على بداية عملي للشركة، حيث كنت المحرر الرقمي للنسخة الأميركية من شبكة الجزيرة في مدينة نيويورك.

وإذا كنت تتساءل كيف وصلت من تشري الأول إلى تشري التالي إلى تشري الأخير؛ فإليك الإجابة في السطور التالية:

القصة باختصار هي حكاية مغامرة وتنوير والكثير من النضال، فقد كنت شاهداً على ذروة ثورات الربيع العربي من داخل دولةٍ منغمسةٍ عن كثب في الحراك السياسي بالمنطقة، فتمكنت من متابعة العديد من تلك الثورات بشكل مباشر.

وتمكننا من بث رسالةٍ عالمية وتقدمية لجمهور متنوع التوجهات، ولكننا أثرنا في نفس الوقت الكثير من الجدل والانقسامات، وفي غضون ذلك، وجدت لنفسي وطناً مؤقتاً في الشرق الأوسط، كان أكثر أماناً من أي مكانٍ أقمت فيه على الإطلاق.

وبصفتي يهودياً يعمل في قنوات الجزيرة، كان هناك الكثير من الأوقات العصيبة أيضاً. كان أقساها على نفسي الإشارات المسيئة بصورةٍ غير معتادة عن إسرائيل وهتلر وحماس.

ومع ذلك، تركزت مهمتي على بناء جسور التواصل وتحقيق السلام على المستويات الشخصية والعودة بمعارف جديدة إلى أرض الوطن.

لم أكن أتوقع أن أعرف الكثير مما تعلمته في واحة قطر الصحراوية شديدة الحداثة، وفي عصر يومٍ شديد الحرارة، كنت جالساً في الكافيتيريا مع بعض أصدقاء العمل: آزاد وسعود ومحسن. أحضر عامل الكافيتيريا -الذي يقل راتبه عن 200$ شهرياً- صواني الغداء التي طلبناها، وبدأ الجميع في تناول الطعام، باستثناء محسن.

أصابني الفضول أكثر من أي وقتٍ مضى، فنظرت لأجد يده ممسكةً بلحيته؛ ليخبرني بعدها أنه كان صائماً، لأننا كنا في اليوم العاشر من أول شهور التقويم الهجري الإسلامي، فتوقفت، في محاولةٍ لاستيعاب التفاصيل.

لقد كنت أعلم أن المسلمين الشيعة يقدمون طقوس الحداد والحزن في يوم عاشوراء، لكنني فوجئت أن أهل السنة أيضاً يمتنعون عن تناول الطعام والشراب في هذا اليوم. لماذا؟ لإحياء ذكرى انتصار موسى وبني إسرائيل على فرعون مصر. وأشار أيضاً إلى أهمية العديد من أنبياء بني إسرائيل في هذا اليوم المقدس، مثل: نوح ويونس وأيوب.

مجرد التفكير في قدرتي على خلق رابطٍ روحاني مع زميل العمل السعودي النشأة على أساس نفس اليوم المقدس، كان أمراً رائعاً. قمت بالمزيد من الأبحاث عند عودتي للمنزل، بحثاً عن المزيد من القواسم اللغوية المشتركة. "الشباث" هو يوم السبت، و روش هاشناه هو رأس السنة. ويوم كيبور تنقسم إلى جزأين "يوم" والتي تحمل نفس المعنى، وكيبور تشبه "كفارة" في العربية، والتي تعني التكفير عن الذنوب والتعويض عن الأضرار في الشريعة القرآنية.

وتمتد قائمة الكلمات والمعاني المتداخلة لتبلغ الآلاف، بدايةً من المفاهيم العقائدية وحتى أجزاء جسم الإنسان. وبالتعمق في أسرار اللغة، أدركت عظمة حجم التقارب التاريخي بين أبناء عمومتنا؛ على الرغم من الوضع الجيوسياسي المعقد. وساعدني تقديري للتراث الثقافي المشترك على اكتشاف الكثير من المأكولات والموسيقى المذهلة وغيرها.

ونما ارتباطي بإسرائيل ليصبح أكثر قوة بسبب رحلاتي إلى الأراضي المقدسة، فعلى الرغم من إدراكي للمصير المشترك مع الشرق الأوسط بشكلٍ عام، كان ارتباطي بالأرض الموعودة المرسومة أكثر عمقاً.

ومع ذلك، فانجذابي لتل أبيب والقدس لم يأت على حساب أريحا أو رام الله، فأنا أؤمن تماماً بوجود وطنٍ قوميٍ لليهود، مثل ما أؤمن بأحقية الفلسطينيين في وطنٍ مماثلٍ صالحٍ للحياة.

لا أمتلك القدرة على اقتراح استراتيجيةٍ كبرى جديدة تخرج بحلٍ دائمٍ لإقامة الدولتين أو تأسيس السلام في هذا الجزء المتزايد النزاع والفوضى من الكوكب. فليس هناك عصىا سحرية لحل أزمة اللاجئين السوريين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، أو هزيمة داعش، أو تهدئة إيران.

ولكن في اليوم العاشر من شهر تشري، أتمنى أن ينجح مفهومي عن التسامح في تعليمك كيف تشكل وجهة نظرك الخاصة، بينما نبدأ عام 5777 بآمالٍ وأحلامٍ متجددة.

دعونا نتصالح مع الماضي، ونستفيد من الحاضر الاستفادة القصوى، لنبني مستقبلنا معاً. صوماً مقبولاً "تزوم كال"، و"جامار شاتيما توفاه" وليكن مقدراً لك في كتاب الحياة أن تعيش عاماً جيداً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل