المحتوى الرئيسى

حسن كامى.. العاشق الأخير

10/12 22:11

فى زمن سرقت منه الدهشة وعز فيه الوفاء يصبح السخاء العشقى المدهش فى إغداقه والإخلاص والعشق اللامتناهى حتى بعد الفراق ضرباً من المستحيل، وثمة بعض الرجال عاشق بدرجة فارس تقيم محبوبته فى دورته الدموية وفى الشبكة البصرية لعيونه وفى مسام جلده، حواسه الخمس لا ترى ولا تسمع ولا تشعر بشىء آخر سواها، هذا الرجل ما زال يسكن معنا على هذه الأرض ولكنه يعيش بروحها وفى ظلالها، خاض حرباً شرسة وناضل بإصرار ومثابرة كى يتزوج ممن احتلت قلبه منذ النظرة الأولى، وأثبت أن المشاعر قادرة على الانتصار على ما أوتى البشر من مستحيلات، فقد عشق فتاة مسيحية من أسرة شديدة الثراء فى صعيد مصر فكانت الديانة والأسرة والمستحيلات أمام حسن كامى الشاب الذى ينتمى لأسرة محمد على، والذى اختار الغناء الأوبرالى عن عشق منقطع النظير، وقفت الأم بكل قوة أمام هذا الحب، وعندما لم تنجح أحالت قضية المشاعر إلى القساوسة فذهب حسن لمقابلة سبعة منهم على مراحل، وكان يخرج منتصراً وبعد حرب استنزاف ومعاناة انتصرت المشاعر ولم يستطع حسن كامى إقامة حفل زفاف لزوجته شديدة الثراء، لأنه كان لا يضاهيها فى هذا الثراء ولكن مشاعره وأحلامه وإرادته أهدتها ثراء العشق والحياة الجميلة، فيما بعد فقد ذهبا معاً لأغلب بلاد العالم، وعندما ذهبت عينه لأخرى بعض الوقت عاد إليها نادماً وقبّل حذاءها وأهداها مشروع عمره مكتبة «المستشرق» التى يجلس فيها بالساعات محدقاً فى صورة «نجوى» الحبيبة الحاضرة بقوة رغم الغياب فهو يحب هذه المكتبة حبين، حب الكتب وحباً لما تحويه من روائح نجوى الغالية، هذه المكتبة التى يعود تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر على يد فيلدمان اليهودى المصرى لتكون مرجعاً للمهتمين والمستشرقين، انتقلت ملكيتها لشارل بحرى، وهام حسن كامى بهذه المكتبة لشغفه بالكتب والقراءة، وبعد 17 عاماً من حلم شرائها وافق شارل على بيعها واستدان كامى ليكمل الثمن لتكون هذه المكتبة هديته الكبرى لمحبوبته، ولأن منطقة وسط البلد التى كانت يوماً ما عنوان الأناقة ورقى المعمار فى العالم تحولت إلى أسواق أغلبها محلات أحذية تعلن للأسف عن الصورة الجديدة لمصر التى كانت تحتفى بالثقافة والتنوير، فأصبحت فيها الأحذية التى تنتعلها الأقدام بضاعة رائجة بينما توارت صناعة الكتب والتنوير، وأصبح التفكير فى العلم والثقافة وبناء العقول ليس من أولويات الحياة، فكان قلق حسن كامى أن تتحول هذه المكتبة العريقة إلى محلات لبيع الأحذية، وتركيبة حسن كامى جعلته متفرداً فى اختياراته ومتفرداً فى صدماته، فقد رحل ابنه الوحيد فى سن الـ18 نتيجة حادث وكان هو بالخارج فلم يره، ولكن جاءته فاجعة الخبر ووقتها طلب من زوجته أن تساعده على التماسك وتجاوز المحنة الأصعب فى حياة أى أب، وجاءته صدمة فقد زوجته ليمرض فترة طويلة وتنقذه هى فى غيابها، فكانت حاضرة وما زال يعيش وكأنها لم ترحل ويرسل إليها كل يوم رسالة على صفحته على «فيس بوك» وتنطق هذه الرسائل بمشاعر صادقة متوهجة، وبعد رحيلها اعتزل الأوبرا وأصبح يقضى وقته وحياته معها فى المكتبة وفى البيت، فهى الحبيبة والزوجة والصديقة والأم والابنة والأخت والإلهام، ويقول سأظل أعيش فى عالمها والبيت الذى بنيناه سيظل كما هو لم تُمس فيه قشة، واللوحات التى وضعت يدها عليها والحوائط والكتب التى كانت تقرأ فيها، ولهذا فهو يؤكد أنه كلما قام ببيع كتاب شعر بغصة فالكتب هى رفقاء الحياة، ولأن زوجته كانت رئيسة جمعية أيتام فقد قرر أن يتحول إلى ملكية بينهم لهذه الجمعية تخليداً لذكراها، ويكون للجمعية حق استغلاله كمركز ثقافى يتعلم فيه الأطفال الفنون التى تحبها فكانت مهتمة بالأدب والموسيقى والرسم والباليه، كم نحتاج لأن يتعلم كثير من الرجال كيف يحب حسن كامى وتتعلم النساء كيف تصبح امرأة بكل هذا الحضور والطغيان الذى كان لنجوى، حياة حسن كامى إرادة وجوانب إيجابية نحتاجها ليصبح العشق والإرادة والإيجابية عدوى وأسلوب حياة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل