المحتوى الرئيسى

ماذا تخفي أوروبا وأمريكا.. ولماذا تستمر المماطلة في سوريا؟

10/12 12:48

لم تكن أوروبا بعيدة عن قلب الملف السوري، ولكن كان هناك أمل بأن تتعامل وفق إعلاناتها عن حقوق الإنسان، بعيدا عن التبعية لتوجهات واشنطن.

إن توجيه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون اتهامات مباشرة وواضحة إلى روسيا بالتورط في قصف قافلة المساعدات الإنسانية إلى حلب، لم تكن الحالة الأولى، لأن النخبة السياسية الفرنسية نفسها كانت قد أطلقت حديثا حول ضرورة "حشر" المحكمة الجنائية الدولية في قضية حلب، متجاهلة على سبيل المثال قصف قوات التحالف الأمريكي منطقة دير الزور.

 كل ذلك يتزامن مع لهجة فرنسية غير ودية، وغير دبلوماسية، مارسها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نفسه قبيل ساعات من الإعلان النهائي عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لباريس. وجاءت النبرة الفرنسية متعالية، ومخالفة لكل التقاليد البروتوكولية، سواء بين الدول الكبرى أو الصغرى. إضافة إلى تعمد باريس انتهاك الاتفاق بشأن الفعاليات التي يجب أن تجري خلال زيارة بوتين، وإمعانها في تقليص أجندة اللقاء وقصرها على "الملف السوري"، وفق نظرة باريس المرتبطة ارتباطا عضويا بمشروعها الذي تم تعطيله في مجلس الأمن بشأن التسوية السورية والأوضاع في حلب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى هناك.

 باريس تريد أن تملي وجهة نظرها في الملف السوري دعما لواشنطن، على أمل أن تترك لها الأخيرة بعض الفتات في ليبيا. ولكن الولايات المتحدة بطبيعة تركيبتها وتوجهاتها لن تترك ليبيا لفرنسا أو لغيرها. ومع ذلك هناك حالة من حالات الحشد تقوم بها الولايات المتحدة لحلفائها الأوروبيين التقليديين مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وقريبا قد نرى طابورا من "المتحالفين الصقور" من دول أوروبا الشرقية، الذين يتحالفون مع واشنطن بصرف النظر عن القضية أو مكان الأزمة وجغرافيتها وتاريخها.

 بعد اللقاء الأول لممثلي وزارات خارجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في وزارة الخارجية الألمانية حول سوريا و"الشروط" التي يجب أن يعلنوا عنها لروسيا من أجل التعاون في الأزمة السورية، جرى ترتيب لقاء آخر بين وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في روما حول نفس الموضوع، ما يعني أن الأوروبيين يوزعون الأدوار، ويبحثون عن نصيبهم، أو عن طرق معينة لمبادلة نصيبهم هنا بمقابل له هناك.

 ولكن من الواضح أن الترتيبات الروسية الجديدة، سواء مع تركيا أو مع الصين، أو مع دول معينة في الشرق الأوسط، تثير سخط الإدارة الأمريكية التي لم تعد تتحكم في مجريات الأمور على خلفية الحملة الانتخابية الرئاسية هناك، وفي ظل الفوضى المؤسساتية التي تسيطر على وحدة القرار النهائي في واشنطن بشأن أزمات كثيرة، على رأسها أحداث الشرق الأوسط، وبالذات في سوريا وليبيا واليمن. إضافة إلى الأزمة الأوكرانية، ومحاولات الحشد الأمريكي – الأوروبي ضد روسيا أيضا.

 وفي واقع الأمر، تتحدث تقارير صحفية متواضعة عن أن أوروبا تريد أن تأخذ دور الولايات المتحدة المشغولة في الانتخابات، ولكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك. إذ أن لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية، مثل الولايات المتحدة بالضبط. وهناك تنسيقات بدرجات معينة، سواء في إطار حلف الناتو أو في أطر ثنائية. ورغم ذلك، فهناك بعض التباينات، نظرا لجشع واشنطن ورغبتها في السيطرة على أوروبا أيضا، وإرهاق ميزانيات دولها، ما يضع النخب الأوروبية الحاكمة في مآزق عديدة قد تظهر نتائجها قريبا على المستويات السياسية والاقتصادية، والمعيشية – الاجتماعية المباشرة.

 هناك أطراف كثيرة تختبئ وراء ظهر روسيا، وتأمل ليس بالضبط في إطالة أمد الصراعات بين موسكو وواشنطن، وإنما في الإمعان بالاختباء والحصول في الوقت نفسه على أكبر قدر من المكتسبات. وهناك أيضا أطراف تعوِّل على أن تدخل روسيا حروبا بالوكالة أو من أجل انتصارات صغيرة. ولكن روسيا في حقيقة الأمر لديها مصالحها الموزعة على نطاقات زمنية وجغرافية محددة (من حيث التكتيك والاستراتيجية)، ولها أولوياتها التي تتعلق بأمنها المباشر، وتأمين نطاقات مصالحها القريبة والبعيدة. وبالتالي، فروسيا لا تتوق إلى حروب أو تلقي بنفسها في مواجهات مسلحة مع هذا الطرف أو ذاك، لأنه مع وجود الإرادة السياسية والرغبة في العمل السياسي والدبلوماسي، يمكن التعامل مع كل القضايا والأزمات.

 ولكن من الواضح أن النخب السياسية الحاكمة في أوروبا والولايات المتحدة، ورغم الأزمات المالية والاقتصادية، أصبحت في مأزق أمام الرأسماليين وأصحاب الشركات الكبرى كأفراد، وأمام المؤسسات والشركات العابرة للقارات كقاطرات للرأسمالية العالمية. وبالتالي، يبدو أن الرغبة في إثارة الحروب والصراعات المسلحة تتغلب على الرغبة في إحلال تسويات وتطبيع للقضايا والازمات العالقة. كل ذلك يساعد الولايات المتحدة والعديد من حلفائها الأوروبيين على تشغيل "الفوائض المالية" التي لم تعد تتسع لها النطاقات الجغرافية الداخلية في دولها، أو بالأحرى في الدول الكبرى "المتخمة"، ونقلها إلى دول ومناطق تجري صياغتها وصياغة جغرافيتها في الوقت الراهن، سواء عن طريق الحروب المباشرة أو غير المباشر، وسواء عن طريق استخدام تداعيات النشاطات الإرهابية وتقسيم الإرهابيين إلى جيدين وغير جيدين، أو التعاون مع قوى يمينية دينية متطرفة أو قوى استبدادية محافظة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل