المحتوى الرئيسى

عن يأس «أوبك» والتنازل السعودي القاسي

10/12 00:15

كمثل «الطفل الذي بكى من الذئب»، يُعتبر العام 2016، عام منظمة الدول المنتجة للنفط التي «بكت» من «خفض الإنتاج». وإذا تمّ تثبيت النفط الصخري الأميركي كمنتج أساسي في سوق النفط، فإن دول الشرق الأوسط النفطية وتحديداً السعودية، مُقبلة على سنوات عجاف وصعبة.

في شباط الماضي، دعت منظمة «أوبك» بالتعاون من روسيا، إلى تجميد إنتاج النفط من أجل رفع أسعار النفط الخام. لكنّ هذه الجهود تداعت في لقاء الدوحة الذي عُقد في نيسان الماضي، عندما رفضت طهران تجميد إنتاج النفط قبل استعادتها مستويات الإنتاج الذي كانت تتمتّع به قبل فرض العقوبات عليها، أي ما يُقارب أربعة ملايين برميل يومياً. وفشل اقتراح مماثل في اجتماع المنظمة الأخير في حزيران الماضي.

ودعت «اوبك»، مرة أخرى، إلى «خفض الإنتاج» بأي طريقة، خلال اجتماع الجزائر الاستثنائي في 28 من أيلول الماضي، وارتفعت أسعار خام برنت حوالي 15 في المئة خلال الأسبوع التالي من 46 دولارا إلى 52 دولارا للبرميل.

السؤال هو: هل ينبغي أن تأخذ الأسواق منظمة «أوبك» على محمل الجد؟ هل يُمكن لإجراءات المنظمة الحفاظ على السعر المُرتفع للنفط الخام على المدى الطويل؟ على الأغلب، لن تستطيع ذلك.

دخلت منظمة «اوبك»، التي تُسيطر عليها السعودية، في سبات في صيف العام 2014. فالانخفاض الحاد في أسعار النفط من 100 دولار للبرميل في أوائل العام 2014، إلى ما دون 30 دولارا بحلول كانون الثاني 2016، تسبّبت به الاستراتيجية التي اتبعها وزير النفط السعودي آنذاك علي النعيمي من أجل الحفاظ على حصة السعودية في السوق النفطي والتأثير على إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري من خلال زيادة إمدادات المعروض وخفض الأسعار.

تفاوتت النتائج، فبينما رفعت الرياض إنتاجها بحوالي مليون برميل يومياً منذ منتصف العام 2014 إلى الوقت الحالي، (ذروة الإنتاج وصلت إلى 10.7 ملايين برميل يومياً في آب العام الحالي)، تلقّت ماليتها ضربة قوية مع ارتفاع عجز الموازنة من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16 في المئة في العام 2015، نظراً لأن 90 في المئة من عائدات الحكومة تأتي من النفط.

وعلى خلافات التوقّعات السعودية، فإن إنتاج النفط الصخري كان أكثر «مرونة»، وسار على الطريق الصحيح لإنتاج 8.7 ملايين برميل يومياً في العام الحالي.

يُمكن للمنظمة أن ترفع الأسعار على المدى القصير من خلال «خفض الإنتاج»، لكنّ لن يمرّ وقت طويل، ربما بحلول منتصف العام 2017، قبل أن ينتعش إنتاج النفط الصخري الأميركي ويستولي على حصة في سوق النفط العالمي. وهذا سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى انخفاض جديد في الأسعار.

وبالنظر إلى «إعلان الجزائر»، وهو عبارة عن «اتفاق للتوافق»، فإن الحديث عن «قيامة أوبك» يُصبح هشّاً، حيث تمّ تعيين «لجنة خاصّة» من الدول الأعضاء في المنظمة لتحديد حجم الإنتاج الجديد لكل ّ دولة بعد الاتفاق على خفض الإنتاج الذي سيكون ساري المفعول في تشرين الثاني المقبل.

علاوة على ذلك، ومن أجل التوصّل إلى اتفاق مؤقت في الجزائر، استثنى وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إيران وليبيا ونيجيريا من المُشاركة في «خفض الإنتاج»، فيما يُعدّ تنازلاً جيوسياسياً سعودياً كبيراً تجاه إيران، بوساطة روسية، في موقف لن يكون من السهل الحفاظ عليه نظراً للعداء السعودي - الإيراني.

«إعلان الجزائر» يضع الحمل كله على عاتق السعودية. ومع خفض إنتاج السعودية من 10.7 مليون برميل يومياً أي حوالي 300 ألف برميل يومياً خلال الأشهر المُقبلة، فإنها ستضطر إلى تخفيض المزيد من إنتاجها لتحقيق التوازن في السوق. في «اجتماع الجزائر»، تقرّر تخفيض إنتاج النفط حوالي 700 ألف برميل (رسمياً تمّ تحديد سقف «اوبك» من إنتاج النفط ما بين 32.5 و33 مليون برميل يومياً).

وإذا كانت بعض دول المنظمة، وتحديداً الكويت والإمارات، مستعدة لخفض، بنسب قليلة، إنتاجها، فإن منتجين أساسيين كالعراق وفنزويلا، في موقف مالي حرج يمنعهما من القبول بخفض إنتاجهما بنسب كبيرة. وعلى الأرجح، فإنهما سيُوافقان على «تجميد الإنتاج» نظراً لأن مستوى إنتاجهما قريب جداً من حجم الانتاج الذي تمّ الاتفاق عليه (4.4 و2.1 مليون برميل يومياً على التوالي).

أما بالنسبة للدول من خارج المنظمة، فإن روسيا وصلت إلى انتاج 11.1 مليون برميل يومياً في آب الماضي. وبما أن نسب إنتاجها قريب جداً من مستوى الانتاج المُحدّد، فإن موسكو لن تخسر الكثير بدعمها خفض الانتاج داخل المنظمة، والقبول بعدم رفع الانتاج بنسب كبيرة. ومع ذلك، فإنه من غير المرجّح أن يفرض الكرملين خفض الانتاج على شركات النفط العاملة في البلاد.

إذاً، لماذا جاهر المسؤولون السعوديون وتعهّدوا برعاية «اتفاق جديد محكوم بالفشل» أو «تحمّل النسبة الأكبر من خفض الانتاج لإنجاح الاتفاق»؟

على المدى القصير، يبدو أنه كان على المملكة أن تُقدّم تنازلات نظراً للصعوبات المالية التي تُعانيها جراء انخفاض أسعار النفط.

وعلى المدى الطويل، يبدو أن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استشرف التهديد المُباشر الذي يُمثّله النفط الصخري على إنتاج النفط السعودي، وبالتالي ركّز على الحاجة لإصلاحات جذرية في الاقتصاد السعودي. وكما قال الأمين العام الأول للمنظمة أحمد زكي يماني في العام 1970، «العصر الحجري لم ينته بعد، لأن الأرض نفدت من الحجارة». التغير المناخي سيكون المشكلة الرئيسية في القرن الـ21، والعالم يبتعد عن الوقود الأحفوري. وبالتالي ستنتهي اللعبة بالنسبة للسعودية إن لم تدخل عصر الإصلاح.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل