المحتوى الرئيسى

أهم «تحقيق استقصائي» العملة.. التجارة الحرام فى مصر

10/12 13:47

_ من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الأسبوعية

أهم تحقيق استقصائى يكشف خبايا «تجارة سوداء» تهز الاقتصاد القومى

35  مليار دولار حجم التداول فى السوق السوداء حسب تقديرات هشام رامز

58%  من النقد الأجنبى الوارد إلى مصر يدخل فى السوق الموازية

تاجر بالمحلة: المكسب اليومى يتراوح بين 2000 جنيه إلى 5000

50  يورو أوقعت بتاجر بالمحلة فى كمين مباحث الأموال العامة.. لكنه خرج «براءة»

ترزى وبائع «إيشربات» وصاحب كشك يتاجرون بالعملة فى شوارع القاهرة

نائب بنك العربى الإفريقى: 43 بنكًا فى مصر قادرة على توفير العملة للمواطنين بعيدًا عن السوق السوداء

تاجر مصرى بالسعودية يستغل ثبات قيمة الريال أمام الدولار على حساب الجنيه المصرى

اتفاقات تجارة العملة تتم على فيسبوك بسعر العرض والطلب.. وبعيدا عن أعين الشرطة

مفاجأة.. شركة صرافة «مشطوبة» منذ مارس الماضى تمارس عملها فى السوق السوداء بكل حرية

محافظ البنك المركزى يرفض الرد على أسئلة «اليوم الجديد» حول ما رصدناه فى هذا التحقيق

فى أحد أركان مطار القاهرة كان عم أحمد يتسلم 12 ألف ريال سعودى أرسلهم له أبناؤه فى السعودية عن طريق أحد زملائهم المسافرين. لم يكن الأب المحلاوى الوحيد الذى ينتظر وصول الأموال، فقد كان يتابعه أحد كبار تجار العملة الأجنبية فى السوق السوداء بمحافظة الغربية عبر الهاتف المحمول. طمأنه عم أحمد (نحتفظ باسمه كاملًا) على وصول المبلغ، وسرعان ما تم الاتفاق. هذا الاتفاق زاد من قيمة العملة 75%، ليصل سعرها لـ36,600 جنيه، عن سعرها المحدد فى البنوك المقدر بـ 27,600 جنيه، وفقًا لأسعار شهر يوليو. ويرى الأب الستينى «أن السوق السوداء الحقيقية هى التى تتسبب فى خسارته مبلغًا ضخمًا».

حالة عم أحمد ليست حالة فردية، فهو وغيره يشكلون مصدرًا هامًّا يغذى السوق السوداء للاتجار بالنقد الأجنبى، التى لا يوجد إحصاءات رسمية عن حجم تداولاتها، بينما يقدر محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز حجم التداول فيها بـ35 مليار دولار، فى حين أن إجمالى واردات مصر من النقد الأجنبى يبلغ 60 مليار دولار سنويا، بما يعنى أن السوق السوداء تسيطر على 58% من النقد الأجنبى.

ووصلت أزمة النقد الأجنبى فى مصر لذروتها فى الشهور الماضية من عام 2016، فقد وصل سعر الدولار نهاية ديسمبر 2015 إلى 7,78 للشراء 7,83 للبيع، بينما فى السوق السوداء سجل ما بين 8,65 إلى 8,80 بزيادة لا تتجاوز الجنيه الواحد. ووصل بعد تخفيض البنك المركزى لسعر الجنيه 14,5% فى 16 مارس السابق إلى ذروته فى السوق السوداء بزيادة تصل إلى 30% عن سعر البنك، مسجلًا 14 جنيها وقت كتابة التحقيق.

وانحصرت نماذج الجرائم التى يعاقب عليها قانون 88 لسنة 2003 الخاص بالبنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد «جرائم الاتجار بالنقد الأجنبى»، وهى النماذج المنشورة على موقع الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية ، فى: شراء وبيع العملات الأجنبية خارج نطاق السوق الرسمية (بنوك/ شركات صرافة). جرائم ترتكبها شركات الصرافة، مثل شراء أو بيع العملات الأجنبية داخل شركات الصرافة أو البنوك بأسعار تفوق الأسعار المعلنة. قيام شركات الصرافة بإخفاء مواردها من العملات الأجنبية عن التداول والامتناع عن بيعها للجمهور على الشباك، وتجميعها لبيعها خارج الشركات لكبار العملاء والمستوردين بأسعار السوق السوداء. جرائم يرتكبها الجمهور العادى، حيث قيـامـه بالتعامل فى العملات الأجنبية بيعا وشراءً خارج نطاق السوق المصرفية «بنوك/ شركات صرافة».

وعلى الرغم من تغليظ عقوبات القانون رقم 88 فى القانون رقم 66 لسنة 2016 الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم 19 أغسطس الماضى، رصد معدا هذا التحقيق الاستقصائى عددًا من جرائم «الاتجار فى النقد الأجنبى»، وتوصلا لعدد من الحقائق والخبايا عن أخطر قضية تهدد الأمن الاقتصادى القومى.

شبكة تجارة عملة فى المحلة

استطعنا عبر مرافقة عم أحمد أن نصل إلى تاجر العملة (م.غ) الذى يتعامل معه. وكنا قبل الرحلة قد رتبنا سيناريو لإقناع التاجر للعمل معه. توجهنا مع عم أحمد إلى محل صغير داخل أحد مراكز محافظة الغربية، ويبدو من المكان أنه يستخدم لبيع منتجات خفيفة. سأل التاجر عم أحمد عن المرافق، فأجاب: «ده واحد ممكن من وراه تعمل مصلحة»، فوجه التاجر الثلاثينى سؤالًا مباشرًا للمحرر: «عاوز تبيع ولا تشترى»، فأجاب المحرر: «لا أنا أقدر أجمعلك مبلغ شهرى من أهل قريتى وممكن أبيع بالوكالة (الوكالة وفقًا لتقاليد سوق العملة السوداء عبارة عن شخص يبيع عملات بالوكالة عن شخص آخر مقابل دولار لكل 100 دولار عمولة) ».

بصوت حازم سأل التاجر: «رأس مالك كام؟». كان السؤال متوقعًا، فأجاب المحرر سريعًا:

«100 ألف، وعمولتى 25%». عدم وجود تاجر وسيط بالقرية التى ذكرها المحرر، بالإضافة لضآلة العمولة عوامل أغرت التاجر، ولكنه لم يبدِ قرارا فوريا.

وفى يوم اتصل فيه المحرر بالتاجر ليذكره بالعرض، واستطاع أن يحدد معه موعدًا. وعند وصوله فى صباح اليوم التالى أجرى معد التحقيق اتصالا بالتاجر. ساعة واحدة وكان التاجر يشير له من سيارته البيضاء طالبًا منه أن يركب بجانبه. خلال الطريق كان التاجر يستقبل عدة اتصالات عن توجهه لاستلام 10 آلاف ريال و8 آلاف يورو، وبالفعل بعد نصف ساعة تقريبًا كان التاجر يقف أمام محل حداد ليخرج منه رجل بحقيبة سوداء ويضعها فى المقعد الخلفى ويمد يده ليتسلم حقيبة من التاجر بدون تبادل أى كلمات. تم نفس الموقف فى قرية أخرى أمام محل أدوات منزلية، وأمام مكتب سفريات.

خلال الرحلة كان التاجر يوجه المحرر لطريقة استلام الأموال، وبعد لحظات وصل التاجر إلى محله، وأجرى اتصالًا سريعًا. بعد ذلك وجه التاجر للمحرر عدة إرشادات كان المحرر ينتظرها، فقال له إنه سيبلغه يوميا بسعر الدولار الذى يبيع به، وسيكون الفرق بين شراء الدولار من 10 قروش إلى 25 قرشًا وفقًا للكمية، وسيكون متوسط المكسب المتوقع

لـ1000 دولار 150 جنيها مصريا. وأنه من المتوقع وفقًا لرأس مال المحرر الوهمى أن يحقق مكسبًا من التداول اليومى يتراوح بين 2000 إلى 5 آلاف.

قطع كلام التاجر دخول شخص آخر تبادل مع التاجر الحديث. ثم توجه بالحديث للمحرر، وتعرف معد التحقيق على اسمه (م.ش)، وهو تاجر متوسط رأس المال، إذ يبلغ رأس ماله مع بعض الشركاء 3 مليون جنيه. والغريب أن المحرر عندما استفسر على ملاحقة الشرطة للتجارة، أخبره (م.ش) أنه ألقى القبض عليه وخرج ببراءة. وحكى تفاصيل هذه الحادثة بأنه عندما كان يسلم مبلغ للتاجر الأكبر، دخل رجل يغير 50  يورو فقط، وبعدها بدقائق ألقت حملة من مباحث الأموال العامة القبض عليه وعلى التاجر الآخر، «حيث اكتشفنا أن تغيير الـ50 يورو ما هو إلا كمين من المباحث»، وتحرزت على 2 مليون من التاجر المستلم و260 ألف جنيه من (م.ش)، ثم أفرج عنهما بكفالة 20 ألف جنيه بعد يومين قبل الحكم بالبراءة، وأردف (م.ش) أن الغرامة ما هى إلا إتاوة من الدولة وليست عقوبة مؤكدًا على أن التجارة فى العملة من صناعة الدولة، وكذلك فرق السعر ليس للتجار علاقة به.

يصف المستشار حسين عمر، محام متخصص فى قضايا الأموال العامة، حالة هذا التاجر بـ«المعتادة»، قائلًا إنه قبل التعديلات التى شرعها مجلس النواب وأصدرها الرئيس السيسى على قانون 88 كانت قضية الاتجار فى النقد الأجنبى فى السوق السوداء «جنح»، وينحصر أمر العقوبة فى الغرامة التى تدفع التاجر لمواصلة المزاولة.

وتنص المادة 111 من قانون 88 لسنة 2003 فى فصل تنظيم عمليات النقد الأجنبي: «لكل شخص طبيعى أو اعتبارى أن يحتفظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبى، وله الحق فى القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبى بما فى ذلك التحويل للداخل والخارج والتعامل داخليا على أن تتم هذه العمليات عن طريق البنوك المعتمدة للتعامل فى النقد الأجنبي.

وللشخص الطبيعى أو الاعتبارى أيضًا التعامل فى النقد الأجنبى عن طريق الجهات المرخص لها بهذا التعامل طبقًا لأحكام هذا القانون وفقًا لما تبينه اللائحة التنفيذية».

وتعاقب المادة 126، وفقًا للتعديلات الأخيرة التى أدخلت عليها، من يخالف المادة 111 بالسجن «مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالى محل الجريمة أيهما أكبر». وذلك بعد أن كانت العقوبة مقتصرة على غرامة «لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه».

خريطة الاتجار بالعملة داخل القاهرة

التشديد الأمنى داخل القاهرة بعد أزمة العملة الأخيرة لم يمنع التجار من مواصلة البيع. وفى جولات للمحرر فى أحياء القاهرة اكتشف عدد من مناطق البيع. بدأ المحرر بالسؤال فى منطقة وسط البلد عن تاجر لشراء 10 آلاف دولار بشكل ضرورى لعلاج أحد أقاربه بالخارج، واستطاع عن طريق بائعى البدل الذين ينتشرون فى شارع طلعت حرب أن يصل إلى التاجر (إ.م)، وهو عبارة عن ترزى، ولكن التاجر أخبره: «مافيش بيع، بنشترى بس».

عرف المحرر من العامل الذى صاحبه صعوبة شراء عملات أجنبية «لأن التاجر له عملاء مستوردون يحتاجون إليه».

توصل معد التحقيق إلى تاجر آخر فى ممر شهير بمنطقة العتبة لبيع الإيشربات، وسأل عن عم (ح)، وتساءلت بائعة عن سبب الزيارة، فقال بصوت خافت إن لديه 1000 دولار يريد أن يبيعها، فذهبت الفتاة لتخبر التاجر الذى أرسل معها السعر المقترح وهو 12,30 للدولار، هو السعر الذى تظاهر المحرر برفضه.

خارج منطقة وسط البلد تشتهر المنطقة الصناعية «شق الثعبان» للجرانيت والرخام الواقعة على طريق الأوتوستوراد بالمعادى، بوجود أصحاب مصانع يتاجرون فى العملة. ورجع (ع.م) أحد العاملين السابقين فى المنطقة ذلك لحاجة المستوردين لشراء العملات، بجانب وجود عمال آسيويين يحملون دولارات من بلادهم، ويتاجرون بها.

عبر العامل السابق استطاع المحرر أن يعقد اتفاقًا مع أحد التجار على بيع دولارات مقابل  12,50 جنيها، ولكن المحرر تراجع عن البيع، ثم علم بعد ذلك عن إطلاق شرطة الأموال العامة القبض على التاجر.

تكررت نفس الخطوات السابقة مع صاحب كشك (أ.ع) المواجه لمستشفى أحمد ماهر بباب الخلق، ومع تاجر آخر فى عباس العقاد اشتهر بتعامله مع شركات السياحة والترجمة بالمنطقة التى  تلجأ إليه لبيع العملات الأجنبية على رأسها الدولار واليورو، وتوصل المحرر إليه عبر وسيط يعمل مسئولًا للمعاملات المالية داخل إحدى هذه الشركات، ولكن كانت هذه المغامرة لشراء 10 آلاف دولار وكان السعر المتفق عليه 12,60 بدلًا من 12,75 التى عرضها التاجر، على أن يكون الاستلام لدى الوسيط.

لا يبدى ممدوح حسين، نائب مدير البنك العربى الإفريقى، استغرابه من انتشار السوق السوداء قائلًا: «احتياطى النقد الأجنبى فى البنك المركزى انخفض من 36 مليار دولار فى 2011 إلى 17,5 مليار دولار حتى السنة المالية الجديدة، ثم انخفض لمليارى دولار بسبب تسديد الديون الخارجية فى شهر يونيو، مما جعل المعروض من النقد الأجنبى ينخفض بدوره».

تراجع واردات السياحة (تراجعت بنسة من 1,2 مليار دولار إلى 1,3 مليار دولار وفقًا لرئيس الوزراء شريف إسماعيل) بسبب تحطم الطائرة الروسية نهاية العام الماضى، وتراجع إيرادات قناة السويس (290 مليون دولار فى عام 2015 بحسب هيئة قناة السويس)، أدى لإضعاف مصادر توفير العملة الأجنبية، «فكان من الطبيعى مثل أى سلعة يزيد الطلب عليها مع قلة عرضها أن تزيد قيمتها»، وفقًا للخبير المصرفى.

وتابع: «البنوك المصرية لا تبيع الآن عملات أجنبية بسبب أزمة النقد الأجنبى، فيلجأ المستوردون والمسافرون للدراسة أو العلاج للسوق السوداء حتى لو السعر مرتفع».

ويقول حسين إن الحل الفعال للقضاء على السوق السوداء لا يتعلق بتكثيف حملات مباحث الأموال العامة أو تغليظ العقوبات، ولكن يكمن الحل فى تقريب قيمة التعامل فى النقد الأجنبى فى البنوك من السوق السوداء، فهناك «43 بنكًا فى مصر قادرة على أن توفر العملة للمواطنين بعيدًا عن السوق السوداء، حال القضاء على الفجوة بين السعر الرسمى والسعر فى السوق السوداء».

من السعودية.. وسيط مصرى يرسل مع كل عامل 10 آلاف دولار لصالح تاجر مصرى

بلغ الدخل المصرى من النقد الأجنبى فى عام 2015 43,66 مليار دولار، 34,4% منهم يأتى عبر تحويلات المصريين بالخارج التى بلغت، وفقًا للبنك المركزى، 16,8 مليار دولار فى العام المالى 2015 -2016، منخفضة 11,7% عن العام المالى السابق.

تهاوى الدخل من تحويلات المصريين بالخارج لم يكن وليد المصادفة، ففى رحلة خاضتها «اليوم الجديد» بالسعودية، كشفت أن السوق السوداء تمتد إلى الجالية المصرية بالسعودية.

عرفنا عن طريق مصدر أن هناك تجارا كبارا فى السوق السوداء للعملة يزرعون مندوبًا لهم فى كل تجمع مصريين، فى بادئ الأمر استغربنا الأمر والعائد من ورائه، ولكننا تبينّا خلال الرحلة المكسب الذى يعود على التاجر من العاملين بالخارج.

استغل المحرر ذهابه للسعودية، وقدم نفسه فى تجمع للمصريين بأنه يعمل بالمراسلة داخل مصر كمدقق لغوى لأحد المواقع الإلكترونية السعودية، وأنه استغل فرصة سفره للسعودية لحضور مؤتمر وأداء العمرة لاستلام راتبه من مقر الموقع.

بعد يوم واحد من كلام المحرر، فاتحه تاجر وسيط كان حريصا منذ البداية على التقرب من المحرر ومساعدته على إنهاء بعض الأمور المتعلقة بظروف السفر والإقامة، فى أمر الأموال التى سيتسلمها. قال المحرر إن المبلغ الذى سيتسلمه لا يتجاوز 8 آلاف ريال، فطلب منه أن يضيف مبلغ 29,500 ريال على المبلغ الموجود معه، ثم يحولها من السعودية إلى 10 آلاف دولار قبل السفر إلى مصر، وعند خروجه من المطار سيسلمهم لمصرى آخر سيكون معه على نفس الطائرة، وهو أيضًا يحمل 10 آلاف دولار.

تعرف المحرر هناك على مصرى مغترب، واستفسر منه على العائد الذى سيعود على التاجر من جراء هذا التداول، وعلم أن التاجر يستغل أن سعر الريال ثابت أمام الدولار بينما الجنيه تتهاوى قيمته سريعا، حيث يساوى الدولار 3.75 ريال فيحول من البنك السعودى الريال للدولار. وعند بيع الدولار فى مصر يكون الدولار فى السوق السوداء بـ12,50 جنيه قابلة للزيادة السريعة. بينما عند تحويل 3,75 ريال فى السوق السوداء يكون سعرها 12,40 جنيه، مع إمكانية تراجعه إذ تزيد قيمة الريال فى موسم الحج، وكان يسجل حينها 3,30 فى السوق السوداء. الفرق بين العملتين يجعل مكسب التاجر لا يقل عن 1000 جنيه لكل 10 آلاف دولار محولة من الريال. هذا بجانب أن التاجر الكبير يعتمد على الدولار أكثر من الريال لتلبية حاجة المستوردين.

توجه المحرر إلى مكان إقامة التاجر الوسيط الذى يعمل فى السعودية فى مكتب عقارات، وهناك وجد عدد من المصريين يتفقون مع التاجر، كما وجد عملات ريال تتجاوز 4 آلاف ريال على منضدة أمام التاجر. تحدث المحرر مع التاجر وطلب منه مقابل لإرسال الأموال، فعرض التاجر 200 جنيه، فرفض المحرر الذى طلب 1000 جنيه، وأبدى بالطبع التاجر الرفض، وفشلت كل المحاولات التقريب أمام التعنت المقصود من المحرر.

لتوفير مصدر خصب للسوق يستغل هذا التاجر وغيره المادة 116 من القانون التى تنص على أن «إدخال النقد الأجنبى إلى البلاد أو إخراجه منها مكفول لجميع المسافرين، على أن يتم الإفصاح عن مقداره عند الدخول أو الخروج إذا جاوز عشرة آلاف دولار أمريكى أو ما يعادلها بالنقد الأجنبى».

ويعاقب القانون رقم 66 لسنة 2016 «بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن المبلغ المالى محل الجريمة ولا تزيد على أربعة أمثال، ذلك المبلغ أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة 116 من هذا القانون، وفى جميع الأحوال تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها، فإن لم تضبط يحكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها».

أصدر البنك المركزى قرارًا فى فبراير 2015 بتحديد حد للسحب والإيداع للنقد الأجنبى للأفراد والشركات يتمثل فى 10 آلاف دولار يوميا، و50 ألف شهريا. كان بالطبع هذا القرار بمثابة إشارة خضراء للمستوردين للتوجه للسوق السوداء، ولكن وفى مارس الماضى ألغى «المركزى» هذا الشرط بالنسبة للسلع الأساسية المتمثلة فى الغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج، مع استمرار معاناة المستوردين الآخرين، وفقًا لما تحدثت عنه مصادرنا.

يقول إسلام أحمد (وافق على نشر اسمه كاملًا)، محاسب بنكى فى شركة استيراد مواد خام، إن معدل التعامل بالدولار فى الشركة يبلغ شهريا مليونى دولار، لا يستطيع البنك توفيرها.

عندما كلف إسلام أن يلجأ للبنك لتوفير العملة طلب «البنك أوراق خاصة بالشركة ليقوم بخطوة تسمى التدبير، وهى خطوة تكون الأولوية فيها لعملاء البنك من جهة، ولشركات الأدوية والمواد الغذائية الضرورية من جهة أخرى».

لم تكن تعقيدات التدبير، وفقًا لإسلام، هى العائق الوحيد: «فالتدبير يحتاج لمصاريف تضاف لمصاريف بنكية أخرى على سندات سحب البضاعة».

كل هذه الأموال جعلت سعر البنك أقرب لسعر السوق السوداء، مما جعل المستوردين يلجأون للسوق، فبجانب السعر «لن ينجح المستثمر فى إبرام صفقة سريعة، بينما يستطيع المستثمر جمع 10 ملايين دولار من تجار السوق السوداء فى يوم واحد»، كما يؤكد المحاسب.

بينما لا ينفى أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، أن المستوردين يلجأون للسوق السوداء قائلًا: «لا يوجد حل آخر، فحتى إلغاء قرار الحد الأقصى للسحب والإيداع للنقد الأجنبى جاء بعد قرار 43 لوزير الصناعة والتجارة لتنظيم استيراد 26 مجموعة سلعية تتراوح كل مجموعة بين 5 آلاف إلى 6 آلاف صنف. ولا يسمح لمستوردى هذه السلع بالسحب والإيداع إلا بحد أقصى 50 ألف دولار شهريا، مما جعل المستوردين يلجأون للسوق السوداء».

لا تؤثر أزمة توفير النقد على المستورد فقط، فكل مواطن متضرر بطريقة غير مباشرة، فوفقًا لشيحة، عندما يلجأ المستورد للسوق السوداء التى توفر العملة بزيادة تبلغ حوالى 30% عن السعر الرسمى، فإنه يزيد من فاتورة بيع منتجه فى السوق بزيادة تصل إلى 50%، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن لزيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم.

توقعنا أن ينقل التجار تجارة العملة من العالم الواقعى بسبب التشديدات الأمنية فى الفترة الأخيرة إلى العالم الافتراضى، ويبرمون اتفاقات البيع والشراء عبر منصات التواصل الاجتماعى. إلا أننا وجدنا عن طريق رصدنا أن تجارة العملة الأجنبية على الإنترنت لها طابع خاص.

تنتشر تجارة العملات على موقع فيسبوك على مجموعات المصريين فى الخارج وراغبى السفر، ويعرض عضو الجروب المبلغ الذى معه باليورو والمقابل بالجنيه، ويترك أمر إتمام الاتفاقية للتحدث المباشر. وهنا دخل المحرر مع ثلاثة فى فى اتفاقيات مباشرة، تراوح سعر اليورو ما بين 12,40 إلى 12,60 بأقل جنيه واحد عن سعر السوق السوداء لدى التجار، وبزيادة 3 جنيهات عن سعر البنك. وعلم المحرر من خلال المحادثة أن المتاجرين عبر فيسبوك لديهم أشقاء فى دول أوروبية يرسلون لهم الأموال التى يعرضونها.

هذا عن عارضى البيع، ولمعرفة عارضى الشراء، كتب المحرر منشورًا على إحدى المجموعات الشهيرة، عارضًا بيع 2000 يورو مقابل 12,50 قرش لليورو، وعلى الفور أرسل أربعة أشخاص طلبات شراء المبلغ، وعندما تحدث المحرر معهم عن السبب وجد أن ثلاثة منهم يرغبون فى السفر للدراسة فى ألمانيا، وأنهم بحاجة إلى 8040 يورو لوضعها فى حساب بنكى مغلق، وهو شرط أساسى للدراسة. أما الرابع فوجد المحرر بالبحث عنه أنه يكرر، عبر منصات التواصل الاجتماعى، عرض بيع اليورو بسعر السوق السوداء مقابل توفير أى كمية يحتاجها طالب الشراء، ليكون مكسبه الجنيه الفرق.

تشرع مصر منذ 2014 فى مواجهة الجرائم الإلكترونية، فقد أصدر الرئيس قرارا رقم 276 لسنة 2014 بشأن انضمام مصر إلى الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات. تبع ذلك قرار من مجلس الوزراء فى فبراير 2015 لتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ثم أعدت لجنة الدفاع والأمن القومى مشروعًا بعنوان «مكافحة الجريمة الإلكترونية».

يقول النائب يحيى العيسوى، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى، إن القانون سيشتمل على جزءين: جزء متمثل فى التلاعب فى البيانات والمعلومات بدون صلاحية المستخدم لإجراء ذلك، والجزء الثانى يختص بمكافحة الجرائم التقليدية.

ويضيف أن المادة 11 من مشروع القانون ينص على الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه للارتكاب إلكترونيا أية جريمة منصوص عليها فى قانون العقوبات أو القوانين الخاصة، ومنها جرائم الاتجار فى العملة، كما تدخل مواقع التواصل الاجتماعى ضمن نطاق الرقابة، وتقع مسئولية الرصد على إدارة مكافحة جرائم الحسابات وشبكة المعلومات، التابعة لوزارة الداخلية.

ووقت كتابة التحقيق أصدرت اللجنة العليا للإصلاح التشريعى مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، ولم ينص صراحة على عقوبة بشأن التجارة غير المشروعة للنقد الأجنبى، إلا أن مادته 27 نص على «المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، لكل من قام بتحويل الأموال غير المشروعة أو نقلها أو تمويه المصدر غير المشروع لها أو إخفائه أو قام باستخدام أو اكتساب أو حيازة الأموال مع علمه بأنها مستمدة من مصدر غير مشروع أو بتحويل الموارد أو الممتلكات مع علمه بمصدرها غير المشروع، وذلك عن طريق استخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات بقصد إضفاء الصفة الشرعية على تلك الأموال، أو نشر معلومات أو بيانات أو إنشاء موقع لارتكاب أى من هذه الأفعال».

شركة صرافة مشطوبة تعمل «فى الخفاء»

أصدر البنك المركزى يوم 2 أغسطس قرارات بإغلاق وإيقاف 32 شركة صرافة، ليرتفع عدد شركات الصرافة المغلقة إلى 53 شركة صرافة من 111 شركة، أى 47,7% من إجمالى شركات الصرافة، وفقًا لعلى الحريرى، سكرتير شعبة الصرافة بالغرف التجارية.

وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا يوم 2 أغسطس أعلنت فيه أن الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة تتابع الشركات الصادر بحقها قرار غلق أو شطب، ورصدت إقدام بعض الشركات على مزاولة نشاطها بشكل غير رسمى عن طريق «شقق سكنية» وسيارات «ديليفرى».

أجرى المحرر جولة شملت 6 شركات صرافة موقوفة لمدة سنة ومشطوبة نهائيا، ووفقا للجولة لم يرصد معد التحقيق أمام 5 شركات صرافة أى مندوبين لإجراء اتفاقات بيع وشراء غير رسمية، بينما توصل لوجود مندوبين لشركة واحدة، صدر بحقها قرار شطب نهائى، عقد معها المحرر صفقة غير مكتملة.

وبدأ المحرر جولته فى منطقة المعادى، وتوجه إلى الشركة ليسأل أحد العاملين فى متجر مواجه للشركة عن سبب إغلاقها، ليدور بينهما هذه المحادثة:

-  هى مقفولة بسبب الحكومة، بس عادى أنا باشتغل معاها. إنت عاوز تبيع ولا تشترى؟

-  أخويا معاه 2000 يورو، وعاوز أغيّرهم، بس عادى ممكن أغيرهم من أى صرافة تانية.

- صرافة إيه؟!، هتبيع بـ10 جنيه بأقصى سعر. إسمع منى، هجيبلك سعر كويس

توجه العامل إلى مدخل إحدى العمارات المواجهة للصرافة المغلقة، وعاد ليخبر المحرر أن اليورو مقابل 12 جنيهًا.

أبدى المحرر رفضه للسعر، طالبًا زيادته، فقال العامل: ممكن نزود بس فين الفلوس، وعندما أخبره المحرر بأن الأموال مع أخيه فى وسط البلد، أخبره العامل أن لهم مندوبًا فى وسط البلد، وطلب رقم هاتف المحرر لتوصيله بالمندوب. وبعد ساعتين اتصل العامل بالمحرر (المكالمة موثقة)، عارضًا زيادة السعر إلى 12,25 ثم إلى 12,50. ويمكن عبر هذا السعر أن يحقق التاجر من فرق البيع والشراء 1,25 مكسب.

الشركة التى تواصل معها المحرر تمتلك 6 أفرع فى ثلاث محافظات. وأصدر محافظ البنك المركزى فى شهر مارس الماضى قرارا بالشطب النهائى لها «لتلاعبها فى السوق السوداءر. وسبق أن تحرر محضر برقم 263/2 ضد موظف فى الشركة وأردنى اعترفا بمحاولة تهريب مبلغ 323000 جنيه ومليون ريال سعودى و17000 دينار كويتى، عبر ميناء نويبع، وضبطا وهما يستقلان سيارة مملوكة لمالك شركة الصرافة.

يؤيد على الحريرى إجراءات البنك المركزى، قائلًا إنه يطبق لائحته التى تنص فى بابها الثامن على أن «تتم معاملات الشركة مع عملائها بالنقد الأجنبى وفقًا للتصريح الممنوح لها داخل مقر الشركة وفروعها المسجلة لدى البنك المركزى المصرى، وأن التعامل خارج مقر الشركة يعتبر مخالفا للقواعد التى تنظم نشاط الصرافة»، وله الحق فى توقيع عقوبات على المخالفين، رافضًا فى الوقت ذاته الاتهامات الموجهة لبعض الشركات بمواصلة العمل بشكل غير رسمى بقوله: «ماظنش حد منهم هيقل من قيمته ويعمل كده».

وأعطت المادة 114 من قانون 88 لسنة 2003 لمحافظ البنك المركزى الحق فى إيقاف شركات الصرافة لمدة عام أو شطبها نهائيا إذا تكررت مخالفات تتعلق باتباع «سياسة تضر بالمصلحة الاقتصادية العامة».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل