المحتوى الرئيسى

روبرت فيسك يكتب: على جانبى الحدود التركية- السورية.. العار يلاحق بريطانيا | المصري اليوم

10/11 22:46

هل الهدف من الحدود ضمان أمننا، أم أنه يقصد دائما أن تكون غير آمنة، تذكيرا بهشاشتنا وضعفنا على حافة العالم؟ ويمكنك سؤال 100 ألف شخص من الأتراك واللاجئين السوريين الذين يعيشون فى مدينة كيلز التركية، لأنهم يعيشون على خط الصدع، الذى يمتد من القلعة الصليبية فى رافاندرا، مع كابوس المشوار لعيادة طبيب الأسنان ذات الجدران المصدعة المحطمة فوق الجبال، إلى الشوارع الضيقة بالبلدة القديمة التى تعيش فى سلام نسبى، بعد أشهر من إطلاق «داعش» صواريخه عليها عبر الحدود السورية، ما أسفر عن مقتل 21 من المدنيين.

وهو أمر مفيد ومتواضع أن ترى كيف يتعامل الأتراك هنا مع آلاف اللاجئين الذين يأتون للتسول فى شوارع المدينة القديمة ذات المدارس الإسلامية والمساجد التى تعود إلى القرن الـ16. عندما اقتربت امرأة قروية سورية من طاولتنا فى مطعم عثمانى صغير، ذهب إليها بعض السكان المحليين لإعطائها النقود. كما تم إعطاء طفل آخر يتسول برفقة والدته وطفلها لفائف الجبن. وهذا يضع أنصار حملة «بريكسيت» الكاذبين فى خانة الخزى والعار بسبب كراهيتهم الأجانب الذين من المفترض أن يشكلوا تهديدا لإنجلترا.

هنا فى مدينة كيلز الصغيرة، تشعر أن الإحصاءات بطريقة أو بأخرى أكثر ترويعا وفزعا. تركيا ترعى 2.7 مليون لاجئ سورى. ذلك يجعلك تدرك كم نحن أوغاد فى أوروبا، بعد استقبالنا مليون لاجئ العام الماضى، ليس كلهم سوريين. وفى المملكة المتحدة، استقبلنا ما يزيد قليلا على 160 ألف لاجئ، ووعدنا بتوفير موطن لأكثر من 20 ألف بائس. التشابه الوحيد الذى يمكن أن تجده أن العملة التركية تراجعت، بعد عشرات الآلاف من الاعتقالات التى أعقبت محاولة انقلاب يوليو تقريبا بنفس معدل تراجع الإسترلينى، بعد خطاب الازدراء لرئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، قبل أسبوع. ربما لديها الكثير من القواسم المشتركة مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أكثر مما كنا نعتقد.

لقد قضيت أسبوعا على الجانب الآخر، وقُدت سيارتى على طول الطرق المدمرة المتهالكة فى سوريا على حدود قرى التركمان والسنة الفارغة التى يحاول الجيش السورى استعادتها. وعلى بعد 50 ميلا جنوبا، تجد مدينة الشهداء «حلب» بعيدا جدا لسماع صوت القنابل، وقريبا بما فيه الكفاية لمشاهدة الآثار. اللاجئون مازالوا يتوافدون، والمخيم على الطريق الحدودى يزداد حجمه، وظهرت الطرق التركية الواسعة والنظيفة، وكتلة جديدة من المبانى السكنية المذهلة، تبعد 3 أميال عن واحدة من أكثر الحروب بشاعة فى الشرق الأوسط.

حقول الزيتون والتفاح والعنب والذرة، المتناسقة والمرتبة، ذكَّرتنى بشمال سوريا التى أعرفها جيدا التى كانت دائما بهذا الشكل عند الحدود، كان علىَّ أن أُذكِّر نفسى أن الأرض واحدة فى كل مكان، لكن نحن البشر التى قسمناها بسبب الانتهازية السياسية. هذا هو سبب أن جنوب لبنان مطابق تقريبا لمنطقة الجليل فى إسرائيل، وهذا سبب تشابه شكل مدينة عنتاب التركية وتلالها إلى الغرب بالجبال فوق اللاذقية، وإذا ذهبت إلى طرابلس التى يعيش بها اللبنانيون فلن تفرقها عن حماة السورية، الله هو مَن فعل ذلك، وليس نحن.

لكننا نعرف كيفية تقسيمه. وإذا أخذنا «كيلز» مثالا فسنجد أنها- منذ ألف سنة- أصبحت جزءا من الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وتم تبادلها كثيرا بين الرومان والعرب. فتحت غارات العرب الطريق إلى الصليبيين حتى أخذها السلاجقة. تم طرد المماليك من قِبَل العثمانيين، ومنذ سنوات عديدة تنتمى كيلز إلى منطقة (سنجق) بحلب، التى أُحرقت تماما فى التاريخ، كما تُحرق تماما حتى اليوم، ثم استولى على البلدة باشا مصرى لمدة 8 سنوات.

وبعد ذلك توجه البريطانيون إلى المدينة فى 6 ديسمبر 1918، وفلول جيش القائد العسكرى البريطانى، إدموند ألنبى، الذى قاتل فى طريقه من القاهرة عبر القدس، إلى مدينة حلب فى الحرب العالمية الأولى. وكل هذا سُجل فى بيت البلدة السابق لـ«نيسيت» أفندى، الذى بنى منزله وصممه على غرار منزل أحد الأصدقاء فى حلب. نعم، هذا هو مدى قرب وجود التاريخ المحلى.

إلا إذا كنت ترغب أن تنسى جريمة حرب ضمن جميع جرائم الحرب فى المنطقة، فبالنسبة لما لم يُسجل فى التاريخ المحلى، وبالتأكيد لن تجده فى الكتب، تم ترحيل الأرمن من كيلز فى 28 يوليو 1915 فى بداية الإبادة الجماعية للأرمن، والتى قُتل فيها مليون ونصف المليون مسيحى عثمانى. وعلى ما يبدو، هرب عدد قليل على متن قطارات الشحن، وهو خط قطار صدئ قديم لايزال يعمل من شرق كيلز إلى غازى عنتاب، فى حين هرب غيرهم من المدن الكبرى جنوبا إلى الصحراء السورية، وخلف السلك الحدودى الحالى مباشرة كانت هناك مذابح جماعية واغتصاب وتجويع على طول 50 ميلا يمتد من كيلز وغازى عنتاب إلى حلب.

عظامهم لاتزال ماثلة ومرئية تماما إذا كنت على الجانب الجنوبى من خط الحدود، فى الأراضى التى تخوض الآن حربا بين «داعش»، والأكراد، والقوات التركية، والميليشيات التركمانية، والجيش الحر، وعدد قليل من هؤلاء، أفراد القوات الخاصة الأمريكية، وبعيدا، قبل القوات السورية التى يقودها الجنرال الذى يسمى «الأسد». وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لعدد قليل من التحديثات فى يوميات الحرب الحالية، إذا تمكن الإصدار الموالى لتركيا من الجيش السورى الحر من استعادة الأرض من «داعش». شهد الأسبوع الماضى استرداد «داعش» ببطء القرى على الجانب الآخر من الحدود. فى كاركاميش يوجد الجيش القومى الكردى فى سوريا، خارج الفرات. والتركمان الموالون للدولة التركية موجودون أمام حدود كيلز.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل