المحتوى الرئيسى

اختيار الأمين العام الجديد للأمم المتحدة

10/11 21:31

اعترف بعدم إعجابى بالسيد «بان كى مون» أمين عام الأمم المتحدة الحالى (2007 – 2016). تعدى الموضوع تواضع قدراته على اتخاذ المواقف، أو التعبير عن آرائه، أو تراجعات فى دور المؤسسة التى يترأسها. تعود القصة إلى اجتماع مغلق مع ممثلى الأمم المتحدة فى دمشق فى بداية 2008 حيث استهل حديثه بالقول بأن الدول المانحة تشكو من أداء الأمم المتحدة وأنه يطلب منا معالجة ذلك. لم يكن قد اعتنى بأن يتعرف أولا على جهود فريق الأمم المتحدة فى سوريا الذى كان يعمل وسط ظروف صعبة على معالجة أوضاع حوالى مليون لاجئ عراقى عبروا الحدود إلى داخل البلاد، ناهيك عن برنامج تنموى متعدد الجوانب، بالإضافة لتواجد قوة لمراقبة «فض الاشتباك» فى الجولان (أونداف). ولما كنت أول متحدث بعد الأمين العام كان لابد وأن ألفت نظره لضرورة تعديل مقاربته عند زيارة البعثات الميدانية ومضيت أسرد عليه المشاريع التى نقوم بتنفيذها. وما لبث باقى زملائى من رؤساء مكاتب الأمم المتحدة أن اتبعوا نفس المنوال ثم نقل له ممثل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) سؤالًا من لاجئة عجوز التقاها صباح نفس اليوم حيث قالت «أذن رئيسك الكبير سوف يكون هنا اليوم. ترى هل ستكون لديه الشجاعة للوقوف أمام القوى الكبرىBig Boys؟». الآن كلنا نعرف الإجابة.

هكذا تابعت باهتمام خاص عملية اختيار الأمين العام الجديد، حيث تصادف معرفتى بأحد المرشحين ولقائى بثلاثة آخرين زاروا القاهرة سعيا للحصول على تأييد مصر. وكانت هناك اتجاهات عديدة مطروحة فى إطار عملية اختيار الأمين العام التاسع للأمم المتحدة:

• كانت هناك مطالبة بأن تتولى امرأة المنصب بعد أن شغله ثمانية رجال منذ إنشاء المنظمة عام 1945. وأبدت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية حماسا فى هذا الاتجاه مما شجع سبع مرشحات على التقدم لشغل المنصب، أبرزهم «هيلين كلارك» رئيسة وزراء نيوزيلاندا السابقة ومديرة البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، و«بوكوفا» المديرة السابقة لليونسكو، بالإضافة لمرشحات من الأرجنتين وكرواتيا ومولدوفا وكوستاريكا وبلغاريا (يلاحظ وجود مرشحتين من هذه الدولة). غير أن البيت الأبيض ما لبث أن أعلن أنه يساند اختيار أفضل مرشح بصرف النظر عن جنسه وهو ما فتح باب الأمل للمرشحين الرجال، رغم قيام عدد من المنظمات غير الحكومية المساندة لحقوق المرأة بتنظيم حملة قوية تطالب بتعيين امرأة فى المنصب.

• نظرا لوجود قاعدة غير رسمية بتدوير منصب الأمين العام بين المناطق الجغرافية المختلفة، تبلور تصور بأن الدور الآن هو لمنطقة شرق أوروبا (EEG) التى لم يسبق لأحد مواطنيها تولى المنصب، وهذا يفسر ارتفاع عدد المرشحين من هذه المنطقة، فبالإضافة للمرشحات الأربع التى سبق ذكرهن، كان هناك خمسة مرشحين من صربيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك وسلوفينيا ومونتنجرو. وكان التوقع أن روسيا ستصر على اختيار أحد أعضاء هذه المجموعة مع استخدام الفيتو ضد أى مرشح من خارجها، غير أن موسكو أدركت صعوبة الاتفاق على مرشح من هذه المنطقة بسبب انضمام العديد من أعضائها إلى الاتحاد الأوروبى ودخولهم فى دائرة النفوذ الغربى، بالإضافة لتأثيرات أزمة أوكرانيا وتراجع فرص مرشحتهم المفضلة («بوكوفا») حيث استبدلتها حكومتها بمرشحة أخرى فى اللحظة الأخيرة، إلا أنها أصرت على الاستمرار فى المنافسة.

• تضافرت 750 منظمة غير حكومية فى حملة تحت شعار «واحد من أجل 7 مليارات» (بمعنى شخص واحد يمثل جميع سكان الأرض) حيث طرحت أهمية تطوير عملية اختيار الأمين العام للأمم المتحدة والتى يحتكرها مجلس الأمن وتتحكم فيها الدول دائمة العضوية الخمس بطريقة سرية. وطالبت الحملة باتباع أسلوب أكثر شفافية تشارك فيه كل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة. وانتقدت غياب توصيف وظيفى أو معايير واضحة تحدد أسس اختيار الأمين العام وعدم اتباع أى فحص علنى لقدراتهم ناهيك عن الاعتماد على تفاهمات غير معلنة أثناء عملية الاختيار. ونجحت الحملة فى تحقيق بعض التقدم فى مطالبها العشرة حيث صدر قرار من الجمعية العامة (رقم 19/321) تضمن تحديد معايير للاختيار وإعلان اسماء المرشحين وسيرتهم الذاتية وإجراء مقابلات علنية معهم وتشجيع ترشيح النساء. وتبع ذلك إرسال رئيسى مجلس الأمن والجمعية العامة خطابا للدول الأعضاء لدعوتها للتقدم بمرشحيهم مع التأكيد على مبدأى الشفافية والشمول inclusivity وتشجيع ترشيح النساء إلا أن الحملة لم تنجح فى تحقيق مطالبتها بتعيين الأمين العام لمدة واحدة تمتد إلى سبع سنوات (وهو اقتراح تبنته مجموعة الحكماء الدوليين التى كانت قد أطلقت مبادرة «من أجل أمم متحدة أقوى» خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، فبراير 2015).

• فى أول سابقة من نوعها، تم تنظيم عدة «حوارات غير رسمية» علنية للمرشحين لمنصب الأمين العام، فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى شاشات التليفزيون، حيث عرضوا برامجهم وأجابوا على أسئلة ممثلى الدول والمنظمات غير الحكومية والعامة (انظر موقع webtv.un.org). هنا تألق «انتونيو جوتيرش» رئيس وزراء البرتغال الأسبق والمفوض السابق لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، فالرجل ساهم فى التحول الديمقراطى فى بلاده بعد ثورة 1974 وصعد سلم الحزب الاشتراكى حتى تولى رئاسة الوزراء عام 1995. انعكس كل ذلك فى مداخلات «جوتيرش» التى عكست عمق رؤيته للمشاكل العالمية وادراكه للترابط بينها وخبرته العملية فى الأمم المتحدة.

• بعد ذلك انتقل مصير المرشحين إلى مجلس الأمن الذى يملك سلطة «التوصية» بمرشح وإن كان التعيين يتم بقرار من الجمعية العامة (المادة 97 من ميثاق الامم المتحدة). وهنا اسدل ستار السرية على العملية الانتخابية حيث قام أعضاء مجلس الأمن بالتصويت بشكل غير رسمى لتشجيع أو عدم تشجيع كل مرشح مع وجود بديل ثالث هو عدم التعبير عن رأى. ومع توالى عمليات التصويت برز «جوتيرش» كمرشح مفضل، وإن لم يحصل على اجماع. وهنا انتقل نظام التصويت إلى تمييز الدول دائمة العضوية ببطاقات حمراء تمكنهم من استخدام الفيتو ضد أى من المرشحين. وكانت المفاجأة فى التصويت السادس هى حصول «جوتيرش» ــ من بين عشرة مرشحين بقوا فى السباق ــ على 13 صوتا إيجابيا مع امتناع دولتين.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل