المحتوى الرئيسى

مشاهد من مدارس الحكومة

10/10 22:05

فى بداية كل عام دراسى أتفقَّد بعض المدارس فى محيط منطقتى لمشاهدة الأطفال فى زيهم الجديد، وكيف تكون الفرحة فى أعينهم لاستقبال العام الجديد، لكننى هذا العام شاهدت ما لا يسرُّ «عدو أو حبيب»، فالتعليم أصبح عبئاً ومعاناة، حيث إن التلميذ لا حول له ولا قوة.. وولى الأمر قد يكون فى وادٍ آخر لا يعنيه سوى لقمة العيش ومصاريف أبنائه التى لا تنتهى، بداية من «الزى المدرسى»، الذى يتعمد مديرو المدارس تغيير لونه ومواصفاته كل عام، ربما دون مبرر، فقد يكون هدف بعضهم نظافة المدرسة -إذا أحسنَّا الظن- أو «سبوبة» مع تجار الملابس -على الأرجح- يتقاسمون معهم الأرباح فى الخفاء، ولا اعتبار لولى الأمر، الذى يكدح ويشقى، وكأنه «مربوط فى ساقية»، فلا الساقية ستتوقف، ولا هو سيتوقف عن الدوران، وليس انتهاء بتوفير الطعام والشراب والعلاج.. والدروس الخصوصية التى كبَّلت كاهله.. وقطعت أنفاسه وقصمت ظهره.

شاهدت سيدتين، فى أول أيام الدراسة، وكان بينهما حوار، الأولى لديها طفلان فى المرحلة الابتدائية، تقول لجارتها بكل حسرة ومرارة: «حافظت على هدوم الأولاد، وكلى أمل إنهم ما يغيّروش الزى هذا العام، كنت فى أشد الاحتياج عشان ألبسه للعيال فى الإجازة، لأنهم ما عندهُمش غِيارات كفاية، كل أسبوع أنظّفها من التراب، وأبص للعيال وأتحسر، لكن أفتكر الغلاء، وإننا مش هنقدر نوفر الزى لهم هذا العام، لأفاجأ فى أول أيام الدراسة بتغيير الزى!.. هنستلف بقى، بل هنحرم أولادنا من اللحمة مدة طويلة عشان كده»، أما الأخرى فلم تُضِف جديداً على ما قالت صاحبتها، بل لم تتماسك نفسها، فانهارت باكية دون كلام.

على النقيض كان هناك مجموعة من أولياء الأمور «الشباب» يقومون بالتقاط بعض الصور «السيلفى» لأبنائهم فى أول يوم دراسى، محتفلين معهم بملابسهم الجديدة، لكنهم كانوا قليلى العدد.

يا مديرى المدارس.. رفقاً بأولياء الأمور الفقراء الذين لا يجدون ما يكسون به أطفالهم، فضلاً عن إطعامهم.

فى مشهد آخر، هناك سيدة أخرى تمسك بيد طفلها الذى يسألها ساندوتشات كباقى زملائه، وهى تنهره وتعنّفه، قائلة: «كفاية علينا مصاريفكم وأكلكم فى البيت.. كمان عايز ساندوتشات.. انت يعنى هتبقى إيه! حتى لو.. ما أخوك معاه شهادة وشغال عامل ورا صنايعى!!»، والطفل يواصل بكاءه، ويشير إلى أحد المحلات، مطالباً ولو بكيس «شيبسى»، والأم تحاول تجاهل طلبه وتوسلاته، وفى سرِّها تلعن قِلَّة الحيلة والفقر المدقع الذى يجلد ظهورهم.. وتستدرك قائلة: «يا ابنى، لو علىَّ أجيب لك نجمة من السما.. لكن هنعمل إيه؟!.. ربك كريم».

بينما حال المدرسة لا يختلف كثيراً عن حال تلاميذها فالشبابيك محطمة، ودورات المياه يسكنها الخراب و«أُمنا الغولة».. ويا ويلك، ويا سواد ليلك يا مسكين -أقصد طبعاً التلميذ- لو دخلت، هتخرج -كما يقولون- «ملبوس»، فضلاً عن كثافة الفصول التى وصل عدد التلاميذ فى بعضها إلى «80 تلميذاً»، وكأن أبناءنا «محشورين» فى «أقفاص»، فيخرجون فى نهاية اليوم مرهقين محطَّمين، يلعنون التعليم والمعلمين والمنظومة بأكملها، بل ربما يُغمى على بعضهم.

Comments

عاجل