المحتوى الرئيسى

كيف تجمع سيمنس بين طباعة 3D وتوربينات الغاز العملاقة؟

10/10 18:18

في العادة لا تستغرق الرحلة من القاهرة للسويد أكثر من خمسة ساعات، ولكن مع عدم وجود خط طيران يومي، استغرق الأمر فوق ذلك بضعفين؛ خاصة، وأن وجهتي كانت مدينة نورشوبينج بالسويد، ما استلزم التوقف مرتين في ألمانيا والنمسا، وتحديدا في فرانكفورت ثم زيورخ، قبل الوصول للمحطة الأخيرة.

الهدف من كل هذه المشقة، زيارة صحفية لمركز البحث والتطوير لشركة سيمنس والمتعلق بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد3D Printing. حتى الآن الأمر معتاد وطبيعي؛ ولكن شيئ ما في تفاصيل الزيارة أثار فضولي، عندما لمحت تركيزا في المعلومات الصحيفة المسبقة التي أرسلت لنا حول توربينات الغاز الطبيعي، التي وضعت في جملة مفيدة مع تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.. ما العلاقة؟!

لم أجد في عقلي ولا في ذاكرة معلوماتي التقنية ما يمكن أن يجمع بين هذه التكنولوجيا الحديثة نسبيا، وبين صناعة ثقيلة جدا مثل صناعة محركات الطاقة العملاقة، التي يصل وزن بعضها لـ 890 طنا، في حين يبلغ وزن طائرة إيرباص (380 إيه) نحو 277 طنا.

كنا مجموعة من الصحفيين من 20 دولة مختلفة، من أوروبا وأسيا وأمريكا وأثنين فقط من أفريقيا، وكنت الصحفي الوحيد من أفريقيا، بخلفيات تجمع بين الجانب التقني والصناعي، وهو ما زاد من حيرتي مرة أخرى حول عنوان هذه الزيارة.

على عكس مدن السويد الباردة، تتمتع مدينة نورشوبينج ببعض الدفء في هذا الوقت من العام، وعلى عكس اسمها الذي يعنى سوق المدينة الشمالي باللغة السويدية، كانت مدينة هادئة بالكاد ترى خمس أفراد في وقت واحد.

تحركنا ثاني يوم للوصول لوجهتنا الرئيسية مدينة فانسبانج، على بعد 25 كيلومتر تقريبا، الطريق كله أبنية بالون الأحمر أو الازق مع مساحات خضراء لا نهائية وبحيرات في كل مكان تقريبا، يقال أن السويد بها أكثر من 100 ألف بحيرة، ومع ذلك متشددين جدا إزاء أي هدر في المياه.

بمجرد الوصول، بدأت التفاصيل في الانكشاف، نحن بصدد مجموعة من مراكز البحث والتطوير المتخصصة، والتي ترصد لها سيمنس سنويا 4.5 مليار يورو بشكل عام، وهو ما يعادل 45 مليار جنيه مصري.

كل هذا وسط مجمع مصانع ضخم وليس مصنع واحد، حتى أن الحافلة استغرقت ما يقرب من خمس دقائق داخل المجمع حتى تصل بنا لوجهتنا الأولى، في واحد من أقدم المجمعات الصناعية في أوربا، تأسس عام 1913.

بمجرد وصولنا، بدء على الفور ثوربيورن فورس، الرئيس التنفيذي لقطاع خدمات الطاقة بشركة سيمنس، في شرح ما تقوم به الشركة الألمانية الأصل هنا في السويد، وأعطى معلومات سريعة معتادة عن حجم الشركة وأعمالها واستثمارتها، ثم تطرق للسؤال الجوهري الذي انتظرته طويلا، ما العلاقة بين توربينات الغاز وطباعة 3D؟

يقول فورس، وهو أحد الخبراء المعدودين في العالم في هذا المجال:" تركز سيمنس بقوة منذ ما يقرب من ثلاثة سنوات على توظيف تقنية الطباعة ثلاثية الابعاد أو التصنيع بالإضافة Additive Manufacturingكما يطلق عليها الآن في عمليات التصنيع الثقيلة، وذلك في تصنيع/طباعة بعض أجزاء توربينات الطاقة.

ويضيف "بطبيعة الحال لا تتم طباعة أجزاء كبيرة الآن، والأمر في حدود 5-10%، ولكن هي أهم الأجزاء الدقيقة ذات التصميمات الصعبة".

في الأساس تقنية الطباعة ثلاثية تشبه لحد كبير تقنية الطباعة العادية، من ناحية أنها تحتاج إلي ماكينة طباعة -من نوع مختلف طبعا- وعوضا عن الأحبار تستخدم مواد أخرى، وتحديدا ثلاثة أنواع Powder، وهو الغالب، وسائل، وشرائط لمواد خام أغلبها من مادة البلاستيك.

وبعد إدخال التصميم ثلاثي الابعاد ومهما كانت صعوبته، تتم الطباعة بأشعة الليزر عبر نفث أو نثر هذه المواد على شكل طبقات تعلو بعضها، وذلك وفقا لأحجام وأشكال تختلف حسب طبيعة الماكينة+المادة+التصميم المستخدم.

ويرى ثوربيورن فورس الذي يملك 24 عاما خبرة في مجال الصناعة، أن هذه التقنية تشكل الاقتصاد العالمي وتشكل العالم الجديد، وباتت تحتل مكانة بارزة وسط الثورة الصناعية الرابعة التي تتخذ من الرقمنة Digitalization شعارها، مبشرة بحلول وإمكانات عديدة غير مسبوقة، يصعب تحديد مداها أو قوة تأثيرها الآن".

ثم بدأنا في التحرك نحو المطبخ، الذي يخرج منه كل هذا الابداع التقني، فوجدنا قاعة طويلة وبسيطة ونظيفة جدا؛ لذا كان لزاما علينا أن نرتدى أحذية ومعاطف ونظارات خاصة، مع فرض حظر على التصوير الفوتوغرافي، لاعتبارات لها علاقة بالأمن الاقتصادي، ولكننا حصلنا على وعد بأن يتاح لنا التصوير في أماكن بعينها، وهو ما حدث لاحقا. 

رأينا بأعيننا الماكينات التي تقوم بالطباعة لبعض أجزاء توربينات الغاز، والتي بالمناسبة يعمل بعضها في مصر حاليًا، والبعض الأخر في الطريق خلال العامين القادمي بالتعاون مع شركة اوراسكوم للإنشاءات، لتحتضن مصر بذلك أكبر محطة طاقة في العالم تعمل بهذه التوربينات.

ويعلق أندرياس جريشن، مدير وحدة التصنيع بالإضافة :"الاجزاء التي يتم طباعتها حاليا ليس ضخمة من حيث الحجم، وتكون في حدود 90-60 سنتيمتر، ولكن بها الكثير من التفاصيل، بعضها كان من المستحيل تنفيذه بهذه الدقة لولا تقنية الطباعة بالإضافة".

وبعد جولة سريعة على الطابعات ورؤية حية لعملية الطباعة بالإضافة، وأتيح لنا لمس هذه الأجزاء المصنوعة من "بودر الحديد" ولكن ملمسه وشكله مختلف تمام عن معدن الحديد.

وقيل لنا أن عملية تصليح بعض أجزاء التوربينات المعطلة كانت تستغرق أشهر حتى يتم صناعة الأجزاء البديلة، ولنا أن نتخيل الخسائر التي كان يتم تكبدها، الآن الأمر قد يستغرق أسابيع قليلة وتعود للعمل أفضل ومستحيل أن يحدث فيها أي تسريب، حسب ما شرحه لنا أندرياس جريشن.

ثم وصلنا للمحطة الثالثة، وهنا فقط سمح لنا بالتصوير في ورش التصنيع، والتي تعادل ضعفين مساحة ملعب كرة قدم، وفي تلك الورش المقسمة لهناجر ضخمة، يتم جمع كافة الاجزاء الدقيقة المطبوعة بتقنية AM، وتلك المصنوعة بالطرق التقليدية، لتكون في النهاية توربينات الغاز العملاقة.

أتيح لنا أن نشاهد تجربة عملية لاستخدام تقنية الواقع المعزز Augmented Reality لعملية صيانة عن بعد، باستخدام قبعة بها كاميرا وسماعات تبث عبر الانترنت ما يحدث في موقع العمل، ويتم التعامل مع المشكلات التقنية Remotely، من خلال فني يسير ويتلقى الأوامر وفقا لما يقول له المتخصص الذي يتابع التصليح معه.

كان في استقبالنا في هذه المحطة، فلاديمير نافروتسكي، مدير التكنولوجيا في وحدة خدمات الطاقة بسيمنس، والذي بدأ في المقارنة بين التصنيع بالطرق القديمة، وبنظام AM، فقال:" الطباعة بالإضافة لا تعرف هدر في المواد وفعاليتها غير مسبوقة، ويمكن أن تنفذ بها تصميمات كان من المستحيل التفكير فيها بالطرق التقليدية".

وآخذ يضيف في حماس شديد:" هذا يفتح المجال واسعا للمبتكرين والمصممين الصناعيين وغيرهم في التفكير في أي شيء يريدون تصنيعه أو تجربته، لا خوف بعض الآن من الفشل، والكرة الآن في ملعبهم".

ومع ذلك يرى نافروتسكي الذي يعد واحدا من العقول الأكثر ابداعا في سيمنس، وحصد العام الماضي على جائزة مخترع العام، يرى أن هذه التكنولوجيا تواجه تحديات كثيرة، بداية من المواد المستخدمة التي تصل تكلفتها لعشرة أضعاف المواد الصلبة التقليدية، وتحدى أخر في قدرة ماكينات الطباعة على أن تطبع بصورة أسرع وبأحجام أكبر وبدمج مواد مختلفة".

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل