المحتوى الرئيسى

عن تحولات أسواق البتروكيميائيات والداخل السعودي

10/09 18:47

أفادت وكالة رويترز في ٢٢ سبتمبر/أيلول 2016 بوصول أول شحنة من الغاز الأحفوري الأميركي إلى بريطانيا. وتوسع الإنتاج الأميركي من الغاز الأحفوري لا يؤثر فقط على منتجي ومصدري الغاز المسال التقليديين في الشرق الأوسط، ولكنه يؤثر أيضا على كبار مصدري البتروكيميائيات والبلاستيك أيضا بالمنطقة، إذ يعزز الغاز منخفض التكلفة في الولايات المتحدة قدرة المنتجين المحليين -وربما يشمل ذلك المستوردين اعتمادا على تكاليف النقل- على إنتاج مواد بتروكيميائية -ومن خلالها البلاستيك- بأسعار تنافسية مقارنة بمنتجي الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من كون السعودية أكبر منتج للبتروكيميائيات منخفضة التكلفة بالشرق الأوسط فإن عودة طهران مرة أخرى إلى أسواق البتروكيميائيات ستؤثر على الهوامش الربحية السعودية والخليجية، خاصة في الأسواق الآسيوية.

وحتى إن كانت الرياض -وعواصم خليجية أخرى كأبوظبي- تتمتع بقدرة عالية على التوسع في مشروعات بآسيا وأوروبا والولايات المتحدة تظل للعودة الإيرانية إلى الأسواق تداعياتها المؤثرة خاصة بعد عام ٢٠٢٠ مع استمرار تباطؤ النمو الصيني وتحول الاقتصاد الصيني إلى اقتصاد يعتمد بصورة متزايدة على القطاعات الخدمية، ولكن -بلا شك- تتغير التوقعات الخاصة بمستقبل الأسواق والسلع مع كل تحول اقتصادي مفصلي.

ولهذه التحولات القادمة من أميركا وإيران تأثيرات مختلفة بالنسبة للرياض، فـفي أبريل/نيسان ٢٠١٦ أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي عن رؤية ٢٠٣٠ التي تضمنت خطة التحول الوطني لتنويع الاقتصاد وإنهاء اعتماده على النفط.

ترتكز خطة التحول بشكل كبير على قطاع البتروكيميائيات من ناحيتين، الناحية الأولى ترتبط بتطوير وزيادة إنتاج البتروكيميائيات وصناعة البلاستيك بغرض التصدير ورفع المداخيل غير النفطية، والناحية الثانية ترتبط باعتماد الكثير من قطاعات التصنيع والقطاعات الخدمية المحلية -التي ترغب الرياض في جذب الاستثمارات إليها- على استهلاك منتجات تعتمد في إنتاجها على المواد البتروكيميائية.

والسؤال هنا: هل يؤدي التشبع التدريجي في أسواق البتروكيميائيات والبلاستيك العالمية مستقبلا إلى فائض في الإنتاج السعودي بالعقد القادم؟ وكيف قد يؤثر وجود فوائض على السوق المحلية في ظل خطة التحول الوطني التي تطمح الرياض إلى تنفيذها؟ هناك ثلاثة قطاعات متضمنة في خطة التحول الوطني سيعتمد توسعها جزئيا على استهلاك المنتجات التي يوفرها قطاع البتروكيميائيات وصناعات المصب المرتبطة به، وهي قطاعات الإسكان والسياحة والتجزئة، وتحتاج القطاعات الثلاثة إلى تجهيزات ومنتجات بلاستيكية يعتمد تصنيعها على المواد البتروكيميائية.

يتمتع تطوير قطاع الإسكان -إلى جانب السياحة- بالأهمية الكبرى نظرا للنمو السكاني المتسارع الذي تشهده المملكة في مقابل تراجع المعروض. وتشير مؤسسة "تشسترتونز" للاستشارات العقارية في تقرير الربع الثاني لسوق العقارات بمدينة الرياض -الذي نشر في أواخر سبتمبر/أيلول- إلى أزمة في توفر وحدات سكنية منخفضة التكلفة بالعاصمة. ومع استهداف وثيقة التحول الوطني رفع حصة قطاع العقارات في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول ٢٠٢٠ تحاول الرياض جذب الاستثمارات إلى قطاع الإسكان.

في يونيو/حزيران أعلنت المملكة عن رغبتها في عقد شراكات مع مستثمرين أجانب لإنشاء ما يقارب 1.5 مليون وحدة سكنية على مدار السنوات السبع إلى الثماني القادمة. وفي الشهر نفسه، أعلنت الحكومة عن تطبيق رسوم الأراضي البيضاء (غير المطورة) لتحفيز القطاع العقاري، لكن تحفيز قطاع العقارات يعتمد بشكل كبير على تيسير القروض العقارية التي بدورها تعتمد على حالة السيولة النقدية المتأثرة بالمداخيل النفطية المنخفضة.

القطاع الآخر المهم بالنسبة للصناعات البتروكيميائية هو قطاع التجزئة، وذلك لأن السلع الاستهلاكية والغذائية تعتمد في إنتاجها على المواد البلاستيكية، وفي يونيو/حزيران سمح مجلس الوزراء السعودي بالملكية الأجنبية الكاملة في قطاع التجزئة وذلك بعد أن كان الحد المسموح به هو 75%.

وتتوقع شركات استشارية أن تزيد هذه الخطوة من تنافسية القطاع في السنوات القادمة، ولكن سيزيد نمو القطاع إذا تحسنت القدرة الشرائية للمواطنين والوافدين وزاد تدفق السياح، وربما مع استمرار سعر النفط في مستوى منخفض حتى في السنوات القادمة سيكون التحسن في نمو القطاع متواضعا مع استمرار مشكلات السيولة.

ولا يقتصر الارتباط القطاعي على البتروكيميائيات فقط بل وعلى بعض الصناعات في قطاع الصناعات المعدنية أيضا كصناعة الإسمنت وصناعة الحديد والصلب، فقد تسبب تباطؤ قطاع العقارات والإنشاءات في السعودية بتراجع إمدادات الإسمنت وتسبب في تباطؤ مبيعات العديد من الشركات المصنعة له. وبالتأكيد، مع توسع عجز الموازنة في المملكة منذ عام ٢٠١٥ وإلغاء الكثير من مشروعات البنية التحتية التي كان مخططا لها تأثرت الكثير من القطاعات المرتبطة وتراجع استيراد العديد من السلع، سواء كانت مدخلات إنتاج أو سلعا جاهزة (أساسية/كمالية).

النقطة المهمة هنا هي أن توسع القطاعات السابق ذكرها سيؤدي إلى زيادة كبيرة في واردات السلع النهائية والتجهيزات التي تعتمد في صناعتها على المواد البتروكيميائية. ولذلك، من أجل تقليص الواردات تستطيع الرياض جذب مزيد من الاستثمارات إلى الصناعات التحويلية التي تقع في مصب قطاع البتروكيميائيات، وستعزز الاستثمارات في هذه الصناعات سلاسل الإمداد بين البتروكيميائيات وصناعات المصب في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي.

وتتأثر قطاعات التصنيع السعودية بالتحولات في أنماط الطلب في أسواق البتروكيميائيات والبلاستيك العالمية، فعلى الرغم من توقعات بتباطؤ الطلب على السيارات في بعض المناطق يظل قطاع السيارات في تطور، وبالتالي تتطور نوعية البلاستيك التي يحتاجها القطاع تباعا.

ويتم تصنيع الأجيال الجديدة من السيارات من كميات أكبر من المواد البلاستيكية المرنة عالية المقاومة مقارنة بالأجيال الأقدم، وهو تطور يفرض على الدول المنتجة للبتروكيميائيات تطوير قطاعات تصنيع البلاستيك أيضا لإنتاج مواد تطلبها شركات تصنيع السيارات في الأسواق الناشئة.

وبذلك، ستتوفر أيضا للصناعات المحلية خامات ومنتجات نصف نهائية يمكن أن تستخدم في توسيع قاعدة تصنيع المنتجات النهائية، وإذا تحققت فوائض أكبر في إنتاج البتروكيميائيات خلال نهاية هذا العقد وبداية العقد القادم قد يتسنى للصناعات المرتبطة بالقطاع رفع حجم إنتاجها.

يظل جذب الاستثمارات الأجنبية العامل الأهم والأكثر محورية في تطوير الارتباط القطاعي بين البتروكيميائيات والصناعات التي تعتمد عليها والقطاعات الخدمية الحيوية.

وعلى الرغم من أن بيئة الاستثمار في السعودية منخفضة المخاطر فربما تحتاج الرياض إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات المصرفية والاستثمارية لطمأنة المستثمرين الأجانب بعد خفض وكالة موديز تصنيف السعودية الائتماني مع دول خليجية أخرى في مايو/أيار الماضي.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل