المحتوى الرئيسى

رؤى فوق خليج سان فرانسيسكو

10/09 14:37

هذا النص المترجم والمنشور هنا، هو من كتاب الشاعر البولندي الكبير تشيسلاف ميلوش (1911 – 2004، جائزة نوبل للآداب عام 1980) «رؤى فوق خليج سان فرانسيسكو»، وقد خصّت المستشرقة أجنيشكا بيوتروفسكا التي ترجمت الكتاب، «السفير» ببعض فصوله قبل صدوره.

هنا مقدمة الكتاب، تليها فصول أخرى تنشر تباعاً..

هذا الكتاب يبدو مثل ريبورتاج لمراقب أوروبي وجد نفسه في أمريكا، وتحديدا في كاليفورنيا، في ستينيات القرن العشرين. وبهذا الشكل يصبح جزءا من تقاليد الرحلات البولندية عبر أمريكا التي قام بها الأدباء. في القرن الثامن عشر كان "يوليان أورسين نيمتسيفيتش". في القرن التاسع عشر كان "هنريك سينكيفيتش". كنتُ أتشرف بتواجدي في رفقتهم. كانوا كتّابا بارعين في الصحافة، وأقوياء الملاحظة وأذكياء.

بيد أنه لا يصعب ملاحظة أن "رؤى فوق خليج سان فرانسيسكو" يبدو ظاهريا فقط، منتميا إلى أدب الرحلات. نعم، بالتأكيد المؤلف هو أحد القادمين من أوروبا، وليس أوروبا عموما، ولكن من أطراف أوروبا، وهو لا يخفي ذلك، بل يتذكر مسقط رأسه الذي كان فيه المالك الوحيد لسيارة هو الكونت "زابيووا".

هذا الرجل القادم من الأقاليم إلى أمريكا لم يأت من أجل الزيارة وهو غير منشغل بمشاهدة المعالم السياحية، فالقدر جعل منه مهاجرا منفيا، واحدا من بين الملايين الذين طُردوا من أوروبا البخيلة بسبب الاحتياج البائس. في حالته هذه، أخذ الاحتياج شكل ما يسمى ﺑ "هجرة المواهب". صحيح أن "نيمتسيفيتش" استقر أيضا في أمريكا، بعد أن ودع "كوستيوشكو" الذي كان عائدا إلى أوروبا، ولكنه لم يبق في الموطن الجديد بشكل دائم. مؤلف "رؤى ... "، الأستاذ في الآداب السلافية في بيركلي، تقبل مصيره بدون أن ينظر محدقا تجاه الأراضي التي فقدها.

إذا لم يكن هناك مكان يمكنك العودة إليه، فعليك أن تتقبل ما يعطى لك. ولكن كيف تتعايش مع هذا الأمر؟ كيف يمكن أن تروضه؟ ولا أقصد هنا أمريكا بالخصوص، بقدر ما أقصد حضارة القرن العشرين بطابعها الكاليفورني. في الواقع لم يتم تحديد اطار الكتاب جغرافيا بل موضوع الكتاب هو الوعي والخيال في مواجهة المشاكل والصور التي لم يتم تسميتها وتطالب بنقلها إلى اللغة. ونتيجة لذلك، بدلا من الريبورتاج نتلقى رحلة استكشافية في أعماقنا، بورتريه داخلي لشخص يحدث أنه يعيش في عصر العولمة وأول هبوط للإنسان على سطح القمر. وقد كُتب هذا الكتاب في وقت مميز لأمريكا، في عام "ثورة" الطلاب في بيركلي التى انتشرت إلى جامعات أخرى. لماذا انفجرت في نفس الوقت تقريبا ثورة الطلاب في السوربون و"ربيع براغ "، على الرغم من أنه لكل من هذه الظواهر مسببات مختلفة تماما - يبقى هذا السؤال بلا إجابة. تصلح هذه المسألة لأنصار نظرية تأثير الكواكب على السلوك البشري. في أي حال، لقد جاء الصحفيون من جميع أنحاء العالم إلى بيركلي ليرووا هذه العجائب. كان لدي، بالطبع، ما يكفي من المواد لكي أكتب كتابا عن هذه الثورة. اضطررتُ بكل قوتي أن أكبح جماح نفسي، لأنني أدركت بأنه من الأفضل أن أترك تسجيل الأحداث العابرة  لمراسلي الصحف. هذه الأحداث موجودة في الكتاب ولكن كأنها تم تقطيرها، وارتفعت فوق الوضع الدقيق الراهن.

طبعت هذه الستنيات الثورية أثرا لا يمّحي على حياة أمريكا. وكما ظننتُ، فإن نظام البيع والشراء استوعب وذوب الأفراد المتلهفين من ذوي الشعر المشعث، وبدّل بعضهم ليصبحوا من ملوك الأسواق. بيد أن الكثير من معجبي "تشي جيفارا" و"ماو" و"ماركس" في ذلك الوقت، بعد أن أصبحوا أساتذة ومعلمين احتفظوا بتلك العقلية المميزة والتي تشجع على التفكير الجماعي وعلى التقسيم إلى المطيعين والزنادقة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل