المحتوى الرئيسى

الحب لا يكملنا

10/09 12:20

لم يكن الحب والارتباط ناديًا يجب الانضمام إليه، وليس له قائمة من القواعد المُلزِمة التي تؤهلك لدخول تلك الدائرة، بل على العكس، فإن هذه الدائرة هي أكثر نواحي الحياة كسرًا للقواعد، وأول الكسر هو أنها ليست دائرة، ولا يوجد لها مريدون ومنضمون وخبراء، ولا يوجد لها علامات ولا شعار محدد ولا هتاف متكرر ولا شارة. 

كما أنها ليست نزهة، وليست سباقًا، إيجاد الشخص المناسب لم يكن قط سباقًا، كلنا في النهاية عبارة عن مشاريع تتطور مع الوقت ومع التجارب، دخول أحدهم إلى حياتك أو خروجه منها لن يغير شيئًا من كونك مشروع إنسان يتطور طوال الوقت. 

تقول الأسطورة إن الحب يأتي ليُكملنا، كُتبت آلاف القصائد والمجلدات حول هذا المعنى "بنكمل بعض"، في اعتقادي أن تلك الأسطورة أهدرت الكثير من معاني الحب وأفرغتها من معناها وأدخلتها في دائرة من السباقات والمقارنات اللا منتهية. 

إذا كان الحب يكملنا فإننا بالضرورة نظل أجزاءً مكسورة وناقصة إلى أن يلتصق بنا جزء آخر، هذا هو الافتراض الأول، كما أن هذه الأسطورة تفترض أيضًا أن الكمال المنشود هو شيء قابل للتحقيق على أرض الواقع، وكلا الفرضيتين أسوأ من الأخرى، وتجرنا إلى سيل لا ينتهي من الإحباطات المتتالية. 

الأصل أن الحب يضيف إلينا ولا يكملنا، يدفعنا للأمام، يخرجنا من دائرة الارتياح والتأقلم إلى عالم أوسع، يفتح لنا بابًا إلى الواقع، يعلمنا بالتجربة وبالبرهان، لكنه لا يكملنا. البحث عن الكمال في زوج من العينين نصحو إلى جانبهما كل صباح هو خطأ فادح ومنحدر بلا سلالم نحو الإحباطات. 

خروجك من العزوبية نحو الارتباط لا يعني انتهاء تطورك كمشروع منفرد وتحولك إلى جزء من مشروع آخر، لا أحد سيحيا لك حياتك بدلاً عنك، قد يحياها معك ولكن ليس مكانك، لا أحد سيحمل عنك تجاربك، قد يكون سندًا لك خلالها، ويدًا من العون وحائطًا صلدًا يمنعك من التراجع، لكنه أبدًا لن يحيا حياتك بدلاً عنك مهما بلغت مشاعره نحوك، ومهما حمل من الصفات الرائعة، ومهما توسمت فيه خيرًا، فهو هنا ليضيف إليك وليس كي يكون مكانك. 

كي تكون واثقًا من اختيارك لشريك حياتك، عليك أولاً أن تكون واثقًا من اختيارك لذاتك، وكي تتضح رؤيتك لشخص آخر عليك أن تكون قادرًا على رؤية نفسك بوضوح، أنت وحدك في هذه الدائرة، وحدك أمام المرآة، ووحدك في اختيار من يرافقك، لا أحد سيحمل عنك نتائج تلك الاختيارات، وليس معنى أن تكون واثقًا من صورتك في المرآة أن تصل للكمال، فتلك غاية غير مبلوغة ولو بشق الأنفس، ستظل دائمًا تطمح لأن تكون أفضل، لكن على الأقل عليك أن تدرك جيدًا أن ذاك الشريك الذي اخترته بعناية، لن يمنع عنك جوعك للتجارب التي تريد خوضها، ولن يمحو أحلامك. عليك أن تكون كافيًا لذاتك، هناك فرق شاسع بين الرغبة في أن تكون أفضل وأن تكون كافيًا. 

فإذا شعرت أنك كافٍ وما زلت تطمح للأفضل، فأنت جاهز لاستقبال واحتواء شخص آخر كافٍ لذاته هو الآخر، لكنه أيضًا يطمح للأفضل. وعليه فإنه سيضيف إليك وتضيف إليه، وسيجعل كلاكما الآخر شخصًا أفضل ونسخةً أكثر تطورًا من ذاته نفسها. 

تقول القاعدة اللونية، أن بقعة من اللون الأسود تستطيع ابتلاع عدد غير هين من قطرات البياض قبل أن يظهر عليها التغير واضحًا جليًا، بينما على العكس، فإن البقعة البيضاء تتعكر سريعًا بأول قطرة صغيرة من السواد. الأسود لون قوي، قطرة واحدة منه قادرة على تحويلك من شخص هادئ مطمئن صافٍ نقي التفكير إلى شخص عبوس لا يرضى بالحلول وقادر على إيجاد آلاف الأسباب للكراهية. 

من حقك أن تكون حزينًا أحيانًا، أن تشعر بالمرارة، أن يصيب قلبك شيء من الكراهية، لكن تلك المشاعر كلها بقع سوداء في النهاية، تعكر صفو القلب ولا يزول أثرها سريعًا، وتراكمها يزيد من السواد في النهاية، دخول شخص ما إلى حياتك لن يمنع عنك الحزن، ولن يمحو الكراهية، ولن يوقف المرارة، لكنها فقط ستتحرك جميعها لتستقر في جزء آخر من قلبك، ربما تدفن في العمق قليلاً لكنها ستظهر على السطح إن عاجلاً أو آجلاً. لذا عليك التغلب على قطراتك السوداء وحدك أولاً.

الخوف يوقعنا في عدة أفخاخ، على رأسها الاعتقاد في محدودية الاختيارات، اختيار شريك للحياة لا يحدث فجأة، ستمر عليك تجربة فاشلة، ستحب بقوة وتبني قصورًا من رمال ستسقط فوق رأسك، وستحب مرةً أخرى وتجد أنك يجب أن ترحل الآن وحالاً، ستسقط فوق رأسك عدة مرات، وربما ينكسر قلبك عدة مرات، إلى أن تجد شخصًا ما تكون على استعداد للبقاء في فوضى التحامكما لأطول وقت ممكن من العمر. لكن ذلك كله لا يحدث فجأة. 

قلبك يصقل، عقلك يصقل، ويختبر صبرك عدة مرات. كل ما عليك هو أن تكون صادقًا بما يكفي، لا تُزيِّف مشاعرك، وأن تُبقي قلبك مفتوحًا لاستقبال الحب متى أتى، ومرة أخرى لا تزيف مشاعرك، اغضب بحق، واحزن بحق، وافرح بحق، وخف بحق، وحب بأقصى ما تملك. أن تكون حقيقيًا قدر المستطاع مع أناسك ودائرتك، وإن لم يسمح لك من حولك أن تكون حقيقيًا ابحث عن غيرهم ممن تستطيع أن تكون حقيقيًا حولهم وفي جوارهم بكل ما فيك من الخير والسوء، وفي كل حالاتك من السعادة أو الحزن أو الخوف، ابحث عن غيرهم لكن لا تزيف مشاعرك. 

نرشح لك

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل