المحتوى الرئيسى

عنف وصراخ ونواح | المصري اليوم

10/08 23:08

■ العنف ليس مجرد فعل مادى وجسدى فقط. فكل قهر للحواس الخمس (السمع والبصر واللمس والشم والتذوق)، هو عنف. وكل قهر للملكات العقلية هو عنف. ومجتمعنا يعج بكل أنواع العنف، المباشر منه وغير المباشر. الظاهر منه والكامن المكتوم. وبالطبع حينما يتفشى العنف والعدوانية بكل أشكالها فى مجتمع ما فإنها تتحول إلى ظاهرة. وهنا يستلزم البحث عما وراء تلك الظاهرة.

■ العنف، وفقا للبعض، ينقسم إلى: ١) جسدى، ٢) لفظى، ٣) فكرى، ٤) مشاعرى.

■ إجرائيا، لن نفرق فى السياق الحالى بين «العنف» و«العدوانية». وبعيدا عن العنف السلوكى العدوانى المتولد عن أسباب، عضوية أو «جينية» وراثية، أو تعاطى العقاقير (الترامادول، على سبيل المثال)، والمشروبات الكحولية. فإن «العنف» و«السلوك العدوانى»، من منظور «علم نفس الفرد»، تتعدد دوافعه. فيرى «فرويد» أن مصدره يعود إلى«غريزة الموت» أو «تدمير الذات»، بينما يرى آخرون غير ذلك. فيرجع «أدلر» مصدر «العدوانية» إلى «شعور بالدونية».

■ هناك نوعان من العنف: عنف «تلقائى»، وليد اللحظة. مثل عنف رد الفعل وليد لحظة الغضب. كما أن هناك العنف «المنهجى»، وهو وسيلة لتحقيق أهداف أخرى.

■ وفى ضوء الدراسات النفسية أيضا، هناك ما يسمى «العدوانية السلبية»، ومن مظاهرها النقد الحاد المتطرف، والنظرة السوداوية للأمور.

■ الإنسان نتاج لجيناته.. وأيضا لبيئته بكل مفرداتها. ومفردات بيئتنا الاجتماعية مناخ جيد لازدهار العنف والعدوان، «كظاهرة اجتماعية». فيومنا يبدأ بالضجيج والصراخ وينتهى بالضجيج والصراخ. وما بين البداية والنهاية ملحمة من الضجيج والصراخ. وتمضى حياتنا قدما، معتادون ذلك الروتين اليومى. والاعتياد على العنف والتعايش معه هو أقسى مظاهر العنف الحضارى. والحض على العنف يحيط بنا.. فى الفوضى البصرية والتلوث البصرى الصارخ، الذى يحاصرنا فى كل مكان.. فى الشوارع.. فى لوحات الإعلانات.. فى واجهات الأبنية والمحال.. فى ارتفاعات المبانى ونشاز تجاور طُرزها المعمارية. والتلوث السمعى أيضا يطاردنا فى كل مكان.. صراخ وأصوات من كل نوع.. ميكروفونات.. كلاكسات السيارات... التكاتك.. مراكب النيل. كما لا يمكننا إغفال التلوث «الشمى».. تلوث الهواء المثقل بعوادم السيارات، وخلاف ذلك من روائح كريهة من كل نوع.

■ الفن سلاح ذو حدين. إما أن يرتقى بمشاعر الإنسان وسلوكه، وإما أن ينحط بتلك المشاعر وذاك السلوك. فشخصية من نشأ وترعرع على «آهات» «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» لابد أن تختلف عن شخصية من نشأ وترعرع على «هاءات» «زعبولة». والنشء نتاج لما يسمع وما يشاهد.

■ الفن ليس ترفا، فالمنتج الفنى القبيح ينعكس لدى الناس فى شكل «سلوك قبيح». وفضيحة التماثيل والمنحوتات الرديئة التى انتشرت عبر البلاد، فى الميادين والأماكن العامة. بقدر ما هى تعبر عن تدنى الكفاءة المهنية، بقدر ما هى تعبر أيضا عن عدوان على الذائقة الجمالية البصرية.

■ فى منتصف القرن الماضى، وفى إحدى مدن الشمال. كان هناك أحد الكبارى المشهور بكثرة وقوع حالات الانتحار من أعلاه. قامت بلدية المدينة بتغيير لون الكوبرى- الأسود- إلى اللون الأخضر، فقلت حالات الانتحار من فوقه.

■ الإعلام أيضا من أمضى الوسائل تأثيرا فى سلوك الجماهير، وبخاصة الإعلام المرئى المسموع (التليفزيونى). ولهذا الإعلام نجومه المتألقة فى نشر العنف والعدوان، شكلا وموضوعا. غالبيتهم لا يكتفون بدور المحقق أو وكيل النيابة، بل يتقمصون دور القضاة. وأحيانا يتقمص أحدهم دور الرؤساء والزعماء.. يعلو صوته بلا مبرر، وكأنه يخطب فى حشد جماهيرى فى ميدان المنشية.. فهو القائد وهو المعلم.. وهو«الندابة» النائحة أيضا. يعتقدون أن القدرة على الإقناع مرتبطة بالقدرة على الصراخ.. يزداد صراخهم.. تتحرك أياديهم وعضلات وجوههم.. ينطقون بسفيه وبذىء الكلمات بلا وجل.. يستضيفون- عمدا- ذوى السوابق اللفظية والسلوك الإيمائى غير اللائق.. فالمهم هو الإثارة. لا نصدق أن لهم قضية سوى لفت الانتباه إلى برامجهم.. يقلدون بعضهم البعض.. فى سيمفونية إعلامية زاعقة.. أوركسترا عازفيه هم مقدمو برامج، يعلمون القاعدة الذهبية، وهى: بقدر ما يزداد صراخك وبقدر ما تبذؤ ألفاظك.. بقدر ما تزيد أموالك وأموال صاحب «الماسورة الفضائية».. ماسورة تصريف الهيستيريا، وتصدير العنف والعدوان للمشاهدين.

■ فى زمن ما، كانت أفلام «العنف» هى أفلام فريد شوقى «وحش الشاشة» ومحمود المليجى.. والأفلام الواقعية هى أفلام «صلاح أبوسيف». أما فى أيامنا هذه، ومقارنةً بأفلامنا الآن، فيمكننا اعتبار أفلام «فريد شوقى» و«صلاح أبوسيف» أفلاما كوميدية ورومانسية، فهى تخلو من هذا الكم الهائل من العنف والدماء، والمشاهد المقززة باسم الواقعية.

■ الخطاب البذىء لبعض أعضاء البرلمان.. هو خطاب عدوانى ودعوة للعنف.

■ على الشخصية الإعلامية والعامة التى تطل على الجماهير أن تحرص على ضبط مشاعرها وانفعالاتها. نقول ضبط الانفعال بمفتاح العقل، ولا نقول تصنعه بالزيادة أو النقصان، ولا نقول كبت الانفعال.. فمضار «الكبت» لا تقل عن إطلاق الانفعال بلا ضوابط. وخلجات الوجه تفضح المكبوت، ذلك الذى قد يسفر فجأة عن عدوانية وعنف بلا حدود.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل