المحتوى الرئيسى

يا ولدى.. هذا «جدك» جمال!!

10/08 22:01

«الله يرحمك يابا».. عبارة أرددها كلما تذكرت لحظة رحيل أبى فى شهادة الميلاد، وأبى فى شهادة الوطنية. واليوم أتحدث عن أبى الثانى، موجهاً حديثى إلى ابنى فى شهادة ميلاده، وكل أبنائى فى شهادة الوطنية. وهو حديث يختلف فى صدقه ودوافعه عن حديث ضمه كتاب شهير يحمل عنواناً مشابهاً دون تعليق، فلا يعلم الضمائر إلا الله وإن كانت الشواهد تشير إلى الكثير. وأعلم مقدماً أن حديثى هذا قد لا يعجب بعض الكتاب المحترمين، ومنهم من يكتب مثلى فى «الوطن»، بل ومن عُين فى مجلس النواب، الذى نجح فى أن يضم كل ألوان الطيف، ونرجو أن ينجح امتزاجها الوطنى فى أن يبزغ عنه ضوء ناصع البياض لمصر الجديدة، التى أرجو أن نتخذ من عبارة «تحيا مصر» شعاراً ومساراً لها.

أعود إلى «الزعيم/الظاهرة» جمال عبدالناصر، الذى رحل عن عالمنا منذ 46 عاماً، ولم يرحل عن ضمائرنا فى يوم من الأيام، رغم كل محاولات الإزاحة الفاشلة.. ألا تستحق هذه الظاهرة أن نتساءل: لماذا هذا «الحضور المعنوى الكثيف»، رغم الغياب المادى المفاجئ؟ ألم يسوّق أعداؤه وأعداؤنا، لأنه كان منا وإلينا، صورته كديكتاتور بشع، وفقاً للصورة النمطية التى يعرفون بها الديكتاتور؟

قمنا مع كل الشعوب العربية بالرد على ذلك فى جنازته، التى توصف بأنها كانت أكبر جنازة فى التاريخ.. هل كنا نخافه حينئذ؟ وهل سار معنا أعداؤه وأعداؤنا؟ اللبيب بالإشارة يفهم.

وحتى لا يتحول الحديث إلى خطاب عاطفى غير موضوعى، أعترف بما لا يعرفه إلا الأصدقاء القدامى. لقد أحببت عبدالناصر بعد رحيله، وكنت شديد النقد «لغياب الديمقراطية» فى حياته. لقد أدركت أن هذا النقد قد توافرت لى فرصته من زخم ثقافى كبير شهدته خمسينات وستينات القرن العشرين. ثم ازددت وعياً بالحكم على الأحداث فى سياقها وتحدياتها، التى لم تسمح بقيام الديمقراطية كما نتمناها، وإن كانت لم تمنع الجماهيرية الكاسحة، التى وصفها الأعداء بالديماجوجية، فى إهانة واضحة لفطرة شعب وأمة. وهذا لا يمنع انتقاد فرط ثقته فى بعض من لا يستحقون الثقة، التى لو أعطاها للشعب بدرجة أكبر لتغير الكثير. لكننى أحب دوائر الانتماء، التى علمنا إياها فى «فلسفة الثورة»، والتى امتدت بعد ذلك لتشمل حركات أثرت فى العالم، كعدم الانحياز والحياد الإيجابى. وأحب دور مصر فى حركات التحرر، الذى ما زال رصيداً معنوياً وتاريخياً لها. وعلى المستوى الوطنى، أحب إيمانه الصادق بالعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى والتنمية، دون أن أنسى طهارة اليد.. سيظل عبدالناصر رمزاً لزعامة ملتحمة بشعبها وأمتها، وستظل مبادئه الخاصة بالعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى وعدم التخلى عن الحلم العربى وإصرار على التقدم والتنمية حاضرة وملهمة. وستظل تجربته المهمة مليئة بالدروس المستفادة، التى تستحق التحليل النقدى لإيجابياتها وسلبياتها، وإنجازاتها وعثراتها، علينا فقط أن نحكم على كل ذلك فى سياقه، دون دروشة المحبين بلا روية، أو نذالة الكارهين بلا موضوعية. والقائمة ثرية وطويلة، بما يتناسب مع قيمته وقامته: الإصلاح الزراعى، إتاحة التعليم بكل مراحله للجميع، وازدهار الثقافة، والفن، التأميم، القطاع العام، استعادة القناة ومعركة السد العالى، إعادة بناء الجيش، وحرب الاستنزاف وخطة العبور، القضية الفلسطينية، الاتجاه شرقاً، رفض الأحلاف والقواعد العسكرية، العمق الأفريقى، وحركات التحرر، تغيير شكل الأمم المتحدة بحركتى عدم الانحياز والحياد الإيجابى، وما يمكن أن يضيفه القارئ إلى هذه القائمة، بما فى ذلك ملف التعذيب بحقائقه المدانة ومبالغاته المضحكة، لقد عشنا كل ذلك معه، عبر سنوات عديدة بحلوها ومرها، وعلينا أن نقيّمها ونتجاوزها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل