المحتوى الرئيسى

انت ماشى حافى ليه؟!

10/08 22:01

يقال إن أرنباً كان يتعرض كلما تجول أو تنزه مع أولاده فى الغابة إلى صلف وعسف النمر، الذى ما أن يراه حتى يصرخ فيه بعنجهية وهو يعاجله بعدة صفعات:

- انت ماشى حافى ليه؟!

حتى أصيب الأرنب بحالة اكتئاب حادة وإحساس بالغ بالإهانة أمام أولاده.. فلم يجد مفراً من أن يذهب إلى الأسد شاكياً مردداً:

- يا ملك الغابة.. أيها السيد العظيم نصير الضعفاء وراعى المقهورين فى الأرض، هل يرضيك أن يضربنى النمر دون جريرة أو ذنب ارتكبته.. ويسحق كبريائى أمام أولادى؟!..

يعده الأسد أن يحل له المشكلة وأن يقيه شر تعسف وعنت النمر..

يستدعى ملك الغابة «النمر» ويوبخه على تحرشه بالأرنب.. مؤكداً له أنه لا ينبغى أن يكون سلوك الكبار هكذا، فتلك الطريقة المفتعلة الحمقاء تنقص من قدرهم كثيراً.. وأن أعتى الطغاة لا بد أن يبحث عن مبرر لبطشه..

فسأله النمر النصيحة.. فقال له الأسد:

- يمكنك مثلاً أن تطلب من الأرنب تفاحة فإذا أحضرها لك ووجدتها مثلاً صفراء واجهه بغضب أنك كنت تريدها حمراء.. فيحق لك ساعتها ضربه وتأديبه كما تشاء..

وافق النمر على العمل بنصيحة الأسد.. وفى أول لقاء مع الأرنب يطلب منه أن يحضر له تفاحة.. ولكنه أسقط فى يده حينما فوجئ بالأرنب يسأله:

- تحب أجيبها لمعاليك صفرا.. والا حمرا؟!

- انت ماشى حافى ليه؟!

الطرفة السابقة لها دلالات تتصل بسلوك الطاغية وطريقة تفكيره، وهو ما دعا الخليفة العباسى «المنصور» أن يهتف مخاطباً الشعب:

- أيها الناس إنما أنا سلطان الله على الأرض..

وهو ما دعا الحجاج بن يوسف أن يقول:

- والله لا آمر أحداً بأن يخرج من باب من أبواب المسجد.. فيخرج من الباب الذى يليه إلا وضربت عنقه..

ويعبر «مونتسكيو» عن طبيعة الطاغية بقوله:

- إن موقف الطاغية هو موقف ذلك الذى يقطع شجرة لكى يخطف ثمرة..

ويتسق ذلك مع نكتة بطلها «جمال عبدالناصر» فحواها أنه فى أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة كان يتحدث إليهم فى حمية وحرارة وحماس عن ضرورة تحقيق أهم أهداف الثورة، ألا وهى «الديمقراطية»، فقطعت حديثه عطسة أحدهم.. وكانوا يجلسون فى مواجهته فى صفوف، فبادرهم:

- اللى عطس يقوم يقف وإلا هاضرب الصف الأولانى كله بالنار..

فلم يقف أحد.. فصوب مسدسه إلى الصف الأول وقتلهم جميعاً..

- اللى عطس من الصف الثانى يقف.. مكرراً تهديده.. فلم يقف أحد فقتلهم.. ثم خاطب الصف الثالث والأخير بنفس الأمر.. فوقف أحدهم مقرراً:

- أنا اللى عطست يا فندم.

لكن أنصار «عبدالناصر» يؤكدون أن إلصاق تهمة الديكتاتورية به ما هى إلا فرية، بدليل أنه قدم أثناء أزمة مارس (1954) اقتراحاً كان بمثابة تصفية تامة للثورة.. إذ كان يتضمن الاقتراح السماح بقيام الأحزاب.. وحل مجلس قيادة الثورة وتسليم البلاد لممثلى الأمة الشرعيين.. بينما الذى عارضه وأصر على النكوص عن طريق الديمقراطية هو «عبداللطيف البغدادى»، الذى طالب بعدم إجراء أى انتخابات قبل تحقيق أهداف الثورة خاصة إجلاء المستعمر، واستخدام الشدة مع كل من تسول له نفسه الوقوف فى طريق الثورة.. وخضوع محمد نجيب لرأى الأغلبية والتقيد بقرارات المجلس والالتزام بتنفيذها.. أى إن «عبدالناصر» كان يطالب بإقامة الحياة الديمقراطية.. بينما «البغدادى» هو الذى يصر على الديكتاتورية.

لكن اللواء «جمال حماد» فى كتابه الضخم «أسرار ثورة 23 يوليو» يؤكد أن اقتراحى «عبدالناصر» و«البغدادى» على الرغم مما فيهما من تناقض كانا نابعين من تخطيط واحد.. وأن الأمر لم يكن سوى مسرحية مدبرة.. تم فيها توزيع الأدوار قبل مواجهة «محمد نجيب»، والدليل -من وجهة نظره- أن «عبدالناصر» فى نفس ذلك التوقيت دبر وقوع ستة انفجارات فى أماكن حيوية من العاصمة فى وقت واحد يوم (20) مارس بهدف ترويع الناس وإشعارهم بأنهم فى حاجة إلى نظام حكم قوى لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم مما يدعوهم إلى التمسك ببقاء مجلس قيادة الثورة واستمرار نظام حكمه الشمولى.. ثم يقوم بعد أربعة أيام فقط وفى جلسة مجلس الثورة يوم (25) مارس بتقديم اقتراحه الذى يقضى بتصفية الثورة وعودة الأحزاب وإطلاق الحريات العامة دون أى قيود أو شروط؟! وكيف يمكن لأحد أن يصدق أن «عبدالناصر» و«البغدادى» لم يجر بينهما أى تفاهم أو تنسيق مسبق بالنسبة لاقتراحيهما قبل انعقاد جلسة مجلس الثورة يوم (25) مارس.. إذ كان من الثابت أنهما التقيا معاً فى منزل «عبدالناصر» يوم (21) مارس بسبب مرضه ثم يوم (24) مارس فى جلسة مجلس الوزراء، هذا بخلاف اللقاءات الأخرى التى لم تسجل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل