"دي ميستوار" على أعتاب الرحيل.. "الخرف" يصيب كهل الأمم المتحدة المخضرم.. نرصد محطات تلخص مسيرة المبعوث الأممي نحو سلام سوريا "الزائف"
كهل ودبلوماسي مخضرم، يحمل على أكتافه ثمانية أعوام من العمل السياسي، دفعه لتحمل الكثير خلال سنوات عمره الـ70، يعتبر الوحيد الذي يحمل رؤية متفائلة تجاه الأزمة السورية، التي استلم ملف المفاوضات بها منذ عامين، ليراهن الجميع على تحقيق سلام حقيقي بها، بعدما فشل اثنين من قبله في نفس المهمة.
"ستيفان دي ميستورا" مبعوث الأمم المتحدة، بدا على وشك الرحيل من هذا المنصب الدبلوماسي، بسبب فشله في المفوضات السورية نحو تحقيق السلام بها، ليلحق بالجزائري المخضرم، الأخضر الإبراهيمي، وأمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، اللذان تولا نفس المنصب.
الفترة الأخيرة، لم تلق اقتراحات "ميستوار" قبولا بين أطراف النزاع داخل الأزمة السورية، بل أنها أججت الغضب في بعض الأحيان، وهو ما يظهر في بيان الحكومة السورية المؤقتة، أمس الجمعة، الذي تطالبت فيه الأمم المتحدة بإقالة مبعوثها، وأعلنت فيه إيقاف جميع أشكال التواصل والتعاون معه.
مقترح "ستيفان" الذي آثار غض كل الجهات عدا روسيا، هو إعلانه استعداده أن يرافق مقاتلي فتح الشام جبهة النصرة سابقًا، خلال خروجهم من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وهو نفس الشرط الذي وضعه الرئيس السوري بشار الأسد للتصالح مع "النصرة" فاعتبر البعض أن مبعوث الأمم المتحدة يؤيد الرئيس السوري.
وهو نفس الأمر، الذي علقت عليه المعارضة السورية، بأنه تصريحاته جاءت صادمة ومخالفة لـلمبادئ الإنسانية التي تقوم عليها الأمم المتحدة، متهمة إياها بضلوعها في التغيير الديمجرافي في حلب بعدما أصابه "الخرف"، مؤكدة أن تصريحاته وخطتَه في حلب تدعم نظام الأسد وروسيا، وتقيد دخول أي مساعدات إنسانية إلى أحياء حلب المحاصرة.
"ميستورا" المولود عام 1947، وهو رجل ستيني، غطى الشيب رأسه، وملأت التجاعيد وجهه، ورغم ذلك يظهر دائمًا مبتسمًا حاملًا شعلة التفائل في طريق سوريا المظلم، بعدما عولت عليه الأمم المتحدة في وضع حد للمأساة بقياداته رغم الانتقادات العديدة التي يواجهها في الفترة الأخيرة.
مر الدبلوماسي في حياته الشخصية بالعديد من الصعاب والاضطرابات، وشهد الكثير من الحروب والأهوال مع عائلته، خلال القرن الماضي، هو الأمر الذي يجعله الأقرب إلى الإحساس بمعاناة السوريين ويحفزه على مساعدة الأطراف على مد الجسور بينها وإيجاد أرضية مشتركة.
انحدر المبعوث الأممي من جنسيات مختلفة، فوالدته سويدية الأصل وأبوه إيطالي، وينتمي والده إلى عائلة نبيلة من بلدة "سيبينيكو" في مدينة "دالماتيا" الكرواتية، اضطر بعد الحرب العالمية الثانية إلى الفرار من مدينته، عندما استولت يوغوسلافيا على مدن إيطالية عديدة أبرزها مدينته.
استطاع في تلك الاجواء المضطربة الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة "سابينزا" في روما، ومن بعدها تخصص في المفاوضات الساخنة، واقتصاديات التنمية، وإدارة الأزمات في مناطق النزاع، وعمل كمتدرب في برنامج الأغذية العالمي في قبرص عام 1970.
بدأ مسيرته مع الأمم المتحدة كموظف مشروع في برنامج الأغذية العالمي في السودان عام 1971، إلا أن تحدثه للعديد من اللغات كالإيطالية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والسويدية والعربية، جعله مؤهلًا لإدارة الملفات الشائكة بعدما التحق بالعمل في وكالات منظمة الأمم المتحدة، قضى فيها نحو 40 عامًا.
وكلت إليه مهام عدة، كان منها تنظيم عملية المساعدات الغذائية في أفغانستان لسكان الريف المتضررين من الصراع القائم بين الاتحاد السوفيتي والمجاهدين الأفغان، وتنظيم المساعدات إلى السكان الأكراد بعد حرب الخليج.
وفي مطلع التسعينيات، ترأس "دي مينستورا" فريق بعثة اليونيسيف لكسر حصار الجيش الشعبي اليوغوسلافي لمدينة "دوبروفنيك" الكرواتية، واشترك في عمليات الإغاثة في "سراييفو" والصومال، كما عين منسقا للشؤون الإنسانية في العراق لمدة ثلاث سنوات.
وكان له دورًا دبلوماسيًا ممثلًا عن الأمم المتحدة، في حرب لبنان 2006، بعد ذلك شغل منصب المدير التنفيذي لكلية موظفي منظومة الأمم المتحدة في إيطاليا لتدريب موظفيها على إدارة الصراعات والمفاوضات.
أما عن تاريخه في سوريا، فقد عين مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة عام 2014، وهي المهمة الشاقة التي يتدخل فيها قوى إقليمية ودولية، لكن الدبلوماسي المخضرم يرى منذ توليه الملف أن نقاط التوافق بين المعارضة السورية والنظام يمكن أن يبنى عليها، ويعتقد أن حل مشكلة الإرهاب في سوريا يكون بالتوصل إلى حل سياسي.
وفي ذلك الوقت كان الأمين العام للأمم المتحدة، "بان كي مون"، يؤكد أن الدبلوماسي "مستورا"، سيكون ورقة المنظمة الدولية الرابحة وربما الأخيرة القادرة على فك عقد هذه الأزمة السورية، التي تحولت من احتجاجات سلمية لقتال مسلح.
اتسمت كل مواقف "دي مسيتورا" خلال مراحل التفاوض في الأزمة السورية بالتوازن، وحاول الظهور جاهدًا بالحيادية وعدم الانحياز إلى طرف دون آخر، سواء المعارضة أو النظام كي لا يفقد المصداقية، إلا أن تصريحه الأخرى قد يقضي على مسيرته الأممية.
Comments