المحتوى الرئيسى

د. صبري العدل يكتب: تيران وصنافير فى ذكرى النصر.. عن قدسية الأرض وطعن الحكومة وتزوير التاريخ

10/08 14:57

أطلت علينا ذكرى عزيزة فى نفس كل مصري، وهى الذكرى الثالثة والأربعين لانتصار أكتوبر المجيد على العدو الإسرائيلي فى حرب أكتوبر 1973 ..

ذكرى كسر الهزيمة التى لحقت بنا فى حرب يونيو 1967.. ذكرى النصر الذى يزرع فى نفوسنا الأمل بدوام هذا النصر، فقد أثبت الجندى المصرى أنه قادر على فعل المستحيل .. وكسر إرادة العدو الذى تجبر .. وتجرأ فاغتصب الأرض .. التى تمثل بالنسبة لنا وفى ثقافتنا "الوجود" ..

لقد كان من نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها أفسحت المجال للسلام الشامل بين مصر والعرب .. فى إطار ما أطلق عليه "الأرض مقابل السلام" ... ومصطلح الأرض هنا لم يكن يعني سوى الأرض التى استولى عليها العدو المغتصب فى حرب 1967 .. حيث كان من نتيجة الهزيمة أن استولت إسرائيل على كامل سيناء بما فيها جزر البحر الأحمر وخليج العقبة (تيران – صنافير – فرعون) .. وبموجب اتفاقية السلام عام 1978 وما تلاها تم الانسحاب الإسرائيلي من كامل سيناء بما فيها الجزر المصرية المحتلة .. وإن ظل الاحتلال محتفظا بقطعة صغيرة كان يطمع فى أن توسع له مساحة إطلالته على البحر الأحمر وهى "طابا" ..

وكانت روح نصر أكتوبر لا تزال تسرى فى البدن المصرى،  وكان التصميم المصرى للحفاظ على الأرض حتى لو كانت بضع مترات منها، وخوضنا حرباً من نوع آخر، وهى "حرب الوثائق والقانون الدولى" لإثبات مصرية طابا، ونجحنا من خلال الوثائق المصرية والبريطانية والتركية والمذكرات الشخصية للشخصيات المصرية والبريطانية، والشهادات الشخصية لمن عملوا فى تلك المنطقة عبر التاريخ، وكتب الرحالة والمؤرخين والمشاركين فى صناعة الأحداث التاريخية وحتى الصور الشخصية والخرائط وغيرها من المصادر التاريخية القانونية، استطعنا من خلالها عام 1988 استرداد ما حاول العدو أن يطمع فيه، وعادت أخر قطعة من سيناء المحتلة.

تيران وصنافير .. بين قدسية الأرض .. وطعن هيئة قضايا الدولة

إن أجمل ما فى روح أكتوبر أنها منحتنا القدرة على التمييز بين بين ما هو مقدس (الأرض) وبين ما هو سياسي غير مقدس (معاهدة السلام) ، فلقد كانت الأرض دوماً أقدس ما نملك، لكن المثير للاهتمام اليوم أن الآرض لم تعد مقدسة كما كانت فى السابق، أو أننا أصبحنا ننظر إليها باعتبارها "بيزنس" .. أو حتى يمكن أن تخضع للصفقات السياسية .. لقد أثارت مسألة جزيرتى تيران وصنافير فى الآونة الأخيرة قضية قدسية الأرض مرة أخرى .. وهل لازلنا على نفس القدر من المسئولية تجاه الأرض .. والتراب الوطنى ..

لاشك أن حكم محكمة القضاء الإدارى بمصرية تيران وصنافير وعدم خضوعها لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وحيثيات الحكم التى استندت إليها المحكمة لتطلق هذا الحكم بمصرية الجزيرتين، قد وضع الحكومة المصرية فى مأزق .. هذا المأزق سببه التسرع فى التصرف فى ملكية الأرض .. وباتت الحكومة بهذا الحكم تظهر كما لو أنها تفرط فى الأرض .. لهذا لا تدافع عن سعودية الجزر بقدر ما تدافع عن صحة الاتفاقية لتنفى عن نفسها صفة التفريط .. هذا ما يمكن أن تلاحظه عين المراقب للتصريحات الحكومية.

وكان الحكم بالنسبة للحكومة فرصة ذهبية لو تم استغلالها لإعادة النظر فى القضية من أساسها خصوصاً أن الوثائق التى نشرت عن مصرية الجزر كانت أقوي بكثير من تلك الأوراق المتبادلة عامى 1989-1990 حول سعودة الجزر فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك .. وحين كان عصمت عبد المجيد وزيرا للخارجية .. لكن المثير فى الأمر أن تتمادى الحكومة فى الخطأ لتدخل القضية فى نفق مظلم، حين تطعن هيئة قضايا الدولة على الحكم .. ليس دفاعاً عن سعودية الجزر .. وإنما عن سلامة ما اتخذته من قرارات تتعلق بالاتفاق المصري ـ السعودي، وكنت أتمنى أن تترك الحكومة الموضوع معلق عند هذا الحد، دون اتخاذ قرار حاسم، لإراقة ماء وجهها من ناحية، وترك القضية للمستقبل فنحن لا ندرى ما الذى سيحدث فى المنطقة فى قابل الأيام.

الوثائق المصرية كلها تصب فى صالح مصرية جزيرتى تيران وصنافير ...

 منذ بداية قضية تيران وصنافير قمت بنشر العشرات من الوثائق والمصادر التاريخية التى تشير بكل وضوح إلى مصرية الجزيرتين .. بل ونشرت بحثاً فى الموضوع وأرفقت به الوثائق التى تؤكد ما توصلت إليه من نتائج بطريقة علمية بحتة .. فأنا لست سياسياً ولم ولن أمارس السياسة .. وإنما باحث كان من المفترض أن ترجع الدولة إلي وإلى غيري من المتخصصين فى موضوع كهذا .. على أعتبار أن العلم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أى هدف  .. وحتى تصل إلى نتائج مطمئنة .. وليس إلى نتائج سياسية لا دليل على صحتها ..

إن تجاهل الحكومة لما نشرته ونشره غيري من وثائق يدل على الانفراد فى اتخاذ القرارات .. واعتماد الحكومة على خبراء فى غير التخصص المطلوب، هدفه تمرير القضية وليس الوصول إلى الحقيقة .. إن التاريخ سيحاسبنا جميعاً .. لقد ظللنا سنوات ندافع عن كيلومترين من الأرض .. ونجوب الأرشيفات العالمية فى شتى بقاع الأرض بحثاً عن معلومة تقول أن طابا مصرية .. لماذا لم نفعل ذاته مع تيران وصنافير .. سؤال يحيرنا كباحثين وخبراء فى الوثائق .. ؟

تيران وصنافير مصريتان .. بين المؤرخين والساسة

إن قضية تيران وصنافير قضية مصيرية مهمة .. بالنسبة للحكومة المصرية .. فهى قضية كن أو لا تكون ..!! .. وكما سبق وقلت أن الدولة لاتدافع عن سعودية الجزر .. وإنما تدافع عن نفسها وعن قرارتها .. لأنه لو ثبت عكس ما اتخذت من قرارات فهى لا تعنى سوى التفريط .. لهذا تقوم بإسكات كل صوت يقول بمصرية تيران وصنافير ... لأنه ببساطة يعني أنها تفرط فى الأرض (المقدس) .. وكم تم منعى من الظهور فى بعض وسائل الإعلام رغم أن ما أقوله ليس كلاماً سياسياً بل حقائق علمية تستند إلى الأدلة الوثائقية التى لم تطلع عليها الدولة أو اطلعت .. ولا تريد الأخذ بها .. فأنا كمتخصص فى تاريخ سيناء اطلعت على مئات الوثائق والمصادر التاريخية .. وأعلم مالا تعلمه الدولة بحكم تخصصى .. ورغم هذا تضرب الحكومة عرض الحائط بكل صوت يقول بمصرية الجزيرتين .. فهذا بالطبع أعتبره تزييفاً للتاريخ .. كيف لا تأخذ الحكومة رأي المؤرخين المتخصصين فى قضية جزء كبير منها تاريخي يتعلق بممارسة السيادة على الأرض عبر التاريخ ..

المؤرخ والوثائق وكتابة تاريخ مصر فى عصر مصادر المعرفة المفتوحة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل