المحتوى الرئيسى

نادين يسري تكتب: أنتوا لسه ماشوفتوش حاجة من الدنيا

10/08 10:41

هذا ما قالته لنا معلمة اللغة العربية وهي تحكي آسفة عن كم النفوس غير السوية التي قابلتها في حياتها، ثم عادت مسرعة إلى استكمال شرح أنواع النعت.

معلمتي الفاضلة، دعيني أخبركِ ببعض الأشياء:

كل من تتراوح أعمارهم بين الأربعين والستين عامًا -أو الغالبية العظمى منهم- يتوقعون أن من هم في مثل أعمارنا يعيشون سن البراءة والسهولة، لكنهم لا يرون، أو بمعنى أصح يمتنعون عن الرؤية، فأصبحت أفكارنا وأفعالنا وأقوالنا تُأوّل على أنها نتيجة للمرحلة العمرية ليس إلا.

يا معلمتي الفاضلة، أرأيت وأنت في مثل سننا من يقدم على الانتحار بحجة أنه قد يئس من الحياة؟

أراهن أن أول ما تساءلتِ عنه: أن ماذا رأى هذا الفتى من الحياة لييأس منها؟!

إنه على الأغلب قد رأى ما لم تره أنتِ في حياتك.

طلاق والديه أو بقائهم سويًا تحت سقف واحد كالمطلقين، أو رأى مشاهد الإهانة اليومية للجميع إلى أن أصبحت شبه اعتيادية.. قد يكون أقدم على الانتحار لمجرد الخوف من الاستمرار في العيش؛ فيا معلمتي، عالمنا مجنون جدًا.

إنك ترَيْن الأبوين يمارسان ساديتهما على الأبناء بحجة أن ذلك من مصلحتهم.

وترين بلادًا ينادي الكل بعظمتها، لكنها تقف عاجزة عن فض طوابير مكاتب الهجرة ومصالح جوازات السفر.

وترين من يهلل لصناع الحرب، وهم يرقصون على جثث الأطفال، إذ لا يوجد دعاة للسلام.

وترين عالمًا لا يكف عن الدوران والاحتفال كل ليلة بعد صباح قُتل فيه المئات، ولسان حالهم: أن ما لنا ومن قتلوا.

وترين رجالًا ببذلات أنيقة جدًا يدعوننا لترشيد الاستهلاك في قاعات أنفقت الملايين على إضاءتها.

وترين شبابًا، ولكنهم في غاية العجز.

هذا اليأس ليس حالي وحدي، بل حال جيل بأكمله استزرع فيه اليأس.

فكيف لمن أقدم على الانتحار أو اعتزال الناس -على أقل تقدير- أن يكون بلا وعيٍ كافٍ؟

إننا لسنا بمراهقين ولا نحيا حياة بريئة ملؤها السعادة. أحلامنا ليست بوردية أحلامكم في الماضي.

أحلامنا أصيبت بشوائب تدعى “الواقع”.. الواقع أخبرنا أن لا مكان لنا في الجامعة التي نريدها، وأن لا عمل لنا بالشهادة التي أفنينا فيها سنينًا من عمرنا.

الواقع أخبرنا ولايزال يخبرنا بشتى الطرق أن لا مكان لنا في الحياة، فارحلوا، لكننا، ولسبب غير معلوم نعاند الواقع ونحاول الهروب منه، بل ونحاول خلق مكان لنا حتى وإن كان على هامش الحياة.

من اختار عدم الصمود ليس بضعيف، لكنه قد فهم أن حلقة المجابهة والهروب هذه مفرغة وبلا معنى، فكسر الحلقة وحمل أمتعته ورحل.. فكيف لمن لم ير شيئًا من الدنيا أن يقرر الرحيل عنها؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل