المحتوى الرئيسى

مَنْ كان يحب الشهيد "كمال" فليستقِل كما استقال!

10/08 02:15

كثر الشهداء على أرض الكنانة، ممن لا نزكيهم على الله تعالى، وهو أدرى منا بهم، فما يكاد يمر أسبوع، وأحياناً يومان، إلا ويعتصر الألم قلب كل شريف باستشهاد شاب أو كهل أو حتى شيخ كبير على أرض الكنانة، عفواً لا نتحدث عن قيادي في الجماعة فقط، ولا عن عضو لمكتب إرشاد بعد 3 من يوليو/تموز 2013م، قاد ما يسمى إعلامياً بـ"معسكر الشباب" داخل الجماعة، حتى جاء دوره الأكثر أهمية، في حياته وفكره، بقيادة مكتب الأزمة في فبراير/شباط 2014م، ومن ثَمَّ تفجر الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين.

للراحل الدكتور "محمد كمال"، الأستاذ بكلية الطب بجامعة أسيوط، الذي أحسبه شهيداً، كل التقدير بمواقفه المختلفة، بخاصة استقالته من جميع المناصب القيادية في الجماعة منذ أشهر قليلة، ولا أزكيه على الله تعالى.

كما أن أمر ذكر الشهداء بالخير يخص، لديَّ، مرافقه الراحل "ياسر شحاتة"، ولكن الأمر لا ينسيني الشهيد "مهند إيهاب"، الذي توفِّي في محبسه قبل ساعات من تصفية الدكتور كمال ومرافقه، كما لا ينسيني مئات الشهداء منذ الانقلاب، ومنهم: الدكتور "طارق الغندور"، و"كريم حمدي"، و"محمد رشدي السيد"، و"عصام أحمد عبد الله"، و"أحمد جادو خليل"، وآخرون ممن توفوا رهن الحبس أو الاعتقال، إن لم يذكرهم مثلي فكفى أن الله تعالى يذكرهم.

والأمر في المأساة ليس أمر تفضيل لشهيد على آخر، أو عفواً، ولو من طرف بعيد، مزايدة بالوقوف المطول لدى شهيد، وتمرير العشرات الآخرين دون وقوف كافٍ لدى أسمائهم، فكل الذين لفظوا أنفاسهم على أرض مصر في سبيل مرضاة رب العزة، ثم نصرة شعبها، إخوة ينبغي أن نستشعر في قرارة أنفسنا أنهم بذلوا أقصى ما يملكون من أجل دينهم، ثم استمرار حياتنا على نحو أفضل.

والأمر في المأساة ليس أمر تكفير عن أخطاء في حق بعض الشهداء، بل اتباع إلى طريقهم، والسير خلف أفضل أعمالهم، ولستُ هنا بمتعرِّض لما قيل عن الراحل الدكتور "محمد كمال" من جناح خالفه في الرأي والرؤية خلال فترة تعمق الانقسامات، واتساع الهوة بين رؤيتَين من سلمية مطلقة، وحمل للسلاح، بين رؤية الدكتور "محمود عزت"؛ ورؤية الدكتور الراحل "محمد كمال" -رحمه الله- ولطالما قيلت كلمات ونُسبت إلى أعلى فرد في الجماعة ممن هم في السجن، فرَّج الله عن الجميع، وأثبتت الأيام أن هوة الخلاف في الرأي كم تظلم، وكم تبدي المحن من صراعات كان الأصل فيها عدم ظهورها إلى العلن، إن لم يكن حدوثها من الأساس.

تبنَّت الجماعة كلها، وهي حقيقة تخفى على كثيرين، وتتم نسبتها من جانب آخر، ربما بحسن نية إلى الراحل "محمد كمال" والذين اتبعوه وحدهم، والحقيقة هي أن الجماعة في مصر بكامل إرادتها تبنَّت في فبراير/شباط 2014م النهج المسلح، وإن كان هناك مَن قال بأن الأمر تم بتدليس عليها، وعدم موافقة لأعضاء مكتب الإرشاد الباقين حينها خارج الاعتقال، فإن هؤلاء تلزمهم مراجعة حُججهم، التي لم تكن واضحة من الأساس، بعد استشهاد الدكتور "كمال" الذي ألحقوا اتخاذ الخطوة به وأتباعه، وغير خافٍ أن محافظات بأكملها اتبعته لتنقسم الجماعة في مصر.

وقدَّر الله أن يتوفى الله أرواحاً من جراء الخطوة قبل أن تتراجع عنها جبهة الدكتور "عزت"؛ لتواصل جبهة الراحل الدكتور "كمال" المسيرة المؤلمة حتى يلقى الأخير الله مؤخراً.

والأمور يستدعي بعضها بعضاً، فقد ثبت لكل ذي فهم ولب وتمييز أن الطريقين ليسا على مستوى الحدث، فلا استمرار تلقي الضربات دون رد أو إعمال فكر في حل لما وقع بمصر على صواب، ولا التحول المباشر إلى حمل السلاح بالصواب، والأمر يحتاج إلى رؤية عميقة وتدبُّر لما حدث ويحدث في الكنانة -التي أسأل الله أن يحفظها- كما أن الأمر يحتاج إلى دراسة لحوادث التاريخ، ولدراسة تتعلق بالجوانب النفسية والعملية من حياة الشعوب في فترات التحول، وما أتمنى استمراره من محاولة ثورة، والأمر في النهاية ليس أمر قرارات تُتخذ وفق رؤية شخصية، وتصويت على الآراء، ثم إعادته إن لم يحُز الرأي المطلوب الأغلبية، كما حدث في قرار ترشُّح الإخوان لحكم مصر.

إن الفترة الماضية تحتاج إلى إعادة دراسة متأنية من جماعة الإخوان لما بدر منها من قرارات، وما نتج عنها من هزات على أرض الواقع للصف، بل لمصر، وبالتالي الأمة كلها، وإنه دون هذه الدراسة؛ والاستعانة بمختصين واحترام آرائهم، وتقدير المفكرين والأدباء داخل الجماعة، والاستماع لرؤيتهم، والأخذ بالأصوب منها، إن لم يكن من الشرفاء من خارجها أيضاً، فإنه بدون هذا سيطول أمر هذه المحنة بمصر إلى أن يشاء الله رفع هذه الغمة أو استبدال الجماعة بأخرى ترعى سنن الله الكونية، ولا تتمسك بمفردات البقاء رغم الضربات، وتركن إلى البعض من المستفيدين من استمرار هذه الفترة العصيبة، سواء أكانوا غافلين أو مندسين من جميع الاختصاصات، وعلى رأسهم إعلاميون وتجار للأزمات، بل كل الذين يزينون بقاء الموقف الحالي دون مراعاة للمضارين.

وما تجب دراسته باستفاضة كيفية انقسام الجماعة نفسها على نفسها، الأسباب، والدروس، ووجوب تلاشي الأمر، بداية من إحسان انتقاء العناصر التي يتم إدخالها في الجماعة وتصعيد الأجود لا الجيد فقط منها.

إن الأمر ليس أمر تغنٍّ بالشهداء من قِبل إخوان أو منسوبين إلى الإخوان في الخارج، فيما طوفان الدماء مستمر في الداخل، ولا أمر قيادات تختلف مع بعضها فتتسع هوة الاختلاف، حتى إذا توفيت القيادة المختلفة مع أخرى انبرت الأخيرة للتغنّي بها، وذكر مآثرها، فإن الأمور بهذه الوقائع تقترب من عدم الجدية في أمور بالغة الجدية.

القيادات الأخرى المخالفة للدكتور الراحل "محمد كمال" الآن تنعاه، وعلى رأسها الدكتور "محمود عزت"، أين كان هذا في حياة الرجل؟ بل أين هذا من اتباع أفضل مواقف الرجل بالاستقالة كما استقال من المناصب القيادية وإفساح المجال لقيادات أخرى؟

ثم إن الأمر من جانب آخر ليس أمر قبول بتدفق للشهداء، حتى إن الأخيرين منهم لَينسَون المُتذكر الأوائل أو القريبي العهد بالاستشهاد، وأعيذ الجميع بالله أن يكونوا في مأمن يطلقون الكلمات، بخاصة في الخارج، فيما يموت آخرون بالداخل، وما من مكان هنا لكلمات الثأر، التي تفضل بها علينا المتحدث باسم الجماعة في الخارج، أي ثأر وأي عقل يقول هذا؟

إن الأمر يتطلب إمعاناً في التفكير.. اليوم توفي الدكتور "كمال" ومرافقه بالإضافة إلى آلاف، وكلماتكم لن تغني عن استمرار موكب الشهداء، وغدا يتوفَّى آخرون وتُجددون نفس الكلمات، والأكثر تحسباً ومحبة أن توافق كلماته الواقع سيقول سنواصل اتخاذ المواقف القانونية ونداء المؤسسات الدولية، ومع الاحترام لكل شريف، الأمر لن يغني عن استمرار مسيرة تدفق الدواء، ومن ثم الشهداء والراحلين.

كان الدكتور "كمال" -رحمه الله- حكيماً لما أعلن في منتصف العام الجاري نزوله على قرار اللجنة التي شكلها الشيخ الدكتور "يوسف القرضاوي" العام الماضي، وخلصت في 25 من يناير/كانون الثاني الماضي، في الذكرى الخامسة لمحاولة الثورة المصرية، ولاختيار التاريخ هدف غير خافٍ على أحد، وبالتالي الاستقالة من المناصب بالجماعة ومجرد الترشح إليها، في رسالة صوتية جاء فيها:

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل