المحتوى الرئيسى

في الذكرى الـ43 لنصر أكتوبر.. النوستالجيا العسكرية لا تُجدي نفعاً

10/07 12:06

"الجيوش تقاتل كما تتدرَّب" تلك قاعدة عسكرية معروفة ومستقرة لدى العسكريين يسيرون عليها، ويُفترض ألا يهملوها؛ لذا تستمر تدريباتهم ومناوراتهم ولا تنقطع، فالجيوش لا تعرف إلا حالتين لا ثالث لهما، أولاهما حالة "الحرب"، وهي الصراع المسلح الصريح، والأخرى حالة "الاستعداد للحرب"، وتكون بالتدريبات العسكرية ومشاريع الحرب والمناورات الحربية.

الجيوش التي لا تقاتل لا تركن إلى الراحة مطلقاً؛ بل تقوم بمناورات أشبه بالحروب الحقيقية، حتى يعتاد المقاتلون على أسلحتهم، ويتقنوا استخدامها من جهة، وحتى يتم نقل الخبرات من العسكريين ذوي المهارة والكفاءة لمن هم أقل منهم في السن والخبرة من جهة أخرى، وهكذا الجيوش الفاعلة والقوية، أو التي ينتظرها خطر عدو حتمي.

في الحروب لا وقت للتدريب ولا للتجريب، فقط القتال المحترف، وهذا يتأتى باستثمار وقت السلم بالاستعداد للحرب.

لا وقت للراحة، وكما كان يردد عسكريون مصريون في السابق: "إن العرق في السلم يوفر الدم في الحرب"، وقت أن كان الجيش المصري يجري مناورات حربية (النجم الساطع 1980 - 2009) بشكل شبه منتظم، ولكنها توقفت منذ سنوات.

في ضوء ما سبق، وعندما ننظر إلى الوضع الحالي للجيش المصري -وهو يحتفل بالذكرى الـ43 لنصر أكتوبر/تشرين الأول- نجد أنه لم يخُض حرباً شاملة منذ 43 سنة، ولم يشترك في عمليات قتالية منذ 25 سنة -حرب تحرير الكويت- ولم يقُم بمناورات عسكرية كبيرة منذ 7 سنوات -توقفت مناورات النجم الساطع في 2009- أي أنه يوجد فارق مهني وفجوة كبيرة جداً بين العسكريين السابقين، الذين شاركوا في عمليات قتالية أو خاضوا حروباً، وبين العسكريين الحاليين، الذين لم يسبق لهم القيام بعمليات قتالية كبيرة أو المشاركة في الحرب، وأغلبهم له سنوات بالعمل الإداري والمكتبي في القوات المسلحة كقائد الانقلاب مدير المخابرات السابق، ونسيبه مدير المخابرات الحالي، كما المجلس العسكري الحالي بكامل تشكيله.

تحل الذكرى الـ43 للانتصار على العدو الإسرائيلي في جو من العلاقات الدافئة مع نفس العدو الذي أصبح صديقاً حميماً يدافع لوبيه الصهيوني في أميركا عن الزمرة الحاكمة في مصر؛ بل ويطالب الإدارة الأميركية بسرعة تسليم أسلحة معينة للجيش المصري (طائرات الأباتشي التي تأخرت أميركا في إعادتها لمصر بعد إجراء صيانة لها بسبب الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، والتي يستخدمها الجيش المصري في سيناء، في ما يسميه حربه على الإرهاب بتنسيق ومباركة ومشاركة إسرائيلية).

ويصوِّت النظام المصري لصالح إسرائيل في المحافل الدولية، وترسل القاهرة وزير خارجيتها محملاً بأصدق مشاعر الأسى في عزاء رئيس إسرائيل السابق شيمعون بيريز منذ أيام، حالة من "السلام الدافئ"، كما سماها قائد الانقلاب نفسه، العدو صار صديقاً دافئاً، فلا مجال للاحتفال وتذكر القتال ضده والانتصار عليه، دفء ما بعده دفء.

انتهاء مرحلة العداوة بين الجيش المصري وإسرائيل -عداوة الشعب المصري، ويكفي أن مصر لم تخُض حروباً في آخر 70 سنة إلا ضدها- مر بمنحنى تاريخي منذ "كام ديفيد 1979"، تزامن مع منحنى انخراط الجيش المصري في الأنشطة الاقتصادية المدنية بعلاقة عكسية، فكلما قلَّت حالة العداء وقلَّ معها دور الجيش القتالي زاد اتجاه الجيش للاقتصاد.

وعندما وصلت الحالة إلى الدفء، قفز الجيش على الحكم بانقلاب عسكري، وأحكم السيطرة على الاقتصاد بالكلية؛ لانعدام الدور القتالي للجيش المصري تجاه إسرائيل بالكلية أيضاً.

الانقلاب العسكري جاء ليمثل نقطة التحول الرهيبة في سلوك الجيش المصري، وتحول عقيدته القتالية حينما ترك ثكناته ووجَّه سلاحه للداخل، وتنحَّى عن وظيفته الرئيسية في حماية البلاد من الخطر الخارجي -الخطر الإسرائيلي- وانخرط في شهوات الحكم، فتحول من جيش نظامي يحمي حدوده ويعرف عدوه إلى قوات تجوب الشوارع وتواجه معارضي حكمه السلميين، وتتمركز حول الأبنية المدنية، وتدير بعضها.

وسط هذا كله طبيعي أن تخفت حالة الاحتفاء والاحتفال بانتصار الجيش في أكتوبر 1973، خصوصاً مع تلك الأجيال التي لم تشهد حرب أكتوبر، ولم تسمع كثيراً عن حالة الصراع العربي - الإسرائيلي الممتد لعقود -وحتى الآن- والتي عانت من تشوّه تعليمي وتاريخي تجاه العداء مع إسرائيل، الذي يرتبط في أذهانهم تحقيق أي تنمية في مصر بالانبطاح الكامل تجاه إسرائيل.

العسكر لم يخوضوا حرباً، بالإضافة لانشغالهم بالحكم والاقتصاد وسلام دافئ مع العدو، فأي احتفال بنصر أكتوبر يقوم به العسكر الحاليون؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل