المحتوى الرئيسى

معركة جبل مريم.. مكالمة عائلية على خَط النار ''تُرد الروح''

10/07 00:29

عبر مُكالمة هاتفية واحدة يُمكن أن تسترد روحك، يأتيك الصوت الذي تشتاق إليه، رغم ما تحمله تلك من ثِقل وتوتر وقلق، إلا أن هذه الصوت يُنحيّ أي مشاعر مخيفة، تتحول إلى لهفة لسماع صوت يتردد بعد شهور فراق، وشوق يعبر المسافات. مكالمة عائلية قدمت لقائد كتيبة، وسط حرب يدور رحاها، فيُنفخ في روحه من جديد، وينثر من نشوته على مجنديه، يجدد حماسهم بقلب الدفة ثانية، وتتحول المكالمة إلى طوق نجاة لميل الكفة مرة أخرى تجاه المصريين.

كانت رحى الحرب تدور، وكفتها تميل إلى الوطن، حتى ليلة 14 أكتوبر، حينما تمكّنت القوات الإسرائيلية من إحداث الثغرة بين الجيش الثاني والثالث الميداني، على مسافة من مدينة الاسماعيلية عُرفت بـ"ثغرة الدفرسوار"، فرصة مثالية للجيش الإسرائيلي تمكنه من الدخول إلى عُمق الأراضي المصرية، لكن القوات المسلحة لم تكن تسمح بحدوث ذلك "جالنا أوامر نتحرك لجبل مريم فورًا" يقولها اللواء عاطف منصف، قائد الكتيبة 85 مظلات- التي أدت دورًا بطوليًا في التصدي لقوات العدو خلال الحَرب.

في ساعات قليلة نُقلت الكتيبة من موقعها بـ "أنشاص" إلى جَبل مريم، تبة جبلية ارتفاعها نحو 150 متر فوق مستوى سطح البَحر، تطل على البحيرة المُرة ومقابلة لجبل "حنيدق" الذي يُسيطر عليه الجيش الإسرائيلي، وهو في الوقت نفسه بوابة الدخول إلى محافظة الإسماعيلية "مهمتنا كانت تأمين الجبل ومنع العدو من الاستيلاء عليه".

بين جنوده، وقف "مُنصف" يراجع خطة الانتشار على طول الجَبل، توجيهاته لا تتوقف، المعنويات مرتفعة، والجاهزية للقتال مع العدو في أعلى مستوياتها، قبل أن تبدأ المواجهة بغتة، سيل من ضربات المدفعية من قِبل العدو تغزو المكان، ضربات متواصلة لدك الجَبل، القوات المصرية ترَد، حرب ضروس تدور بين الطرفين، طائرات إسرائيلية تُحلق في السماء، تُسقط قذائق ألهبت المنطقة "اتضرب علينا كمية بشعة من النيران، ساعة إلا ربع بالمدفعية ونص ساعة طيران لكننا صمدنا"، لم تقف الكتيبة ساكنة، ضربة بضَربة، وشهيد من ناحيتنا بعدد أكبر من قتلاهم، يُضيف "مُنصف" لمصراوي: "الناس في الإسماعيلية شافوا (مريم) مولعة من شدة القتال".

في ذلك الحين، كانت نيران من نوع أخر تستعر في قَلب زوجة القائد، تقطع صالة المنزل ذهابا وإيابا، الشوق ينهش صَبرها، الخوف يهاجمها بقوة، الأخبار الواردة من الجَبهة مُقلقة، أسر الضباط يتبادلون الاتصالات المُقلبة للمواجع يوميًا، لا يوجد أخبار جديدة عن الواقفون على خَط النار، لم تَسمع صوت حبيبها منذ فترة طويلة "والأولاد كانوا دايمًا يسألوا بابا فين" تَرد الأم بغصة "في الشغل وقريب يرجعلنا"، تضمد قلقها بالأمل، وتمنع اليأس عنها بالفَخر بأن رجلها يقاتل من أجل تحرير بلاده "الجيران كانوا بيتعاملوا معانا كويس. ويقولوا دي جوزها بطل من أبطالنا".

البطولة في جَبل مريم، لم تكن مجرد كلمات على شفاه المُعجبين، كانت حقيقية بقدر الموت المُلتف بحول أعناق الرجال، القتال مع الوقت يشتد، الضربات موجعة لكلا الطرفين، القائد- مُنصف- يتشاور مع مساعديه، يطالب القيادة بإمداده بالمزيد من المعدات فيُلبى طَلبه، يتأكد من التزام الجميع بالتعليمات "لقناهم الخطة قبل المعركة وكانوا عارفين هيعملوا إيه وقت الاشتباك" يدفع جنوده لبذل أرواحهم من أجل الوطن، قبل أن يهتف فيه أحدهم بأن هناك اتصالا هاتفيًا عاجلًا من قائد اللواء عبدالمنعم خليل، قائد الجيش الثاني الميداني.

نحو مقره، داخل الجبَل، على عُمق 13 متر تحت الأرض، هرول القائد باتجاه "خط ماركوني"- الهاتف المُخصص لقوات الجيش، يُحدث قائده بثقة رغم ما يعانيه، يتماسك، لا يُريد أن يشعر أحد جنوده بصعوبة الوضع، هزيمة القائد تعني سقوط قواته وهو المستحيل بعينه، يُخبره قائد الجيش الثاني الميداني بالانتظار على الهاتف.

لحظات وجاءه صوته يألفه القَلب "انت كويس؟" رجفة سرت في جسده "كان بقالي زمان متصلتيش بيها من ساعة ما استنفرنا"، كانت زوجته "أمينة غالب" على الخَط: "أنا كويسة وسهيلة وحمادة وسالي كويسين.. متقلقش" توقف الزمن لحظة،انخفض صوت الطائرات قليلًا، تنحى دويّ المدافع، صورتها بدت واضحة في عيناه، ابتسامتها حينما يدلف من باب المنزل، قفزة ابنتيه وولده بين يديه "المهم هتيجي إمتى؟" تُعيده الزوجة إلى روحه، يبتسم، يطمئنها عليه، يُخبرها بأن كل شيء على ما يرام، يعدها بالعودة سالمًا "هأجي قريب بإذن الله".

انتهى الاتصال، قلب القائد امتلأ بدفء المحبة، اطمئن فجأة رغم انتشار النيران من حوله "المكالمة فرقت مع معنوياتي، مفيش كلام طبعًا"، نشاط دبّ في حركته وهو يغادر مكتبه، إلى أرض المعركة عاد، صرخاته صارت أكثر حماسه، حرارة صوته انتقلت إلى جنوده، اليوم سننتصر، قالها لنَفسه، سيصد العدو عن الأرض والعَرض، وسيفي بوعده كما قال لزوجته.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل