المحتوى الرئيسى

قلم وشوية ورق!

10/06 22:07

كنّا نرى قديما كاتبا يمسك بقلمه الذي اعتاد عليه وبجواره أوراق مبعثرة في دلالة على كثرة التفكير وصعوبة اختيار وإيجاد الفكرة الملائمة وانتقاء الكلمات المعبرة عن تلك الفكرة.. وسرعان ما نرى الكاتب يمزّق الورقة تلو الأخرى، ويصاب بالإرهاق حتى تأتي لحظة التنوير ويتنزّل الوحي والإلهام على هذا الكاتب وتبدأ رحلته مع النص الأدبي أو المقال أو القصة التي يكتبها.

وفي العصر الحالي نجد أن هذا المشهد قد تغيّر ليس فقط على مستوى الشكل بل على مستوى المضمون؛ فقد نجد الكاتب قد أصبح يستخدم الحاسوب ولوحة المفاتيح وبضغطة زر يحذف ما يشاء ويُغيّر في الشكل والتنسيق والعبارات وكل شيء.

وعلى أية حال لسنا بصدد إجراء مقارنة للتعرف على الفروق بين شكل الكتابة حاليا وفي الماضي فالمهم هو الحديث عن بعض الأقلام.

بعض الناس من أشباه الكتّاب استغلوا تلك الأقلام لتحقيق مآرب شخصية أو للانتقام من أناس معينة أو مجاملة للبعض، وباتت أقلامهم بمثابة سيوف ورماح مستدقة الرأس مغروسة في كلمات مسمومة تنغرس في بني البشر فتقتلهم عن بكرة أبيهم.

ما يحزنني هو أن أرى وجود بعض الكتّاب الراغبين في عمل "المفرقعات الإعلامية" من خلال أخبار مفبركة أو من خلال مقال ساخن بكلمات غاية في الانحطاط والبذاءة رغبة في استقطاب القراء، فأين الأدب الراق والفن العالي؟ وأين نحن كقراء من اختيار الصالح وترك الطالح؟!!.

كم يؤسفني أن أرى أننا نشجع هؤلاء الكتّاب-  أو كما أحب أن أسميهم مقلدي وأشباه الكتّاب - حينما نقرأ لهم ونعمل بقصد أو دون قصد على مبادلة ما يكتبون فيما بيننا. فلا يستحق هؤلاء الأشباه نظرة منّا بل يجب أن ينالوا عقابا على ما يكتبون وأن يحظوا باحتقار المجتمع وازدرائه بدلا من share  وشوف فلان كتب إيه في محاولة لتنجيمهم بقصد أو دون قصد.

أين الكتابة الأدبية الإبداعية التي ترتقي بالذوق وتهذب النفس وتعلو بالوجدان وتسمو بالروح وتطلق للخيال العنان وتحرر العقل وتنير القلوب وتلغي الفروق بين الأجناس والألوان وتجمع قراءها على مشاعر وأحاسيس واحدة؟

فمع الأسف أصبحنا وأمسينا في عصر كتَاب (التيك أواي) الذين يقدمون للناس ما يريدون، يدسون لهم السُم في العسل- كما يقولون- يسممون أفكارهم بمقالات واهية كاذبة لاتنفع بقدر ما تضر،  ويحاولون استغلال أقلامهم التي كانت- يُفترض أن تكون أقلام حرة مستنيرة- بغية تقليب الأمور ودحض الحق ونصرة الباطل وعمل حجاب على العقل ومحو حرية الفكر والعودة بالناس إلى عصور الظلامية المستبدة.

لا اتهم الجميع بأنهم كهؤلاء الكتَاب بل هناك من الكتَاب ممن يحاولون بأقلامهم وأوراقهم نشر الإصلاح والتنوير ودفع للناس للتخيل والإبداع.. الإبداع الذي يقضي علي البلادة ويمحو التقاعس الفكري، ولكن كما نعلم أن الحسنة تخص والسيئة تعم والسيئ يبرز بصورة قوية دون الجيد؛ ولذا يطفو هؤلاء المتشبهين بالكتّاب على السطح في حين أن الكتّاب الجيدين صعب العثور عليهم شأنهم شأن الألماس والأحجار النفيسة التي تحتاج للفحص والتنقيب حتي تجدها وتستمتع ببهائها.

كم يعتصرني الألم حينما أجد البعض ينظر للكتابة كمورد رزق.. ويحاول أن يطوعها كي يكسب من ورائها المال غير مبال بما يفعله القلم  بغيره.. غير مكترث إن كان ما يكتبه يُدمي أكثر مما يُشفي.. ويُبكي أكثر مما يرسم ابتسامة.. ويهدم أكثر مما يبني.. ويكون معول تقويض بدلا من أداة تشييد.

ليس عيبا أن تكسب مما تكتب ولكن العيب أن تبيع قلمك لمن يدفع أكثر.. فلا تساير التيار الرائج رغبة في كسب المال وخسارة النفس والذات.. بل اكتب ما تشاء دون أن تجرح من تشاء، ودون أن تسيء للآخرين وتبدد طموحاتهم وتلقي عليهم بالاتهامات الباطلة التي تُحوِل حياتهم جحيما ونارا .

إن الأمر ليس مجرد أقلام وشويه أوراق بقدر ما هو مشاعر وأفكار ومعتقدات وعقائد تحملها الكلمات لتصل بها إلى القراء ومن ثم يحدث أمران إما أن تؤثر عليهم أبلغ التأثير أو أن تمر عليهم مرور الكرام.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل