المحتوى الرئيسى

" تطون ـ إيطاليا "... رحلة الموت أو الثراء - الفيومية

10/06 16:04

الرئيسيه » بين الناس » تحقيقات » ” تطون ـ إيطاليا “… رحلة الموت أو الثراء

كانت سيدات بعض بيوت قرية “تطون” تتشح بالسواد بعد وصول أنباء عن غرق مركب رشيد المحمل ببضع مئات من الشباب والأطفال، كانوا فى طريقهم لهجرة غير شرعية إلى إيطاليا، وكان من بين الضحايا شباب من القرية، فى نفس الوقت كانت سيارتي “ميكروباص” تنقل شبابا آخرين من القرية لمحافظة الأسكندرية، والتى سيبيتون فيها ليلة، وبعدها يقلهم مركبا آخر يمخر بهم وسط عباب الموج للسفر إلى إيطاليا بشكل غير شرعى.

تشتهر قرية “تطون”  التى  تتبع مركز إطسا وتقع جنوب مدينة الفيوم بمسافة 25 كيلومتر، ويقطنها قرابة 50 ألف نسمة، ليس لارتباطها بمهنة معينة أو زراعة نوع معين من الفاكهة أو المحاصيل، بل بسبب سفر أغلب شبابها إلى إيطاليا، حيث يقدرعددهم فيها بما يقرب من12 ألف شخص، يشكلون “جالية” شبه مستقلة عن الجالية المصرية، سافرأغلبهم بطرق غير شرعية، وبلغ عدد من ماتوا غرقا فى البحر من القرية أثناء تلك المخاطرة 300 شاب على مدار الأعوام الماضية، ويؤكد أهالى “تطون” على أن أى مركب يسافر بطرق غير شرعية لابد أن يكون من بين ركابه شباب من القرية.

يقول مصطفى محمد صالح، شيخ البلد، فى نهاية السبعينيات بدأ شباب القرية فى السفر إلى العراق، وبعد الحرب العراقية الإيرانية ،رجع كثيرا منهم، وكان البديل السفر إلى ليبيا، لكن سعرالدينار الليبى لم يكن مرتفعا، وبالتزامن مع وقف التعيينات فى الحكومة، بدأ التفكير فى السفرلإيطاليا، عن طريق ليبيا، وأحيانا عن طريق الأسكندرية، عبرمراكب تذهب إلى مالطة أو ألبانيا ، ومنها يركبون لنشات إلى السواحل الإيطالية ثم يقذفون فى البحر و يسبحون فى المياه حتى يصلوا إلى الشاطئ.

ويكمل شيخ البلد، دبت الغيرة بين شباب القرية فقد شاهدوا تغير جذرى فى حياة كل من سافر، وبدأت الحياة تتغير بالقرية بشكل ملحوظ ومظاهر الثراء تظهرعلى العديد من الأسر التى كانت معدمة، وأصبح الجميع يتحين فرصة السفر بأى طريقة كانت، ووصل الأمر أن البعض باع أرضه ليدبر تكاليف السفر.

ويتابع شيخ البلد، مع بداية 2013 وبالتزامن مع الحرب السورية، زاد معدل السفر الغير شرعى عن طريق ألبانيا واليونان، وتم استغلال هجرة السوريين واللجوء إلى أوروبا،  وبدأ يظهر فى القرية سماسرة سفر الأطفال وهم أشخاص محترفون فى السفر الغير شرعى، ويستهدفون الأطفال تحت سن 18 ، بداية من13 سنة، ويتم الاتفاق مع ولى الأمر على سفر ابنه، ولا يحصل السمسار على أى مبالغ مالية سوى 2000جنيه، والباقى عندما يطمأن ولى الأمر أن ابنه دخل إيطاليا ويتصل به تلفيونيا، عندها فقط يدفع باقى المبلغ المتفق عليه.

وعندما تضبط شرطة السواحل الإيطالية، مراكب الهجرة الغير شرعية، تحتجزها ويتم عرض من عليها من ركاب على لجنة الصليب الأحمر لتوقيع الكشف الطبى عليهم، وترحل من تجاوز عامه الـ 18، ومن دونها تتم رعايته ويحصل على رعاية صحية ودراسية ويتعلم اللغة الإيطالية ويمنح أوراقا رسمية، وبعد سنوات قليلة يدخلون سوق العمل ويرسلون المال لأهلم وبعضهم يرسل دعوات زيارة لهم.

هشام رشاد سعود، 56 عام، يسافر إلى إيطاليا منذ عام 1990، يقول، استقلت من عملى كضابط فى القوات المسلحة، وأول رحلة إلى إيطاليا كانت عن طريق سفرى إلى اليمن والحصول على تأشيره السفر إلى إيطاليا، وبالفعل سافرت لمدة 5 سنوات ولم احصل على الإقامة، عدت لمصر وقمت ببناء منزل وتزوجت، ثم راودنى حلم السفر مرة أخرى، هذه المرة كانت الرحلة عن طريق ألبانيا، سافرت إليها بالطيران ومنها استقليت لانش لمدة ساعتين فى البحر، ونزلت قبل الشاطئ بمسافة سباحة داخل المياه لمدة نصف ساعة ، انتشلتنا السلطات الإيطالية، واحضروا لنا ملابس وطعام وتركونا نذهب إلى ذوينا هناك.

يكمل هشام، طلب ابنى وهو فى الصف الثالث الإعدادى أن يسافرإلى إيطاليا، ، وبالفعل سافر عن طريق ليبيا، وهوهناك منذ 14 سنة ” ولو كان مات فى ستين داهيه نسفر غيره”.

ويقول أمين محمد، حاصل على دبلوم معلمين أزهرى، فى العقد الخامس، أسافر منذ عام 1988وحتى الآن، حصلت على تأشيرة دخول إيطاليا عن طريق اليمن، والآن لدى إقامة.

ويعتقد محمد، أن العمل فى دول الخليج يشبه “أعمال السخرة”، لذلك يفضل العمل فى إيطاليا مقابل يورو واحد ويرفض العمل فى السعودية مقابل ألف ريال.

مردفا ” عادى لما نموت ونجازف بحياتنا فى سبيل حياة إنسانية كريمة” السفر يغرى الشباب، فيسعى بأى طريقة حتى لو فيها مخاطرة على حياته، رغبة فى الثراء، لكن ليس كل من حاول السفر نجح ، فقد مات من شباب القرية العديد، وـ بالطبع ـ ليس آخرهم الـ 13الذين كانوا بين ضحايا مركب رشيد، ومع ذلك لا يستطيع الأهل الوقوف فى وجه الشباب وإقدامه على المخاطرة مدفوعا بحلم الثراء.

أما جمال موسى أحمد، 55 عام، موظف بالشباب والرياضة، فيقول أسافر منذ 25سنة إلى إيطاليا، ولدى ثلاثة أبناء هناك ، كانت تجربة السفر الأولى شاقة وخطرة، حيث سافرت عن طريق المجر، ومشيت4 أيام سيرا على الأقدام وسط الغابات والثلوج كانت بداية العام الجديد وتحديدا ليلة الكريسماس، وتم القبض علينا وكنا فى حالة إعياء كامل ونشرف على الموت.

يكمل جمال روايته، دخلت إيطاليا وكان أول عام هو الأصعب ، حيث لم أجد عمل، واستدنت من الجميع وحاصرتنى الديون، فكرت فى العودة إلى مصر، لكنى تراجعت ثم وجدت عمل، وبدأت الأمور تتحسن، وبقيت خمس سنوات.

أرسلت دعوات لأولادى للسفر، عندما سافرت قلت ” أعيش أو أموت مش هتفرق” وإلى الآن هذه مقولة كل شباب القرية ” إحنا جيل بيسلم جيل ” .

محمود سعد إسماعيل، 50 عام، بائع خضروات، لم يسافر لكن ابنه دفع عمره ثمنا لحلم السفر والثراء، وهوفى منتصف عقده الثالث. يقول ما دفع ابنى للسفر هو رؤية العديد من أبناء القرية وقد تحسنت حالتهم المادية، ” كان نفسه يبقى زى أصحابه، كان نفسه يبنى بيت ويتزوج ويساعدنى بس مات، ولم أوافق على سفر أحد من أخوته الأخرين خلاص “أنا اتكويت بالنار”.

ويروى مصطفى محمد سعد، 33 عام، تجربته، فيقول منذ 4 سنوات، دفعت لأحد سماسرة رشيد، 25 ألف جنيه، يوم السفر مكثنا فى الأسكندرية وفى الثانية فجرا، وعلى شاطئ الماكس أتت لنشات صغيرة، نقلتنا إلى مركب كبير فى عرض البحر، كنا حوالى150 شخص من محافظات مختلفة، قيل لنا أن الرحلة ستكون 7 أيام ، لكنها استمرت 12 يوم، كان الموج يغطى المركب، والأكل قليل جدا معلقة أرز، ورغيف خبز، وزجاجة مياه  فى اليوم.

ويتابع سعد، تستغرق الرحلة  إلى شواطئ اليونان أو جزيرة مالطا حوالي 36 ساعة في حال استقرار الأحوال الجوية وقد تزيد إذا كان الأمر عكس ذلك، وقد تغرق المركب بمن فيها ، ومن ينجح فى الوصول إلى الشواطئ الإيطالية بعد أن تلقيهم المراكب قبل الشاطئ ، يواجه خطر القبض عليه، أصيب الكثيرمنا بالإعياء، وتشاجرنا مع طاقم المركب، كانت الرحلة أشبه بكابوس وانتظار للموت فى أى لحظة.

يكمل، وصلنا لشمال إيطاليا وهناك قبضت علينا الشرطة ، استلمتنا لجنة الصليب الأحمر، وقدمت لنا العلاج والطعام، ثم احتجزنا فى قسم الشرطة 6 أيام، وبعدها تم ترحيلنا إلى مصر، ولن أكرر التجربة مرة أخرى لما رأيته وعشته من رعب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل