المحتوى الرئيسى

محمد حسين خالد يكتب: نصر أكتوبر.. خطيئة السادات!

10/05 10:33

“هناك أسرار رهيبة لو عرفها الشعب، سيعيد كتابة تاريخ مصر وكتابة تاريخ حرب أكتوبر

في الصغر كنت أنتظر ذلك اليوم كل عام بشغف كبير، حيث كان يُشّكل بالنسبة لي أمريين، الأول أنه إجازة رسمية من المدرسة وهو أمرٌ -لو تعلمون- عظيم، والثاني أنه كان اليوم الذي يعرض فيه التليفزيون المصري أفلام حرب أكتوبر المجيدة، كـ “العمر لحظة” و”الرصاصة لا تزال في جيبي” و”أبناء الصمت” و”الطريق إلى إيلات” و”حتى آخر العمر” و”الوفاء العظيم” و”أغنية على الممر”، وكل تلك الأفلام التي حُفرت في ذاكرتي منذ أن كنت طفلا.

هذه الحرب كانت حتى أعوام قليلة مضت –بالنسبة لي– هي انتصار ساحق هزمنا فيه إسرائيل شر هزيمة، وأعدنا به سيناء، ثم بعد ذلك ذهب “السادات” -كقائد منتصر- إلى إسرائيل ليعقد معهم سلاما، ينهي به حالة الحرب التي دامت لسنوات طويلة، ليضمن بذلك سلاما دائما للأجيال القادمة.

كان الأمر هكذا -بالنسبة لي- حتى سنوات قليلة مضت، إلى أن شاهدت حلقتين من برنامج “سري للغاية” بعنوان (اليوم السابع) تقديم الإعلامي “يسري فودة”، تفتحت عيوني على حقيقة أخرى مغايرة لتلك التي ترسخت لدي منذ أن كنت طفلا، بدأت بعد مشاهدة هذه الحلقات سلسلة طويلة من البحث والقراءة ومشاهدة الأفلام الوثائقية العربية وغير العربية عن تلك الحرب، وما سبقها من تحضيرات وما جرى خلالها من أحداث ومعارك وما أتى بعدها من مفاوضات، كانت هناك مفاجآت تتوالى في كل مرة تتبعت فيها المعلومات عن هذه الحرب ومعاركها، السياسية والعسكرية.

في العام قبل الماضي وفي ذكرى الحرب الواحدة والأربعون، نشر المتحدث بإسم جيش الدفاع الإسرائيلي “آفيخاي أدرعي” على صفحته الرسمية على فيس بوك، منشورًا بمناسبة حرب “يوم الغفران” كما يسمونها، يتحدث فيه عن الانتصار العظيم العسكري والسياسي الذي حققته إسرائيل على أعدائها العرب في تلك الحرب، وكيف أنها لم تخرج منها منهزمة كما يدعي العرب!

أذكر هنا جزءا مهمًا مما قاله: (فشلت القوات العربية أمام جيش الدفاع ولم تنجح في إخضاعه. انتهت الحرب بوقف تقدم المصريين في منطقة القناة، بغزو إسرائيلي للأراضي المصرية – وبتطويق الجيش الثالث المصري. أجبر جيش الدفاع الإسرائيلي المصريين على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار)

هذه ليست قناعات أفيخاي وخيالاته ولا هو كذب، ولا هو تزوير للتاريخ.. إنها الحقيقة، فهذا ما حدث فعلًا.

بالطبع قد يسخر مني من يقرأ تلك السطور كما سخر المصريون والعرب من منشور “أفيخاي”، لكن تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، والأدلة التي تثبت ذلك كثيرة ومتوفرة، وسيجدها بسهولة من يبحث عنها بجدية.

بينما كان “السادات” يلقي خطابه الشهير في مجلس الشعب صباح يوم السادس عشر من أكتوبر 1973، كانت قوات “شارون” قد عبرت من ثغرة “الدفرسوار” في الليلة السابقة ليلة 15/16 أكتوبر، وقد استمر عبور القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة حتى لحظة إلقائه الخطاب، في نفس اليوم خرجت “جولدا مائير” تلقي خطبة بعد ظهر هذا اليوم في الكنيست سخرت فيها من السادات وأعلنت فيها لأعضاء الكنيست وللإسرائيليين وللعالم أجمع أن لديها قوات عبرت غرب قناة السويس وأنها في طريقها إلى القاهرة.

وبالفعل كانت قد عبرت قوات إسرائيلية إلى غرب القناة، فحسب ما جاء في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي في الفصل الثالث والثلاثون الخاص بثغرة الدفرسوار، (كانت قد عبرت قوات للعدو في ليلة 15/16 تقدر بـ لواء مشاة وكتيبة دبابات قوامها 30 دبابة.

كان على الضفة الغربية للقناة الفرقة 21 مدرعة التي تحمي ظهر الجيش الثاني والفرقة 4 مدرعة التي تحمي ظهر الجيش الثالث، وقوامهما 330 دبابة وبإمكانهما سحق أي اختراق يحاول أن يقوم به العدو، لكن السادات قبل يومين كان قدر أمر بدفعهما فجر يوم 14 ضمن القوات التي اشتركت فيما عرف بتطوير الهجوم نحو المضائق، وهي خطيئة السادات الأولى في الحرب)

في شهادته عن عبور الفرقة 21 قال اللواء “إبراهيم العرابي” -قائد الفرقة 21 مدرعة- للواء “جمال حمّاد” –صاحب كتاب المعارك الحربية على الجبهة المصرية- (كان غريبا أن القوات الإسرائيلية لم تهاجمنا في أثناء عبور الفرقة من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية للقناة، لم تهاجم دبابة واحدة، ولقد توقعت على الأقل أن تهاجمنا القوات الجوية، لقد تركونا ببساطة نعبر القناة من دون أي مقاومة تذكر)

أما بالنسبة للفرقتين، فلقد كشفت طائرة استطلاع أمريكية من طراز SR-71-A عبرت في نهار يوم 15 أكتوبر فوق الجبهة والضفة الغربية للقناة، خلو الضفة الغربية منهما ومن أي قوات تذكر يمكن أن تتصدى للعدو في حال ما إذا قرر العبور من الثغرة، وبالفعل عبرت القوات الإسرائيلية من الثغرة في نفس الليلة ولم تضع وقتًا.

عندما طلب الفريق الشاذلي من الرئيس السادات سحب الفرقتين من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية مجددا، رفض السادات رفضًا قاطعا، أي أنه وبإرادته ترك قوات شارون تعبث بالضفة الغربية للقناة وتدمير بطاريات الدفاع الجوي وصواريخ سام، وهي خطيئة للسادات تسببت في تغير مسار الحرب تماما وأرغمته بعد ذلك على الاستسلام والموافقة على وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من أكتوبر 1973.

بل إنه وفي ليلة 17/18 نجح العدو في بناء أول كوبري له في منطقة الدفرسوار، وبحلول فجر يوم 18 أكتوبر كان للعدو فرقتان مدرعتان، واحدة بقيادة شارون وتتكون من لواء مدرع ولواء مشاة والثانية بقيادة الجنرال برن وتتكون من لواءين مدرعين، وبحلول ظهر هذا اليوم انضم لواء مشاة لفرقة برن.

وعندما طلب الفريق الشاذلي من السادات سحب قوات من شرق القناة لغربها، رفض السادات وثار عليه، بل وهدده بأنه سوف يقدمه للمحاكمة العسكرية!

ونعود إلى قصة تطوير الهجوم نحو المضائق.

في يوم 12 أكتوبر قرر السادات تطوير الهجوم نحو المضائق بلا أسباب حقيقية ومقنعة، معللا ذلك بأنه يريد تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وقبل ذلك بأربع وعشرين ساعة كانت قد حدثت مناقشتان بخصوص هذا الموضوع بين وزير الحربية أحمد إسماعيل والفريق الشاذلي، وفي المرة الثالثة قال له إن الرئيس السادات قد أصدر أمرًا بتطوير الهجوم، وذلك لاعتبارات سياسية، ويجب أن يبدأ ذلك في صباح الغد، أي فجر يوم الـ 13 من أكتوبر، وبعد مناقشات مع قادة الجيشين الثاني والثالث، أضطرا للموافقة، لكنهما طلبا التأجيل حتى فجر يوم الرابع عشر من أكتوبر.

(لم تبد فكرة التطوير من أجل تخفيف الضغط على الجبهة السورية مقنعة للشاذلي، وذلك لأن الرئيس العراقي “صدام حسين” والملك الأردني كانا قد قررا خوض الحرب والدفع بقوات على الجبهة السورية للدفاع عنها ومساندتها، ولم تكن القوات الأردنية والعراقية هي أول من وصل إلى أرض القتال، إذ أنه قبل الحرب بخمسة شهور كان الملك “حسن الثاني” ملك المغرب قد أرسل لواء كاملا عرف بإسم لواء (التجريدة المغربية). وقد شارك جنود المغرب ببسالة وشجاعة في الحرب ضد العدو الصهيوني وأستشهد منهم العشرات، ولقد سمي باسمهم ميدان التجريدة المغربية في دمشق العاصمة تخليدًا لذكراهم، وبالفعل عندما بدأت القوات المصرية في تطوير الهجوم، كانت الجبهة السورية قد استقرت بمساعدة القوات العراقية والأردنية والمغربية، لذا لم يكن من الضروري تطوير الهجوم)

أما عن فكرة التطوير نفسها، فيمكن تلخيصها في تقديم القوات البرية المصرية على طبق من ذهب للقوات البرية والجوية الإسرائيلية، إذ أنه بتطوير الهجوم، تخرج القوات التي ستقوم بالتطوير من مظلة الدفاع الجوي، والتي يصل مداها إلى عمق 15 كيلو متر فقط شرق القناة، أما المضائق التي يجب على القوات المصرية أن تصل إليها، فهي على بعد من 40 إلى 50 كيلومتر شرق القناة، أي أنه على القوات المصرية أن تسير قرابة الـ 35 كيلو متر تحت رحمة العدو، إذ أنه لا يوجد لدى القوات المصرية أنظمة دفاع جوي متحركة تستطيع التحرك مع القوات وحمايتها، وكذلك فإن القوات الجوية المصرية لن تستطيع الدفاع عن القوات البرية في أثناء عملية التطوير، ذلك لأن القوات الجوية الإسرائيلية تفوقها عشرات المرات.

دارت معارك شرسة، تعد من أشرس معارك الدبابات في التاريخ الحديث، ومع حلول منتصف اليوم كانت القوات المصرية قد فقدت أكثر من 250 دبابة، مما أضطر القوات المصرية إلى التقهقر والانسحاب إلى رؤوس الكباري، لذا فالسادات كان كمن ألقى بغزالة بعد تكتيفها إلى أسد في قفص مغلق عليهما وحدهما، وتلك هي خطيئة السادات الأولى في الحرب، والثانية كما سبق أن ذكرت هي أنه رفض سحب قوات للدفاع عن الثغرة.

أذكر أيضًا قبل نهاية كلامي أن القوات الإسرائيلية التي عبرت القناة من الثغرة قد عبرت ومعها أنظمة دفاع جوي تؤمن الحماية للقوات الجوية الإسرائيلية، وعندما دخلت القوات الجوية الإسرائيلية إلى غرب القناة، خرجت إليها القوات الجوية المصرية للتصدى لها، وعندما وصلت أرض المعركة، هاجمتها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بشراسة، فوقعت القوات الجوية المصرية بين فكي الأسد –القوات الجوية الإسرائيلية وأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية- ومن دون رحمة.

جدير بالذكر أن الطيارين المصريين ألتبس عليهم الأمر، وظنوا أن أنظمة الدفاع الجوي المصري تهاجمهم بالخطأ!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل