المحتوى الرئيسى

الجارديان تُعيد فتح الملف.. من قتل جوليو ريجيني؟

10/04 17:36

"عندما وصل 6 من كبار المحققين الإيطاليين إلى القاهرة في أوائل فبراير، بعد العثور على جثة الشاب جوليو ريجيني الذي تعرض للضرب والتعذيب الوحشي، واجهوا صعوبات كبيرة لحل لغز اختفائه وموته. إذ أبلغ المسؤولون المصريون الصحفيين أن الطالب ربما تعرض لحادث سيارة، ولكن علامات واضحة للتعذيب على جسده قد دقت جرس الإنذار في روما".. كانت هذه مقدمة تحقيق نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، أعده الصحفي الأمريكي أليكساندر ستيل، بعنوان "من قتل جوليو ريجيني؟".

ستيل ذكر أن السلطات المصرية أكدت استعدادها للتعاون الكامل مع الإيطاليين، ولكن كُشف سريعا أن هذا الحديث هو مجرد "وعدا أجوف". ثم سُمح للإيطاليين باستجواب الشهود ولكن فقط لبضع دقائق، بعد قيام الشرطة المصرية باستجوابهم لمدة أطول بكثير وفي حضور عناصرها.

الصحفي أشار إلى أن فريق التحقيق الإيطالي طلب لقطات فيديو من محطة المترو، حيث استخدم الشاب هاتفه المحمول للمرة الأخيرة، ولكن الشرطة المصرية لم تستجب للطلب الأمر الذي أدى إلى حذف هذه اللقطات. كما رفضوا أيضًا الكشف عن سجلات الهاتف المحمول من محيط منزل الشاب، حيث اختفى يوم 25 يناير، وكذلك الموقع الذي عثر على جثته فيه بعد 9 أيام.

التهرب من جريمة قتل في عصر «الديجيتال»

ستيل أشار إلى أن أحد كبار المحققين المصريين المسؤولين عن قضية ريجيني وهو، اللواء خالد شلبي، الذي قال للصحافة إنه لا توجد علامات على أن الحادث مدبر، هو شخصية مثيرة للجدل، موضحًا أنه كان قد أُدين في قضية اختطاف وتعذيب منذ أكثر من 10 سنوات، وصدر بحقه حكمًا بالسجن مع وقف التنفيذ.

وعلق الصحفي بالقول "المصريون كانوا يأملون في أن العالم الخارجي، مع عدم وجود معلومات مستقلة، لن يكون أمامه خيار سوى قبول التفسيرات غير المرضية لموت الشاب الإيطالي. ولكن في العصر الرقمي، أصبح من الصعب جدًا التهرب من جريمة قتل".

مكافأة غير متوقعة للشرطة الإيطالية

بعد نحو 10 أيام من العثور على جثة ريجيني، سافر المدعي العام الإيطالي سيرجيو كولاجيو واثنين من ضباط الشرطة إلى مسقط رأس الشاب في بلدة فيوميتشيلو، في شمال شرق إيطاليا، لحضور جنازته. على اعتبار أنها ستكون فرصة نادرة لاستجواب العديد من الشهود الرئيسيين في القضية، وهم مجتمعين في مكان واحد.

وكانت العائلة قد طلبت من الحضور عدم إدخال الكاميرات، أو القيام بأي مظاهر احتجاج. لكن حضر أكثر من 3 آلاف من المشيعين. وتحولت الجنازة التي أقيمت في بلدة تضم نحو 5 آلاف شخص إلى ما هو أشبه بـ"أمم متحدة مصغرة" تحية لحياة ريجيني القصيرة.

فكان هناك أصدقاء من الولايات المتحدة، حيث كان قد يدرس خلال المدرسة الثانوية. ومن أمريكا اللاتينية، وهي المنطقة التي كان يعلمها جيدا. ومن المملكة المتحدة، حيث تلقى الدراسة الجامعية والدراسات العليا. ومن ألمانيا والنمسا، حيث كان يعمل. ومن مصر، حيث كان يعيش منذ نوفمبر عام 2015، لدراسة الحركة النقابية.

الصحفي الأمريكي ذكر أن الأمر لم يقتصر على استجواب الشهود، ولكن الشرطة الإيطالية تلقت مكافأة غير متوقعة، إذ عرض أصدقاء وأقارب ريجيني تسليم هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم للشرطة في حال كانت مفيدة في عملية كشف ملابسات مقتل الشاب الإيطالي.

كما قدمت عائلته الكومبيوتر الخاص به للشرطة، وكذلك رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية التي تم جمعها من أصدقائه، الأمر الذي سمح للنيابة العامة بالتغلب على الثقوب الموجودة في الأدلة التي قدمتها الحكومة المصرية وإعادة بناء عالم ريجيني بشكل كامل.

كما حصلت النيابة العامة الإيطالية على أدلة هامة أخرى: وهي جثة الشاب، والتي أظهرت بعد تشريح دقيق للغاية في إيطاليا، تفاصل الأيام الـ9 الأخيرة من حياته، من وقت اختفائه إلى الوقت العثور عليها بجانب الطريق من القاهرة إلى الإسكندرية.

وعلى الرغم من أن هذه الأدلة لن تكون كافية لمساعدة المحققين الايطاليين في تحديد القتلة بالاسم، فإنها على الأقل تسمح لهم بدحض سلسلة من الأكاذيب للحكومة المصرية عن مقتل الشاب، ومواصلة الضغط على مصر للحصول على معلومات حقيقية حول مقتله، على حد قول محرر الجارديان.

وأشار إلى أن الادعاء الإيطالي حقق مؤخرا انتصارًا مهمًا وهو موافقة الحكومة المصرية على تسليم سجلات الهاتف المحمول للمنطقة التي شوهد ريجيني فيها آخر مرة وكذلك مكان العثور على جثته.

ولعل الأهم من ذلك، خلال زيارته إلى روما في أوائل سبتمبر، اعترف ممثلو الادعاء المصري للمرة الأولى بأن ريجيني كان تحت مراقبة الشرطة قبل اختفائه.

وتواصل الحكومة المصرية إنكارها أي تورط في مقتل الشاب الإيطالي. وعلى مدى الأشهر الـ8 الماضية، استبعد المحققون الإيطاليون الخيوط والأدلة الزائفة، لبناء صورة لما حدث لريجيني أوضح من تلك التي ظهرت في البداية.

مفتاح الحسم هو يوم الاختفاء

ستيل أكد أن اختفاء ريجيني في 25 يناير، في ذكرى الثورة، لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة، كما أنه يعتبرها مفتاح الحسم في معرفة ملابسات اختفائه ومقتله. وأشار إلى أن "ذكرى هذا اليوم تمثل أهمية كبرى بالنسبة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث كان يمثل تنازلا مؤلما، وهي اللحظة التي بدت فيها سلطة الجيش، التي لا يمكن تعويضها، تبدأ في الانزلاق من بين يديه. ونتيجة لذلك، اضطر الجيش لقبول محاكمة مبارك وانتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي، مما يشكل تهديدا خطيرا لمكانته في الحياة المصرية. ولذلك فإنه لا يمكن أبدا أن يسمح لشيء من هذا القبيل أن يحدث مرة أخرى" حسب ما جاء في التقرير.

وبحسب الكاتب الأمريكي فإن كل ذكرى للثورة كانت تشهد سفكًا للدماء. ففي عام 2014، قتل أكثر من 60 من المحتجين في جميع أنحاء البلاد في ذلك الوقت. وبعد ذلك بعام، قتل 25 شخصا، بينهم شابة حاولت وضع إكليلا من الزهور في الميدان، في إشارة إلى الناشطة شيماء الصباغ.

وتابع: "في الأيام التي سبقت اختفاءه، أظهرت سجلات الكمبيوتر أن ريجيني كان يقضي أغلب الوقت داخل شقته. فربما كان يعلم أن السلطات المصرية كانت في أقصى درجات الاستعداد تحسبا لذكرى الثورة. ولكنه خرج يوم اختفائه لحضور حفل عيد ميلاد".

ومن غير الواضح، بحسب الكاتب، ما إذا كان اعتقال ريجين كان مقررا أم أنه ضمن حملة عشوائية.

ماري دوبك، وهي باحثة فرنسية تدرس في جامعة توبنجن في ألمانيا، قالت "ليس هناك شك في أنه قد تم رصده. الأبحاث وحتى التاريخية التي تبدو غير مؤذية لأي أجنبي، لا تزال حساسة للغاية في مصر"، موضحة أنها درست النقابات العمالية المصرية.

وذكرت الباحثة للصحفي أنها كانت تحت المراقبة بين 2008 و2010، عندما كانت في القاهرة، مضيفة "كنت أتلقى مكالمات هاتفية غريبة من وزارة التربية والتعليم العالي، تسأل عن بحثي". وفي وقت لاحق، عندما زارت مصر للقيام تم احتجازها في المطار ومنعت من دخول البلاد.

دقة التشريح الإيطالي أجبرت المصريين على التراجع

وأشار الصحفي إلى أنه خبراء الطب الشرعي المصري الذين فحصوا جثة الشاب في البداية ذكروا أنها حملت علامات متعددة من التعذيب، كما أنه عانى من "الموت البطيء".

ولكن هذا الحديث قد تم التراجع عنه بسرعة. فقال نائب رئيس التحقيقات الجنائية في الجيزة أن التحقيقات الأولية أظهرت أنه مات في حادثة سير.

وفي الوقت نفسه، أثارت القضية ضجة واسعة في إيطاليا. ففي الأيام التالية، مع تصاعد الضغوط، بدأ مسؤولون مصريون الحديث عن ادعاءات مختلفة في الصحف المحلية، منها أنه كان مثلي الجنس وأنه راح ضحية مشاجرة، وأنه كان متورطا في صفقة مخدرات، أو أنه جاسوس أجنبي. ولكن كل هذا الادعاءات قد انهارت.

وجاءت عملية التشريح الثانية في إيطاليا والتي أظهرت أنه تعرض لتعذيب وحشي أكثر من مرة وعلى مدار عدة أيام. وانقسم الأمر إلى 3 مراحل: تعذيب أولي، ثم جلسة تعذيب ثانية، ثم لحظة الموت.

وقد استخدم الأطباء في الطب الشرعي في جامعة روما تقنية دقيقة للغاية لتحديد وقت الوفاة، والذي يقيس مستويات البوتاسيوم في السائل الزجاجي للعين. وتوصل إلى أنه قد مات بين الساعة العاشرة مساء يوم 1 فبراير والعاشرة مساء يوم 2 فبراير.

وقال أحد المحققين الإيطاليين إن هذا أمر مهم لأنه يعني أنه كان على قيد الحياة لمدة 6 أو 7 أيام وتعرض للتعذيب مرارا خلال تلك الفترة. وكان سبب الوفاة كسر في الرقبة.

وأضاف ستيل "قوة أدلة التشريح أجبرت السلطات المصرية على التخلي عن نظريات غير قابلة للتصديق عن الموت العرضي والبدء في حملة هجومية جديدة"، مشيرا إلى لقاء السيسي مع رئيس تحرير صحيفة "لا ريبوبليكا"، والتي تحدث فيها عن أن موت ريجيني جزء من مؤامرة مدروسة.

كما تحدث الصحفي عن المهندس المصري، الذي زعم أنه شاهد ريجيني قبل يوم من اختفائه وهو يتشاجر مع أجنبي آخر بالقرب من القنصلية الإيطالية. وأن مقتله هو محاولة لتخريب العلاقات التجارية بين مصر وإيطاليا. وتم إثبات كذب هذه الرواية عندما أكد المدعي العام الإيطالي أن ريجيني لم يغادر بيته يوم 24 يناير.

وتابع الصحفي "ثم فجأة، يوم 24 مارس، أعلنت وزارة الداخلية المصرية الحل النهائي لهذه القضية. وهو أن الجناة هم عصابة من 4 رجال متخصصين في انتحال صفة رجال الشرطة، يقومون باختطاف الأجانب وسرقة أموالهم. وأنها قتلتهم جميعا".

وأضاف: "لكن سجلات هاتف زعيم العصابة أكدت أنه كان على بعد 100 كيلو متر من القاهرة يوم اختفاء ريجيني. وأصر أقارب الرجال الـ4 أنهم قتلوا بدم بارد من مسافة قريبة، وليس في تبادل لإطلاق النار".

"السيناريو الذي طرحته الحكومة طرح أسئلة عدة منها: لماذا احتفظ اللصوص ببطاقة الهوية؟ ولماذا يعذبون الضحية لمدة أسبوع دون طلب أي فدية أو استخدام بطاقته الائتمانية؟".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل