المحتوى الرئيسى

عماد بهجت يكتب: عن أحمد سبع الليل وحسين ابن الحاج وهدان

10/04 14:20

منذ عدة أيام طالعنا في الصحف قصة اغتيال الناشط الأردني ناهض حتر وهو في طريقه لقاعة المحكمة ليخضع للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان، والسبب –في المحاكمة وفي الاغتيال على حد سواء- هو كاريكاتير هزلي نقله حتر يسخر من تصور فئة معينة عن الإله.

ومنذ عدد أقل من الأيام، طالعنا في مواقع التواصل الاجتماعي قصة الشاب مهند إيهاب، الذي سُجن على ذمة قضية سياسية هزيلة، وأصيب بالسرطان في محبسه فمُنع من تلقي العلاج، حتى تأخرت حالته بما لم يسمح بإنقاذه حتى بعدما أُفرج عنه، وأرسله أهله للعلاج بالولايات المتحدة الأمريكية فوافته المنية على إثر مرضه.

وفي كلتا الحالتين، سارع البعض إلى التنقيب في تاريخ الشخصين، ليعثروا على دلائل تأييد الأول لنظام بشار الأسد القمعي الدموي وتشجيعه إياه على سحق كل معارضة، وعلى شواهد تأييد الثاني لتنظيم داعش الإجرامي، بل وعلى تأييده بالذات لوقائع قتل داعش لمخالفيهم في العقيدة.

وعلى إثر هذه المعلومات عن خلفية كل منهما، ازداد انقسام الآراء –التي كانت منقسمة بالفعل- حول حتر، وانقسمت الآراء حول مهند بين متعاطف وبين لاعن يرى أن حتر/مهند نالا جزاء وفاقا ولا يستحقان أي تعاطف.

الواقع أنه اختبار أخلاقي صعب للغاية، ومجرد تخيل أن ميولك وانحيازاتك في الحياة ترشحك لأن تكون في موضع الضحايا الذين كان الراحلان يتشفيان في مقتلهم، لهو كفيل بنزع أي تعاطف من قلبك تجاههما، ولتشييعهما إلى قبريهما باللعنات وأمنيات سوء المآل.

لكن الاختبارات الأخلاقية لا تأتي سهلة أبدا، ولاجتيازها بنجاح لا مفر من أن يعزل الإنسان نفسه عن الواقعة التي هو بحيالها بالذات، وينظر إلى المبدأ الأشمل والأعم الذي ينطبق على هذه الواقعة.

هل قُتل حتر لأنه حرض على القتل تحريضا يجعل منه متواطئا مع الأسد وعصاباته؟

لا، بل قُتل لأنه شارك منشورا (لم يكن هو كاتبه أو راسمه حتى) يطعن في صورة الإله عند فئات من البشر.

هل مات مُهند لأنه شارك –بالفعل أو بالرأي- داعش في ذبح ضحاياهم؟

لا، بل مات لأنه لم يتلقَّ علاجا لمرضه الخبيث في محبسه.

هل عقوبة الكلام –الذي لم يُترجم لفعل- هي الموت أو الإهمال المؤدي للموت؟

حسنا، دعنا نفترض أن إجابة سؤالي الثالث هذا ليست بديهية، ولنبحث عنها بروية.. ما الذي يفرقنا عن أتباع حاكم مجرم متعطش للدماء أو مؤيدي جماعة من المخابيل اتخذوا من خراب الأرض سلما ليعتلوا به عرش السماء؟

إجابة سؤالي هذا تتلخص في كلمة واحدة: الإنسان.. كل ما نادينا به، وقاتلنا من أجله، ونتجرع مرارة غيابه هو القيمة الذاتية للإنسان، التي عبر عنها الفلاسفة والمفكرون في ما يسمى بنظريات الحق الطبيعي.

خصومنا يسقطون قيمة الإنسان أمام الرمز (وليكن هذا الرمز وطنا أو دينا أو عرقا)، فيرون بعض الحقوق لمن يتماهى تماهيا تاما مع ذلك الرمز (مع اختلاف رؤاهم حول ماهية الرمز وكيفية التماهي معه)، ولا يرون أي قيمة أو أي حق للمخالف بما أن مصدر القيمة هو الرمز لا الإنسان، بينما نحن نرى الإنسان كما يجب أن يكون، مصونا في نفسه، مصونا في جسده، مصونا في كرامته، ومصونا في حريته.

الإنسان لا يفقد إنسانيته ولا الحقوق التي تكفلها إنسانيته إذا أخطأ أو ضل أو خالف السائد، فإذا اضطررنا اضطرارا لحجب أحد حقوقه عنه، كحبس حريته إن اقترف جرما أو تقيد ذمته المالية إن أثبت سفها وتضييعا للحقوق، فهذا لا يُنقص من باقي حقوقه قيد أنملة. فمن حق المجرم العلاج، ومن حق الكافر الرأي، ومن حق المفلس الزواج، ومن حق الجميع الحياة طالما لم يعتدوا على الحياة.

وليس كلامي هذا من قبيل المثالية أو الرومانسية، بل إن انتصارنا في هذه المعركة لهو الطريق الوحيد لضمانة عدم الجور على حقوقنا نحن، فالتاريخ والتجربة أثبتا أن مجرد سماحك بوجود فئة من ساقطي الإنسانية منزوعي الحقوق دائما ما ينتهي برميك بالانتماء لهذه الفئة بشكل أو بآخر وإهدار حقوقك، كما وجدنا أصدقاءنا ورفاقنا من العلمانيين يُرمون بالانضمام للجماعة المحظورة، وكما صاغ الأمريكان حُمر الأعناق مصطلح “محبي الزنوج” ليُضطهد على إثره البيض المدافعون عن حقوق ذوي البشرة السمراء كما يُضطهد أصحاب البشرة السمراء، وكما طال الاتهام بالشيوعية الحابل والنابل إبان الحقبة المكارثية الأمريكية، وكما ذبحت مقصلة الثورة الفرنسية مؤيدي الثورة –بل ومنظريها- بتهمة محاولة تخريبها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل