المحتوى الرئيسى

سوريا.. آلهة الحرب تستعد لهدم المعبد!

10/04 13:05

عقب إيقاف واشنطن "تفاهمات جنيف" حول سوريا وتعليق موسكو اتفاقية معالجة البلوتونيوم مع الأولى، نشأت حالة من السخونة غير محمودة العواقب.

لقد تبادل الطرفان الروسي والأمريكي الاتهامات حتى من قبل انهيار "الهدنة الهشة"، مع العلم بأن موسكو وواشنطن كانتا تعلمان جيدا أن الكثير من الأطراف الإقليمية، وأطراف الصراع في الداخل السوري، لا يحبذ تلك "التفاهمات". وفي نهاية المطاف اختار العسكريون الأمريكيون طريق التصعيد، وذهب الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الإيعاز ببحث كل الاحتمالات بشأن الأزمة السورية، وهو ما استدعى ردا روسيا مقتضبا ومباشرا بأن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر في سوريا سوف تكون له عواقب وخيمة ليس فقط في سوريا، وإنما أيضا على المنطقة برمتها.

الرد الروسي لم يأت من فراغ، لأنه استبق إعلان واشنطن تعليقها التفاهمات الروسية – الأمريكية، وربما يكون قد تزامن مع كل المؤشرات التي أكدت أن واشنطن قررت تعليق العمل بما اتفقت عليه مع موسكو. وأصبح الوضع الآن في غاية الهشاشة.

هناك تساؤلات تتردد بطرق مختلفة على ألسنة معارضين وموالين ومراقبين وخبراء، وعلى ألسنة ملايين السوريين الذين تم تهجيرهم أو إجبارهم على النزوح واللجوء: "متى تنتهي الحرب وتبدأ مفاوضات السلام أو المفاوضات السياسية؟ وكم سوري يجب أن يموت ويتشرد لكي يتم التوصل إلى هذه الخطوة؟ وما هو مصير "الأسد"، ومصير التنظيمات الدينية والجماعات الإرهابية، حيث أن كل هذه الأطراف مجتمعة تحارب بعضهما البعض نيابة عن قوى إقليمية، وبالوكالة عن قوى كبرى؟"

هناك أيضا مقاربة خطيرة تظهر حجم المخاوف القائمة في الوقت الراهن من إمكانية وقوع مواجهات عسكرية "نصف مباشرة" بين قوات التحالف بقيادة واشنطن وبين القوات الروسية المتواجدة في سوريا. هذه المقاربة الخطيرة، جاءت على لسان مدير مركز كارنيغي في موسكو دميتري ترينين، حيث أعرب عن اعتقاده بأن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد تتفاقم أكثر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وقال إنه "يمكننا أن ننسى التعاون، فالاتهامات والتهديدات الأخيرة شطبت مسألة التعاون. ومع ذلك، يمكن أن توصلنا هذه التهديدات إلى مستوى الصفر وحتى دونه". غير أنه ذهب إلى منطقة أبعد بكثير، حيث أشار إلى أنه "بعد انهيار التعاون بين موسكو وواشنطن في سوريا، لا يُستبعد تبادل الضربات بين الجانبين على مواقع القوى التي يعدُّها كل طرف حليفة للطرف الآخر". وهو ما وصفه مراقبون بالحرب نصف المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، والتي يمكن أن تبدأ في أي لحظة. أو يمكن أن نقول إنها بدأت عمليا منذ مساء يوم 19 سبتمبر بمجرد انتهاء موعد الهدنة الهشة التي لا تزال تثير الكثير من علامات الاستفهام، بالضبط مثل "التفاهمات" التي أثارات، ولا تزال تثير الكثير من التساؤلات والشكوك، بينما لا يشكل الشعب السوري إلا مجرد ورقة مقايضة بين كل تلك الأطراف المتصارعة.

الجانبان الروسي والأمريكي أعربا عن "خيبة" أملهما، كل حسب ما يراه، وحسب سيناريوهاته وخططه. وبدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن تسريبات بأن روسيا قامت بنشر أحدث منظوماتها من صواريخ الدفاع الجوي "إس-300 في.إم " (إس.أي - 23 "غلادياتور"، وفقا لتصنيف الناتو) في سوريا. وإمعانا في توسيع "حملة الحرب" بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن أن ميزة هذه المنظومة تتضمن القدرة على اعتراض الطائرات والصواريخ المجنحة التي تتزود بها القوات المسلحة الأمريكية في الوقت الحاضر، وأن عناصر منظومة "إس-300" تتواجد على أرصفة ميناء طرطوس السوري. بينما تتحدث وسائل الإعلام الروسية عن خدع ومؤامرات أمريكية ودعم للإرهاب والجماعات المتطرفة، وتوقعات بتدخل عسكري أمريكي مباشر في سوريا. بينما أعرب رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية كونستانتين سيفكوف عن اعتقاده بأن التحالف بقيادة واشنطن سيبدأ بقصف القوات السورية، وتزويد المعارضة بأسلحة وذخائر، بعد إعلان واشنطن تعليق التعاون مع موسكو بشأن سوريا. وأشار إلى أنه يمكن تزود المعارضة بأنظمة دفاع جوي مختلفة، بداية من صواريخ "ستينغر" وصولاً إلى أنظمة الدفاع الجوي الثابتة لإسقاط الطائرات الروسية والسورية.

كل ذلك، وهناك أصلا تدخل عسكري مباشر في سوريا من جانب تركيا التي ترفع كل يوم من سقف عملياتها ووجود قواتها وأفاق أحلامها وطموحاتها، ولكن كل ذلك لا يلقى إلا تجاهلا غريبا ومثيرا للتساؤلات.

في الحقيقة، كانت الأمور واضحة منذ أن بدأت مباحثات وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري في جنيف حول سوريا، وأسفرت في ما أسفرت عن "التفاهمات" التي لم يقدر لها أن تصمد. كانت الأمور واضحة لدرجة أجبرت المراقبين على الحديث عن "حوار الطرشان". فالولايات المتحدة التي أبدت اهتماما بما تطرحه روسيا، وأشعلت وسائل الإعلام بنواياها الطيبة حول التسوية في سوريا، قامت بتمديد العقوبات ضد روسيا، وتوسيع بعضها. وقام الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل غالبية أعضائه قوام حلف الناتو الذي تقوده واشنطن، بالسير وراء الولايات المتحدة. وهو ما حدا بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقول بأن "الولايات المتحدة تتحدث عن التسوية السياسية من جهة، وتفرض عقوبات على روسيا من جهة أخرى". وهي عبارة تعكس واقع الحال في نهج السياسة الأمريكية المتعالية والتي لا ترى إلا مصالحها فقط، دون أي اعتبار لمصالح الآخرين.

في الحقيقة، كان الروس يتوقعون أن تعلن الولايات المتحدة عن تعليق "التفاهمات". بل وألمحت موسكو قبل ذلك بساعات إلى أن العمل وفق التفاهمات "معلق"، ثم أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرا بتعليق الاتفاق مع الولايات المتحدة حول معالجة البلوتونيوم بسبب خطوات واشنطن غير الودية حيال موسكو، و"بسبب تغير الظروف بشكل جذري وظهور خطر على الاستقرار الاستراتيجي نتيجة خطوات غير ودية من قبل الولايات المتحدة تجاه روسيا، وعجز واشنطن عن تأمين تنفيذها التزاماتها حول معالجة البلوتونيوم العسكري الفائض، وفقا للاتفاقات الدولية". وذهبت موسكو إلى الاشتراط بأنها ستستأنف العمل باتفاقية البلوتونيوم مع واشنطن في حال ألغت الأخيرة العقوبات ليس فقط بشأن" قانون ماغنيتسكي"، بل وكل العقوبات الأخرى ضد روسيا (العقوبات الأمريكية ضد روسيا وفق قانون دعم حرية أوكرانيا في 2014، وكل العقوبات المفروضة ضد الشخصيات والمؤسسات الروسية، ويجب أيضا تقليص المنشآت العسكرية في دول الناتو، وضرورة حصول روسيا على تعويضات عن كل الخسائر التي سببتها العقوبات والعقوبات المعاكسة).

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل