المحتوى الرئيسى

هل هزم الربيع العربي ؟!

10/03 16:28

اقرأ أيضا: مؤامرة 25 يناير ؟! الإسلاميون والإبداع وعتاب جديد لماذا لا يفكر السيسي في السيناريو البديل ؟! الإسلاميون والإبداع ورسالة عتاب ! رسائل سلبية في خطاب السيسي أمس

الحقيقة الواضحة في جميع محطات ثورات ربيع العرب أن كل انكساراته لم تحدث من خارجه ، لم يهزمه عدو أو خصم ، وإنما كانت الانكسارات من داخله ، هزم نفسه ، ويمكن أن تلاحظ ما جرى في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن ، وهي حواضر الربيع العربي الأساسية ، ستلاحظ أن قوى الثورة المضادة فشلت فشلا تاما في أن تكسر ثورات الأجيال الجديدة وبحثها عن الحرية والكرامة ، ورغم الضغوط المروعة التي مارستها نظم إقليمية ودولية لاحتواء الربيع العربي ومحوه ، إلا أن كل تلك الجهود باءت بالفشل أو على الأقل لم تحقق نصرها النهائي ، مما يؤشر على قوة تيار التغيير وفاعلية الجيل الجديد في بحثه عن مستقبل أفضل لبلاده ، وعلى قدرته على انتزاع هذا المستقبل إذا نجح في تلافي أخطائه التي تسببت في تعثره وانكساره المرحلي .

ولقد ظللنا في مصر طوال عامين كاملين بعد ثورة يناير رغم التدخلات الإقليمية وبقاء جسم الدولة بأجهزته بعيدا عن ثوار يناير والقوى المعبرة عنهم ، ظل زخم الثورة قويا وفاعلا ، بل ومتناميا ، وكان الوقت يمضي لصالح الثورة ، ورغم أن السلطة الحقيقية المهيمنة على المؤسسات والأجهزة والقطاعات المختلفة هي المجلس العسكري ووجود قوى انتهازية عديدة تتزلف له وتتآمر على الثورة ، إلا أن طوفان الثورة كان يفرض إرادته دائما على المجلس العسكري ومعظم قرارات المجلس المصيرية كانت تتم تحت ضغط الشارع ، بما في ذلك رضوخه المتأخر جدا لإجراء الانتخابات الرئاسية ، ولم تنكسر الثورة إلا بعد أن "تبعثرت" قواها الرئيسية ، وبعد أن نجح آخرون  في اللعب على هذا الانقسام ، ووقعت جميع الأطراف في جاذبية الرهان على القوة الخشنة أن تكون معه لإقصاء الآخرين أو كسرهم ، ففشل الجميع وذهبت ريحهم ، وأصبح من السهل تفكيك فاعلية الشارع وقوته الهائلة ، بالقسوة حينا وبالترويض حينا ، ثم بأدوات الدولة التقليدية للسيطرة في النهاية .

وفي ليبيا ، عندما حاولت قوى إقليمية إعادة استنساخ تجربة مصر ، وجرت محاولة "تلميع" الجنرال خليفة حفتر ، وتقمصه شخصية السيسي في مصر وحديثه الكوميدي عن أنه "حصل على تفويض من الشعب الليبي" ، فشلت التجربة وكلفت ليبيا حتى الآن دمارا هائلا خاصة في عاصمة الثورة ، بنغازي ، وما زال حفتر فاشلا حتى في السيطرة على بنغازي ، وأكثر البلاد بعيدة عن قبضته ولم ينجح سوى في صناعة انقسام وطني عنيف ودموي وصناعة فراغ سياسي تولدت فيه بعض المنظمات الإرهابية .

 وفي سوريا رغم مستويات القمع الرهيبة لنظام بشار الأسد ضد ثورة الشارع والميادين والشباب الذي خرج في البدايات بصدور عارية يغني للحرية فقابله بالرصاص الحي والمدرعات ، فشل بشار في قمعها ، وعندما أغواها باللجوء إلى السلاح للدفاع عن نفسها بحيث يسهل تدميرها ، فوجئ باستعصائها هنا أيضا ، ونجاح الثوار بإمكانيات تسليحية بسيطة في الوصول إلى أبواب دمشق ، قبل أن تتدخل إيران وحزب الله ـ على خلفية طائفية ـ لإنقاذ بشار ثم الروس بعد ذلك وميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان وغيرها ، ولم ينجح بشار سوى في صناعة فوضى في بلاده سمحت لمنظمات إرهابية بالحصول على مواقع قدم فيها ووصلت الانتهازية به إلى أن نسق معها ، وكان يتاجر مع "داعش" في النقط ، وما زال بشار عاجزا عن سحق ثورة الشعب السوري ، رغم أنه يستعين الآن بقوى الروس الوحشية التي تدمر كل شيء في المدن وخاصة في حلب وتستخدم أحدث ترسانته التدميرية والسلاح الذي وصف بأنه أقصى قوة تدمير تقليدية قبل السلاح النووي ، وقد اعترف الكريملين أول أمس علانية بأنه لولا تدخله في سوريا لوصل الثوار إلى العاصمة ، في اعتراف ضمني بهزيمة بشار واقعيا ، وهناك ما يشبه الإجماع على أن أحد أهم أسباب تعثر الثورة السورية ، هو الانقسام بين فصائلها وتعدد الرايات .

وفي اليمن فشل علي عبد الله صالح في صناعة ثورة مضادة ، وفشل الإيرانيون في الاستيلاء على صنعاء بالتواطؤ مع امتدادهم الطائفي المتمثل في تنظيم الحوثيين الذين كانوا يرفعون صور خامنئي وحسن نصر الله في مظاهراتهم ، وكل ما نجحت فيه الثورة المضادة هناك أن مزقت البلاد ودمرت مدنا وحولت اليمن إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح .

وفي تونس ، كان هناك سيناريو تقوده دولة خليجية صغيرة لاختطاف الثورة من قبل رجالات نظام بن علي الذين تم "تعويمهم" ، وانهالت ملايين الدولارات على سياسيين وقنوات تليفزيونية وصحف وأحزاب تم تصنيعها على عجل ، غير أن الكوارث التي حلت ببعض بلدان الربيع العربي الأخرى أعطت التونسيين درسا سريعا جعلهم يحاولون الاعتصام بما تبقى من ربيعهم السلمي ، ففشلت مخططات اختطاف تونس بشكل كامل ، وإن كانت البلاد تتعثر على وقع سوء الاقتصاد وتحدي الإرهاب ، وما زال الحال هناك أفضل كثيرا من غيره في بقية دول الربيع العربي ، وما زالت الثورة التونسية تملك أفقا مفتوحا للإنقاذ والإصلاح .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل