المحتوى الرئيسى

محمد مهدي يكتب: خدعونا فقالوا: «لحوم العلماء مسمومة» | ساسة بوست

10/03 16:29

منذ 22 دقيقة، 3 أكتوبر,2016

تنتشر كثير من العبارات في مجتمعاتنا الإسلامية انتشار الرمال في الصحراء، ويستخدمها العالم والجاهل والكبير والصغير، وبالأخص منها العبارات الدينية؛ حيث يؤمن كثيرٌ من عامة الناس بقدسيتها في الإسلام، ومن ثم يستخدمونها في حياتهم ونقاشاتهم؛ وتتنوع مصادر هذه العبارات، لكن معظمها في عصرنا الحالي يقع على مسامع الناس من رجال الدين، الذين لم نسمع عنهم إلا في التلفاز أو المناسبات، ومن رجال الدين من بزغت نجوميتهم هذه الأيام مثلهم مثل المغنيين أو لاعبي الكرة على اختلاف المجال، مستغلين جهل البعض أو حب البعض للدين. ومن أكثر هذه العبارات انتشارًا، هي عبارة: «لحوم العلماء مسمومة».

أول من أورد عبارة «لحوم العلماء مسمومة»، هو الإمام الحافظ ابن عساكر (من علماء المسلمين في القرن السادس الهجري، وصاحب كتاب «تاريخ دمشق» الشهير)؛ حيث قال نصًّا في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي حسن الأشعري»: «وأعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم». (ص 29)؛ وبالتالي ما يفهم من عنوان الكتاب أنه أَلف للدفاع عن الإمام الأشعري والرد على منتقديه، الذين من بينهم أهل الحديث أو كما يسميهم البعض (أهل السنة والجماعة)؛ ويتميز زمن تأليف هذا الكتاب بالتعصب الأعمى لأصحاب كل مذهب، حتى أن ابن عساكر وصف منتقدي الأشعري «بأوباش الحشوية».

وبذلك فأصل هذه العبارة من الأشاعرة، لكنها ترددت كثيرًا فيما بعد، خاصةً في العصر الحالي، فبهذه العبارة مُنعت أفكار وحجبت آراء ودفنت مذاهب، حتى وصل الحال ببعض مستخدميها، إنزالها منزلة النصوص الشرعية، أو القول المأثور عن صحابي جليل، لتصبح هذه العبارة طُعمًا يصاغ في أفواه دراويش كل شيخ؛ للرد على كل من ينتقده، سواء كان على حق أو باطل، وكأن السؤال أو الاعتراض على رأي هذا الشيخ هو اعتراض على قول نبي يوحى إليه، أو رسول جاءته رسالة من الله، فأعطوا هؤلاء الأشخاص قدسية لم يحظ بها أحد من الصحابة أو التابعين، حتى وإن ظهر جليًا خطأ هذا الشيخ، تجد من يتعصب إليه ويدافع عن خطئه بالقول: «بأنه من أهل للعلم فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر».

هل لحوم العلماء مسمومة ولحوم العامة مهدرة

على افتراض صحة هذه المقولة شرعيًّا، فهل كل مدعٍ للعلم أو من شيخه الناس باسم شيخ، فهو من تلك الفئة المحظوظة بسموم لحمها؟

فالعلماء ثلاثة أقسام: «عالم ملة، وعالم دولة، وعالم أمة».

* أولهم عالم الملة: وهو الذي ينشر الإسلام، ويفتي بأحكام الدين عن علم، ولا يبالي أوافق هذا أهواء الناس أم تعارض مع أهوائهم.

* ثانيهم عالم الدولة: فهو بطل كل زمان ومكان، لا يخلو زمان أو عصر منه، الذي باع دينه ونفسه بدنيا غيره، وما أكثره في زماننا، وهو الذي ينظر في أول الأمر وآخره إلى ما تريده الدولة، فيفتي بما تراه الدولة، ولو كان ذلك على حساب أحكام الإسلام.

* ثالثهم عالم الأمة: فهو الذي ينظر ما يواقف أهواء الناس ورغباتهم، سواء كان ذلك على حساب الدين وأحكامه؛ طمعًا في إرضاء الناس.

وليس معنى قول ابن عساكر أن لحوم العلماء مسمومة دون غيرهم، فالأصل أن لحوم كل المسلمين محرمة ومسمومة لغيبتها، ولقد حصر ابن عساكر الافتراء على من يمكن تسميتهم حقًّا بالعلماء بأمرين:

الأمر الأول: قوله «بما ليس فيهم وهم منه براء»، بمعنى أن يفترى عليهم بما لم يقولوه أو يعملوه، ثم تطلق العنان للألسنة تخوض في أعراضهم، فهذا الذي يقع في دائرة الحرمة، أما من يدعي العلم ويأمر الناس بأمر أو ينهاهم عن منكر، وهو أول من يترك هذا الأمر أو يفعل هذا النهي إرضاء لحاكم أو سلطان، فهو الذي يجب أن يبين كذبه وافتراءه على أحكام الدين، ولقد قال الله في أمثال هؤلاء «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (الأعراف 175- 176)، وبالتالي بين الله هذا النوع من حاملي العلم؛ ومثلهم بالكلاب؛ فهل يعد هذا من سموم لحوم العلماء؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل