المحتوى الرئيسى

"تلفزيون فلسطين" يؤدّب الشارع

10/03 15:50

يوم الجمعة الماضي، تصدّرت صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تأبين الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز المشهد الإعلامي في فلسطين. للوهلة الأولى، بدت الصورة هزليّة للغاية. لكن الصورة ما لبثت أن استعادت ذاكرتها الأمّ وزمنها الأوّل، لأنها غير منزوعةً عن سياقها الطبيعي الذي خلقته السلطة الفلسطينية إزاء المستعمِر. ثمّة اتساق هائل بين امتداد الصورة التاريخي ومشهدية تأبين الغريب "الفقيد"، وكأنّه ابن هذا التراب. ومع هذه الخطوة، كان من الطبيعي أن يمارس "تلفزيون فلسطين" الرسمي الدور المنوط به، فهذه الشاشة مصنوعة أصًلا لتكون مساحة الرئيس المفتوحة وهواءه. وكعادة الشاشات الرسمية، التي يُحتكَر هواؤها لرحلات الرئيس ذهابًا وإيابًا مع إسقاط ما يلزم عليها، أعلن تلفزيون "فلسطين" أن "مشاركة الرئيس في مراسم دفن بيريز ليست مصالحة مع خصومٍ على حساب المواقف الوطنية، بل هي مشاركة أقوى في دلالاتها من كلّ الكلمات، إذ تؤسس لمردود سياسي أقله التأثير في المجتمع الإسرائيلي لصنع السلام".

 ما سبق لا يثير الريبة بالنسبة لأداء التلفزيون. فعادة ما يعتبر الهواء من حقّ الرئيس، ومن حقّه أيضًا استخدام الشاشة لوضع مشاركته في المأتم الإسرائيلي في إطارٍ "يليق بتاريخه وحاضره". لكن بالمقابل ليس من حقّه، حتمًا، أن يتعامل مع الشارع الفلسطيني الرافض لتلك المشاركة بمنطق فوقيّ فجّ، ويتهمه بـ"الشعبويّة التي لا تجلب إلا الدمار والويلات، وإن تغلّفت بشعارات وطنيّة"، كما ورد في أحد تقاريره على لسان الصحافي سالم سلامة.  كل ذلك على اعتبار أن الشارع لا يفقه أبجديات "الحنكة السياسية" للرئيس، ولا ينظر إلى ما هو أبعد من إصبعه، على عكس الرئيس الذي صوّرته الشاشة الرسمية وكأنّه تحايل على نفسه عبر المشاركة في التأبين لتدور عجلة محادثات السلام من جديد.

بعد اتهام "تلفزيون فلسطين" للشارع بالشعبوية، لهث الأخير وراء رأي الشارع الإسرائيلي حيال مشاركة عباس في تأبين بيريز وعرضها في تقرير كامل على الشاشة. ما يجسّد منطقًا شعبويًا بامتياز، يهدف إلى استمالة المجتمع العدوّ على حساب دماء الفلسطينيين.

لم يتوقّف سيل التقارير عند هذا الحدّ، فأطلّ علينا مراسل التلفزيون من غزّة، فؤاد جرادة، بتقرير متناقض تمامًا مع التقرير الأول، فبعدما كان الشارع "شعبويًّا"، صار مثاليًا من وجهة نظر الشاشة الرسمية. وفي تقريره قال جرادة "إن مشاركة الرئيس لاقت تفهًما واسعًا من قبل المواطنين لكون الرجل يحمل رسالة سلام". هكذا، بدا الشارع الغزيّ مبايعًا سلفًا لما يقوم وسيقوم به الرئيس عباس. ربما، اخترع التلفزيون هذه "الكذبة" كرسالة غفران عمّا مضى حيال الشارع، خصوصًا بعدما تفاعل الأخير بغضب إثر اتهامه بالشعبوية. لكنّ المدقّق في منحى عمل التلفزيون، لا يقرأ من هذه الخطوة تراجعًا عما سبق، بل إنكارًا أكبرَ لوجود الشارع  وفاعليته مقابل تسويق صورة متسقة بين الرئيس وشعبه ولو زيفًا أمام أنظار العالم.

وعلى الرغم من أن جرادة أقرّ بأن المسألة أثارت نقاشًا واسعًا في الشارع؛ إلا أنه قابل خلال التقرير ثلاثة مواطنين غزيين يحملون التوجه عينه، فظهروا للمشاهد كممثلين "كومبارس" يؤدّون ما يُملى عليهم، خصوصًا أن أحدهم ذهب إلى حدّ قول إن "الرئيس هو ممثّل للقضية، وأيّ مساس بالرئيس يعني مساسًا بالقضية". كذلك ذكّر أحد الثلاثة بتسامح الرسول محمد مع اليهود في مقارنة خارجة تمامًا عن سياق تعزية الرئيس ببيريز، فكيف يمكن أن يكون أذى يهوديًا واحدًا آنذاك، معادلًا موضوعيًا للجرح الغائر الذي يتركه فينا نظام استعماري صهيوني بكامل وعيه؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل