المحتوى الرئيسى

زوجة «روبن وليامز» تكتب تفاصيل قصة مرضه وانتحاره.. «الإرهابي بداخل عقل زوجي» - ساسة بوست

10/03 13:00

منذ 21 دقيقة، 3 أكتوبر,2016

تكتب هذه الرسالة سوزان شنايدر وليامز، زوجة الممثل الأمريكي الراحل روبن وليامز لمجلة Neurology الصادرة عن الجمعية الأمريكية لعلم الأعصاب، أكثر المجلات متابعةً وانتشارًا في مجال علم الأعصاب، في عدد سبتمبر (أيلول) 2016.

أكتب لأشارك قصتي معكم، تحديدًا معكم أنتم. أملي هو أن قصتي سوف تساعدكم في فهم أفضل قليلًا لمرضاكم، وأزواجهم وزوجاتهم، ومن يقدمون لهم الرعاية. وأما فيما يخص أبحاثكم، فربَّما ستُريكم قصتي معاني جديدة من لحمٍ ودمٍ لما تقومون به. أنا متأكدة من أن ثمَّة معانٍ كثيرة بالفعل.

هذه قصة شخصية، تراجيدية تفطِر القلب، لكني موقنةٌ بأن مشاركتكم هذه المعلومات ستجعلكم تُحدِثون فرقًا في حياة أناس آخرين.

كما تعرفون، كان زوجي روبن وليامز يُعاني مرضًا قاتلًا لا يعرفه الكثيرون يُدعى «داء جسيمات ليوي». مات زوجي منتحرًا في عام 2014، بعد صراع شديد، ومُربِك، قصير نسبيًا مع تشخيص هذا المرض وأعراضه. لم يكُن روبن وليامز وحده في تجربة عصيبة مع مرضٍ عصبي؛ فكما تعرفون، مليون ونصف المليون إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب يعانون معاناة زوجي نفسها الآن.

لم يكُن روبن الوحيد المصاب بذاك المرض، لكن حالته كانت مُتطرفة. لم أكُن أعرف أن «داء جسيمات ليوي» هو ما أخذ حياته حتى صدر تقرير الطبيب الشرعي بعد ثلاثة أشهر من وفاته. كل الأطباء الأربعة الذين التقيتهم بعد ذلك، والذين راجعوا سجلاته الطبية أجمعوا على أن حالته كانت واحدة من أسوأ الحالات المرضية التي شاهدوها. كان روبن قد خسر حوالي 40% من الخلايا العصبية المُفرزة للدوبامين، ولم تنجُ أي من خلاياه العصبية تقريبًا من «جسيمات ليوي»، في الدماغ بأكمله وجذع الدماغ.

كانت روح روبن أكبر من الحياة، وما تزال، لكنها كانت تعيش داخل جسد رجل عادي يملك دماغًا بشريًا عاديًا. فقط من قبيل المصادفة، كان روبن هو الإنسان الموعود بتأكيد إحصائية أن «واحدًا من كل ستة أشخاص يصابون بأمراض الدماغ»؛ كان هو ذاك الواحد.

لم يجعلني «داء جسيمات ليوي» أخسر زوجي فحسب، بل جعلني أخسر صديقي الأثير. كان روبن بالنسبة لي ملاذًا آمنًا يملأه حب غير مشروط لطالما كنت أتوق إليه، وكنت ملاذه. في سبعة أعوام قضيناها سويًا، كنا نتشارك آمالنا ومخاوفنا دون أحكام… أمان وحسب. وكما كنا نقول لبعضنا أحيانًا، كان أحدنا مرساة الآخر وسِحره، أي ذاك الشعور العجيب بالرسوخ والسمو معًا الذي يملأ كلٌ منا في حضرة الآخر.

كان أحد أشيائي المُفضلة الأساسية مما نفعله سويًا هو مراجعة كيف سارت الحياة بنا. في كثير من الأحيان، كنا نفعل هذا بصورة تجعله أكبر من مجرد أمر حميمي خفيف نفعله في نهاية اليوم. لم يكُن يهم إذا كنا نعمل سويًا في المنزل، أو نسافر معًا، أو إذا كان روبن يقود سيارته. كنا نناقش أفراحنا وانتصاراتنا، ومخاوفنا ونقائصنا، والأمور التي تُقلقنا. كنا نتغلب على كل العقبات التي وضعتها الحياة في طريقنا، سواء أمام كل منا وحيدًا أو أمامنا معًا، بطريقة أو بأخرى، فقط لأننا كنا سويًا.

وحينما بدأ «داء ليوي» في إظهار أعراضه لنا، كان هذا الأساس من الصداقة والحب هو ذخيرتنا.

بدأت الألوان تتغير ويصير الهواء باردًا. كنا في أواخر شهر أكتوبر من عام 2013 وذكرى زواجنا الثانية، وكان روبن تحت رعاية أطبائه، يُعاني من أعراض تبدو غير ذات صلة ببعضها: إمساك، وصعوبة في التبول، وحموضة، وأرق، وضعف حاسة الشم، والكثير من التوتر. وكان لديه أيضًا ارتعاش خفيف في يده اليسرى يأتي ويذهب. في ذاك الوقت، كان الأطباء يعزون الارتعاش لإصابة سابقة في الكتف.

في نهاية هذا الأسبوع بالتحديد، بدأ روبن يشعر باضطراب في الأمعاء. وبما أني كنت قد قضيت أعوامًا عديدة إلى جانب زوجي، فقد كنت أعرف أن هذه ردود فعل طبيعية تصيبه عند شعوره بالخوف والقلق. ما سيتبع كان لا ينتمي إلى شخصيته. تصاعد شعوره بالخوف والقلق إلى درجة مُفزعة. كنت أتساءل سرًا، هل زوجي مصاب بوسواس المرض؟ لم أكتشف أن الارتفاع المفاجئ وطويل الأمد في الخوف والقلق يمكن أن يكون مؤشرًا مبكرًا على «داء ليوي» إلا بعد أن فارقنا روبن.

تم اختبار إصابته بالتهاب الرتج، وجاءت نتائج التحاليل سلبية. ومثل بقية الأعراض التي تلت ذلك، يبدو أنها تأتي وتذهب في أوقات عشوائية. بعض الأعراض كانت أكثر حضورًا من غيرها، ولكن هذه الأعراض زادت وتيرتها واشتدت على مدى الأشهر الـ10 التي تَلَت.

قبل فصل الشتاء، ألِفنا مشكلات البارانويا، والأوهام، والأرق، والذاكرة، وارتفاع مستوى الكورتيزول، فقط على سبيل المثال لا الحصر. العلاج النفسي والمساعدة الطبية الأخرى أصبحت طريقتنا في محاولة التحكم في هذه الحالات التي تبدو بلا رابط وحلها.

كنت قد بدأت في التعود على قضاء وقت أكبر في مراجعة كيف سارت الحياة بنا. لكن الموضوعات التي كنا نتحدث عنها بدأت تنحصر في فئة الخوف والقلق رويدًا رويدًا. المخاوف التي كنا نتعامل معها بصورة طبيعية بدأت تصبح أشد وطأة بالنسبة له. عندما صدر تقرير الطبيب الشرعي، استطاع أحد الأطباء أن يشير إليَّ بأن هناك نسبة عالية من جسيمات ليوي بداخل لوزة الحلق، وهذا من شأنه أن يتسبب في البارانويا الحادة والاستجابات العاطفية غير الطبيعية التي كان يعاني منها. كم أتمنى أن يعرف أنه كان يكافح، وأن معاناته لم تكُن بسبب وهنٍ أصاب قلبه، أو روحه، أو كيانه.

في أوائل أبريل، أصابت روبن نوبة هلع. كان في فانكوفر لتصوير الجزء الثالث من فيلم Night at the Museum (ليلة في المتحف). أوصى طبيبه بأدوية مضادة للذهان لتساعده في التغلب على القلق. جعلت هذه الأدوية الأمور أفضل، على ما يبدو، من ناحية القلق، ولكنها جعلتها أسوأ بكثير في جوانب أخرى. بسرعة بحثنا عن شيء آخر. لم أكتشف أن الأدوية المضادة للذهان غالبًا ما تُردي حالة الأشخاص المصابين بداء جسيمات ليوي. وبالإضافة إلى ذلك، كان روبن ذا حساسية عالية للأدوية، وكانت ردود أفعاله لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان. هذا على ما يبدو سمة مشتركة بين المصابين بداء جسيمات ليوي.

أثناء تصوير الفيلم، كان روبن يجد صعوبة في تذكُّر نصوص مشاهده، مع أنه منذ ثلاثة أعوام فقط كان يؤدي دوره في عرض برودواي Bengal Tiger at the Baghdad Zoo (نمر بنغالي في حديقة حيوان بغداد)، الذي استمر خمسة أشهر وكان يُعرض مرتين يوميًا أحيانًا، دون خطأ واحد في نصوص مشاهده التي تتكون من آلاف الأسطر. لقد حطَّم فؤاده فقدان الذاكرة والعجز عن التحكم في القلق.

وبينما كنت في جلسة تصوير في بحيرة فينيكس، ألتقط مشاهد لأرسمها، اتصل روبن بي عدة مرات. كان قلقًا للغاية من انعدام الأمن الذي كان يشعر به بشأن نفسه وتعاملاته مع الآخرين. مررنا على كل التفاصيل. كانت مخاوفه بلا أساس، ولم أستطع إقناعه بذلك. كنت عاجزة عن مساعدته في رؤية تألُّقه الفريد.

لأول مرة، فشل منطقي في مساعدة زوجي في العثور على ضوء عند آخر أنفاق خوفه. شعرت بأنه يكفر بالحقائق التي كنت أقولها. تحطَّم فؤادي وأملي مؤقتًا. لقد وصلنا إلى مكان لم نخطُه قط. كان زوجي محاصرًا في متاهة خلاياه العصبية، ومهما فعلت لم أكن أستطيع إخراجه.

في أوائل شهر مايو (آذار)، عاد روبن إلى البيت من فانكوفر مثل طائرة بوينج تحط على الأرض دون عجلات. عرفت بعدها أن الأشخاص المصابين بداء ليوي ممن يتمتعون بذكاء مرتفع قد يبدو أنهم على ما يرام لفترة أطول في البداية، ولكن بعد ذلك، ينهار ذكاؤهم وكأنه سدٌ كبيرٌ لا يمكنه تحمُّل موجات المرض. روبن، وبالإضافة كونه عبقريًا، كان ممثلًا بارعًا تلقى تعليمه في مدرسة جوليار للتمثيل. لن أعرف أبدًا العمق الحقيقي لمعاناته، ولا كَم كان كفاحه شديدًا. ولكن من حيث كنت أشاهده، رأيت أشجع رجل في العالم يلعب أصعب دور في حياته.

كان روبن يفقد عقله، وكان مدركًا لذلك. هل يمكنكم تصوُّر الألم الذي شعر به متلمسًا كيانه وهو يتفكَّك؟ هل يُمكنكم تصوُّر أنه لم يكُن يعرف اسم خصمه، ولم يفهمه؟ لم يكُن باستطاعة أحد أن يواجه ذلك، ولا حتى هو؛ لا ذكاء ولا حب كان يُمكن أن يواجه ذلك مهما كان عظيمًا.

حاصرتني ظلمات جهلي بما يحدث لزوجي، عاجزة ومُجمَّدة. هل كان مصدرًا واحدًا للألم، إرهابي واحد، أم كان عصابة من أمراض تحالفت عليه؟

كان يقول دائمًا: «أريد فقط أن أُعيد تشغيل عقلي». كانت مقابلات الأطباء، والتحاليل، وجلسات العلاج النفسي تبقينا في حركة دائمة. تحاليل دم لا تُحصى، وتحاليل بول، بالإضافة إلى قياس مستويات الكورتيزول والغدد الليمفاوية. أجري له فحص للدماغ، بحثًا عن ورم محتمل على غدته النخامية، وأُعيد فحص قلبه مرة بعد مرة. وجاءت كل النتائج سلبية مرةً أخرى، فيما عدا مستويات الكورتيزول المرتفعة. كنا نريد أن نكون سعداء لخروج كل النتائج سلبية، لكننا – روبن وأنا – كان لدينا شعور عميق بأن ثمة خطأ فادح يجري في كل ذلك.

في يوم الـ28 من مايو (أيار)، تم تشخيص مرض روبن بالشلل الرعاشي (باركنسون).

لقد حصلنا على إجابة. كان قلبي مُفعمًا بالأمل. لكني بطريقة ما عرفت أن روبن لم يكُن يُصدق ذلك.

عندما كنا في مكتب طبيب الأعصاب لنعرف ما يعنيه ذلك التشخيص بالضبط، وجد روبن فرصةً لطرح بعض الأسئلة المُلِحَّة: «هل لدي مرض ألزهايمر؟ خرف الشيخوخة؟ هل أنا مُصاب بالفصام؟». كانت الإجابات التي تلقيناها هي أفضل ما يمكن الحصول عليه: «كلا، كلا، وكلا». لم تكن هناك علامات على هذه الأمراض. ومن الواضح بالنسبة لي الآن أنه كان، على الأرجح، يُبقي عمق الأعراض التي كان يشعر بها سرًا.

واصل روبن فعل كل الأمور الصحيحة: العلاج النفسي، والعلاج الجسدي، وركوب الدراجة، والتمرينات الرياضية مع مدربه. استخدم كافة المهارات التي تعلَّمها وأتقنها في منتجع «دان أندرسون» في ولاية مينيسوتا، مثل البرنامج المُكوَن من 12 خطوة ويشمل: عملًا وتأملًا ويوجا. ذهبنا إلى طبيب متخصص في جامعة ستانفورد علَّمه تقنيات التنويم المغناطيسي الذاتي لتهدئة المخاوف غير المنطقية والقلق. لم يستطع أي شيء تخفيف أعراضه لمدة طويلة.

طوال كل هذا، كان روبن نظيفًا ورصينًا، وبطريقة أو بأخرى، كنا نُضفي لمساتنا على أشهر الصيف تلك بالسعادة، والفرح، والأشياء البسيطة التي يحبها: وجبات الطعام، وحفلات عيد الميلاد مع العائلة والأصدقاء، والتأمل معًا، والتدليك، والأفلام، وأكثر من كل ذلك: أن نُشبك أيادينا معًا.

أصبح روبن أكثر ضجرًا. كان قناع باركنسون أكثر وطأة وحضورًا من أي وقت مضى، وأصاب صوته الوهن. أصبح ارتعاش يُسراه مستمرًا وأصبحت مشيته بطيئة وفيها ترنُّح خفيف. كان يكره أنه لا يستطيع استدعاء الكلمات التي يريد قولها في المحادثات. كان يتقلَّب تقلُّب المحموم في فراشه دون أن يفارقه الأرق الرهيب. في بعض الأحيان، كان يجد نفسه متجمدًا في مكانه لا يستطيع التحرك، ويشعر بالإحباط عند خروجه من تلك المواقف. وبدأت مشاكله مع قدراته البصرية والمكانية في تحديد المسافة والعمق. وقد أضاف إلى ارتباكه فقدان المنطق البسيط الذي يحكم كلام البشر وحركتهم.

بدا وكأنه كان يغرق في أعراضه، وكنت أغرق معه. عادةً تظهر معظم أعراض «داء ليوي» وتختفي عشوائيًا، حتى أثناء يوم واحد. لقد رأيت زوجي صافي الفِكر واضح المنطق لدقيقة واحدة، وبعد خمس دقائق أراه فارغًا مرتبكًا.

ومن شأن التاريخ المرضي السابق أن يُعقد التشخيص. في حالة روبن، كان لديه تاريخ من الاكتئاب الذي كان خاملًا لمدة ست سنوات. ولذا، عندما ظهرت علامات الاكتئاب عليه قبل أشهر من رحيله، فُسرت على أنها على أنها أعراض تابعة لمرض باركنسون.

وطوال معركة روبن مع المرض، اختبر كافة الأعراض الـ40 لداء جسيمات ليوي تقريبًا في أوقات مختلفة، باستثناء واحد فقط: لم يقُل روبن قط إن لديه هلاوس.

وبعد عام من رحيله، تبيَّن من حديث مع أحد أطبائه أنه غالبًا قد أصابته هلاوس، لكنه أبقى الأمر سرًا.

كنا نقترب من نهاية يوليو (تموز)، وقيل لنا إن روبن يحتاج إلى اختبار عصبي إدراكي داخل المستشفى من أجل تقييم اضطراب حالته المزاجية. في غضون ذلك، تم تحويل دوائه من Mirapex إلى Sinemet في محاولة للحد من الأعراض. وقد أكَّدوا لنا أن روبن سيتحسن قريبًا، وأن مرض باركنسون لديه كان في مراحله المبكر ومعتدلًا في درجته. راودنا الأمل مرةً أخرى. ما لم نكن نعرفه هو أن هذه الأمراض لا تبدأ عندما يتم تشخصيها بالفعل، بل تكون في الواقع مستمرةً منذ فترة طويلة.

وبحلول هذا الوقت، أصبحت اضطرابات النوم التي نعانيها معًا خطرًا علينا نحن الاثنين. لذا فقد أمرنا الأطباء بأن ينام كل منا وحده حتى نستطيع علاج اضطرابات النوم. وكان الهدف هو أن يبدأ الاختبارات الداخلية في المستشفى دون مشكلات الحرمان من النوم التي كان يعانيها.

وباقتراب نهاية الأسبوع الثاني من أغسطس (آب)، بدا أن انتكاساته قد أصبحت أهدأ. ربَّما يكون تغيير الدواء قد آتى ثماره. فعلنا كل الأمور التي نحبها في نهار يوم السبت وحتى حلول المساء. كان كل شيء مثاليًا كأنه موعد غرامي طويل. وبنهاية يوم الأحد، كنت أشعر أنه يتحسن فعلًا.

وعندما خلدنا إلى النوم، بطريقتنا المعتادة، قال زوجي: «ليلة سعيدة، يا حبيبتي» وانتظر ردي المعتاد: «ليلة سعيدة، يا حبيبي».

ما يزال صدى كلماته يتردد في قلبي حتى اليوم.

وفي يوم الأحد، 11 أغسطس (آب)، رحل روبن.

بعد رحيل روبن، لم يعُد إدراكي للزمن مثلما كان. أصبح بحثي عن المعنى يحاصرني في كل جانب من جوانب حياتي، حتى أكثرها رتابة.

بدأنا – أنا وروبن – بحثنا عن العقل البشري دون تخطيط، ومن باب الخبرة العمياء. وأثناء الأشهر الأخيرة التي قضيناها سويًا، كان اهتمامنا منصبًا على تحديد هوية الإرهابي الذي يسكن عقل زوجي وهزيمته. وبعدها، واصلت بحثي، لكن هذه المرة على الجانب الآخر من التجربة، جانب العِلم الذي يقف وراء هذا المرض.

وبعد ثلاثة أشهر من موت روبن، كان تقرير التشريح جاهزًا أخيرًا. وعندما سأل الطبيب الشرعي إذا كنت قد فوجئت بداء جسيمات ليوي المنتشر في جسد روبن، قلت له: «قطعًا لا»، مع أني لم يكُن لديَّ أدنى فكرة عمَّا يعنيه المرض في ذلك الوقت. لكن مجرد حقيقة أن شيئًا ما قد غزا كل منطقة تقريبًا من دماغ زوجي كانت منطقيةً تمامًا بالنسبة لي.

وفي العام الذي تلا ذلك، أخذت على عاتقي تعميق فهمي لداء جسيمات ليوي. التقيت أطباء متخصصين راجعوا سجلات روبن الطبية للعامين اللذين سبقا موته، وتقرير الطبيب الشرعي، وتقارير مسح الدماغ. وكانت ردود الفعل هي نفسها في كل مرة: كان روبن واحدًا من أسوأ حالات داء ليوي التي رأوها، وأنَّه لم يكُن باستطاعة أحد أن يفعل شيئًا له. كان فريقنا الطبي على الطريق الصحيح، وكنا سنصل إلى التشخيص الصحيح في نهاية المطاف. في الواقع، ربَّما كنا قريبين بالفعل.

ولكن هل كان وجود التشخيص الصحيح وروبن على قيد الحياة سيُحدث فرقًا إذا لم يكُن ثمَّة علاج لهذا المرض؟ لن نعرف أبدًا الإجابة. لست مقتنعة بأن معرفة المرض كانت ستفعل أي شيء سوى إطالة أمد عذاب روبن؛ فقد كان ليصبح بكل تأكيد واحدًا من أشهر حالات الاختبار للأدوية الجديدة والتجارب الطبية المستمرة. وحتى كان لنا بعض العزاء في معرفة اسم المرض، وفي الأمل العابر بعد التحسن المؤقت مع الأدوية، كان ذلك الإرهابي ليقتل زوجي في النهاية لا محالة. لا يوجد علاج، وكان انتكاس روبن الحاد والسريع محتمًا.

لقد سبَّب الانتشار الهائل لجسيمات ليوي في جميع أنحاء دماغ روبن ضررًا كبيرًا لخلاياه العصبية وناقلاته العصبية، حتى يمكننا القول إن حربًا كيميائية كانت تجري في دماغه.

قال أحد المتخصصين: «كأنه كان مصابًا بالسرطان في كل عضو من جسده». المشكلة الأساسية بَدَت أنها عجز الجميع عن تفسير أعراض روبن في الوقت المناسب.

كنت مدفوعة إلى معرفة كل شيء عن هذا المرض بما أني قد عرفت اسمه أخيرًا، وأدهشني بعض ما عرفت.

وصف أحد أطباء الأعصاب داء جسيمات ليوي ومرض باركنسون بأنها على طرفي نقيض من طيف مرضي. ولا يستند هذا الطيف سوى على أن بين المرضين القواسم المشتركة: وجود جسيمات ليوي، وهي تكتل غير طبيعي من بروتين طبيعي هو α-synuclein، داخل الخلايا العصبية في الدماغ. كما أدهشني أن تشخيص المريض بداء ليوي أو بباركنسون يعتمد فقط على أسبقية أعراض أي منهما في الظهور.

بعد أشهر وأشهر، تمكنت أخيرًا من أن أكون محددة بشأن مرض روبن. إكلينيكيًا، كان مصابًا بمرض باركنسون، ولكن مرضيًا، كان مصابًا بداء جسيمات ليوي منتشر في جسده. كانت الأعراض الغالبة التي ظهرت على روبن ليست جسدية، وقد دعم الباثولوجي هذا التشخيص بشدة. ولكن هل ننظر في الأمر، وجود أجسام ليوي استغرق حياته. ولكن، على كل حال وبكل تشخيص، وجود جسيمات ليوي هو ما أخذ حياته.

لقد جعلتني هذه الرحلة التي كنت فيها جنبًا إلى جنبٍ مع روبن أتعرَّف إلى الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب ومجموعات وأطباء آخرين. وجعلتني الرحلة أكتشف مؤسسة الدماغ الأمريكية، حيث أعمل الآن في مجلس إدارتها.

هذا هو الجانب الذي يخصكم من القصة.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل