المحتوى الرئيسى

هذى بلاد.. لم تعد كبلادى! | المصري اليوم

10/02 22:25

شىء طبيعى أن يبتعد المزاج العام عن حدود القصد والاعتدال فى مراحل التحول الاجتماعى العاصفة. يحدث هذا عندنا. مثلما حدث عند غيرنا من المجتمعات التى سبقتنا إلى الثورات، ثم الحداثة، ثم الاستقرار، عبر حكم الدستور والقانون.

عندما يبتعد المزاج العام عن حدود الاعتدال يتراجع تحكيم العقل. وتسود ثقافة الشائعات. ويحكم الناس على بعضهم أحكاما قاسية، تقوم على الانطباعات السريعة والمعلومات الطائشة، دون تثبت أو تأكد.

من مطلع هذا القرن. وقبل الثورتين. وبعدهما. وهذه الأجواء تملأ آفاق مصر. تشوش العقول. وتحرض النفوس، وتلعب بأعصاب الجماهير الغفيرة من الناس. التى تميل إلى تصديق ما تسمع من طرف واحد. وتعتاد على هذا الاستسلام العقلى لما يتناثر فى المجال العام من قصص وحكايات وروايات وأساطير. يختلط فيها الخطأ والصواب. يتماهى فيها الحق والباطل. ومع زحام الحياة وتواتر الأحداث نندفع جميعا مع هذه الموجات. التى لا نملك القدرة على الوقوف أمامها وهى تزحف علينا، وتنهكنا، وتجهدنا، وتغرقنا فى ظلام اليأس والإحباط.

للأسف الشديد. أصبح المطلوب منك ومنى أن نصدق أننا جميعا فاسدون ولصوص ومرتشون وخونة وعملاء. المطلوب منك ومنى أن نعرى أنفسنا من كل فضيلة. أن نجرد أنفسنا من كل إحساس نبيل أو شعور جميل أو خلق قويم. المطلوب منك ومنى أن نتطوع بالليل والنهار فى حرب مقدسة لتدمير الذات وتحطيم المعنويات. نقطع كل شريان ووريد. نطلق الرصاص على أقدامنا وصدورنا وعقولنا. نقطع أرحامنا، ونتبادل الشك، ونتوارث الخصومة، ونتهادى بالضغائن والأحقاد. وللأسف الشديد هذا هو أسوأ أشكال التدمير الذاتى للأفراد وللمجتمع وللأمة بكاملها.

لست هنا بصدد الدفاع عن أشخاص. لكن بصدد الدفاع عن بلدى كله. عن مجموعة القيم الأصيلة التى لا ينجح فرد بدونها. ولا يستقيم مجتمع فى غيابها. قيمة أن يسمع بعضنا بعضا. قيمة أن يُحسن بعضنا الظن فى بعض. قيمة أن نتراحم فيما بيننا. قيمة إخلاء القلوب من الأحقاد المزمنة. قيمة تزكية الأنفس من الضغائن الخبيثة. قيم كثيرة هى من الشيم الأصيلة لهذا المجتمع الذى انبثق من بين جوانحه المشرقة أول فجر للضمير فى تاريخ الإنسانية كلها.

لست أدافع عن أحمد عز. لكن أدافع عن حقه فى أن يكتب. وأن يعبر عن رأيه. وألا نجرده من وطنيته. وألا ننزع عنه رداء الحب لبلده. أعرف، ويعرف كل من له إلمام بتاريخ الصناعة المصرية أن أحمد عز بنى صناعة وطنية حقيقية. من حقى وحقك أن نختلف معه. نحاسبه. نتهمه. نحاكمه. لكن لَيْس من حقنا أن نصادر حقه فى وطنه أو فى حبه لبلده. من حقه أن يفكر. يكتب. يمارس كل حقوقه الدستورية والقانونية. ومن حقك أن تتفق أو تعترض، لكن دون أن ننفى الرجل، أو نهيل التراب على عقله وضميره.

سمعنا، وشاهدنا أسرة حسين سالم. فى لقاء تليفزيونى ناجح مع الإعلامى عمرو أديب. حسين سالم لعب أدوارا كبيرة، وأدى خدمات جليلة. مثل كل إنسان له أخطاء ومثالب، لكن الرجل منذ ست سنوات وهو محل قصف نارى عشوائى من كل الاتجاهات. تم تجريده من ماضيه ومن وطنه ومن سمعته ومن بيته. والأخطر أن يتم تجريده من الحق فى أن يتألم أو يتكلم أو يدافع عن نفسه، أو يترافع أمام هذه المحكمة الكبرى التى انتصبت ضد الرجل فى كل صحيفة وكل تليفزيون وكل بيت وكل مقهى أو منتدى.

لنرجع إلى قيمنا، ونحن نحتفل بهجرة سيد الأنبياء (عليه الصلاة والسلام). لنرجع إلى العدل. إلى الإنصاف. إلى حسن الظن. إلى التسامح.

ولا أجد لدىّ إلا التطفل على شاعرنا الكبير فاروق جويدة. أقتبس من أبياته:

قد عشت أسأل أين وجه بلادى؟

أين النخيل.. وأين دفء الوادى؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل