المحتوى الرئيسى

محمد خطاب يكتب: موزارت التمثيل.. عبقرية ام جنون؟ | ساسة بوست

10/02 13:41

منذ 11 دقيقة، 2 أكتوبر,2016

تقول سالي فيلد الممثلة الحاصلة على جائزتي أوسكار «هناك نكتة قديمة بين الممثلين في هوليوود, كم عدد من بإمكانهم تمثيل دور سينمائي معين؟ واحد ليقوم به وأكثر من 450 ألف ممثل يقول «بإمكاني تأدية ذلك», في حالة دانيال داي لويس تحتاج لممثل واحد لتأدية الدور والباقي يقول «كيف استطاع القيام بذلك؟!».

على الرغم من قلة أدواره إلا أنه يعتبر واحدًا من أعظم الممثلين على الإطلاق؛ فهو لديه القدرة على إخفاء نفسه داخل الشخصية بشكل كامل, قد تراه في ثلاثة أو أربعة أعمال مختلفة قبل أن تتعرف فعلًا عليه, فدانيال داي لويس البالغ من العمر 57 عامًا غير معروف فقط بكونه الممثل الوحيد الحاصل على ثلاث جوائز أوسكار عن دور رئيسي، بل هو أحد الممثلين القلائل الذين يتبعون تقنية تمثيل تجعله منغمسًا بالكامل داخل الشخصية, فالصوت والشخصية حتى طبيعة الجسد في حالة دانيال لا يمكن تركهم أثناء تأدية الدور حتى بعد التصوير، فالشخصية تظل مصاحبة له داخل وخارج موقع التصوير.

«الحياة تأتي أولًا, ما أراه في الشخصية أحاول رؤيته أولًا في الحياة».

بتلك المقولة يشرح دانيال فلسفته في التمثيل, فالتمثيل العظيم هو انعكاس لـ«الحقيقة» نُقِلت داخليًا وخارجيًا للممثل, ذلك قابل للتخيل عند تذكر أداء روبرت دي نيرو في Raging bull أو الراحل هيث ليدجر في the dark knight أو أدريان برودي في the pianist, كلها أدوار خالية من الأخطاء استحقت الأوسكار, فالممثلون في تلك الأدوار الخالدة عاشوا الشخصية عاطفيًا وجسديًا وأعطوا نفسهم بالكامل للدور, ولكن ما يميز دانيال أنه يعيش كل شخصية بحذافيرها في كل أدواره وليس فيما يعرف بـ«دور واحد في العمر once in a lifetime role», في كل دور يجسد داي لويس شخصية مختلفة تمامًا عما يسبقها ويتميز فيها, فجنونه يدفعه لاتباع شغفه للشخصية وهو يرضي هذا الشغف والفضول بالتأكيد بأكبر قدر ممكن أثناء العمل, فقط للوصول للأماكن المريبة في الشخصية التي تجعل منها قابلة للفهم, للتمكن من جعلها في حياة شخص آخر وتجسيدها أمام الكاميرا بتلك العبقرية.

أود أن أذكر أن أعظم الناس في التاريخ كبيكاسو وموزارت كانت عادة ما تعتبر غريبي الأطوار وتركوا مهنتهم تستولي على حياتهم, دانيال داي لويس هو بالتأكيد واحد من هؤلاء في عالم التمثيل.

وهنا نستعرض بعضًا من أدواره الخالدة:

للقيام بدوره في the boxer  تدرب داي لويس كملاكم حقيقي لحوالي سنتين, مدربه البطل السابق للملاكمة باري ماكجيجان لمح إمكانية أن يصبح محترفًا للملاكمة.

في دوره المأخوذ عن قصة حقيقية in the name of the father مكث في سجن معزول ثلاث ليالٍ ليبقى قريبًا ومتفهمًا لشخصية «جيري كونلان» وفي حديث له قال «لم أستطع النوم خلال الليالي الثلاث على الإطلاق بل استجوبوني بعدها تسع ساعات إضافية».

في فيلم the last of the Mohicans  عاش في البرية ستة أشهر تعلم خلالها صيد الحيوانات وسلخها, حتى أثناء التصوير كان يأكل فقط ما يصطاده ويأخذ معه بندقيته المستعملة في الفيلم أينما ذهب.

في فيلم the crucible  بنى المنزل الذي عاش فيه بأدوات في القرن السابع عشر – الوقت الذي تدور فيه أحداث الفيلم – حتى إنه لم يستحم منذ أول يوم تصوير حتى يبقى في الشخصية.

تعلم دانيال اللغة التشيكية لأجل دوره في the unbearable lightness of being، الفيلم المأخوذ عن الرواية الأشهر للأديب ميلان كونديرا الحاملة لنفس الاسم.

أما في رائعة بول توماس أندرسون there will be blood المأخوذة عن رواية «oil» ولتأدية دوره كدانيال بلاينفيو ذاك الشخص الذي يستخدم كل الطرق الممكنة وغير الممكنة ليحصل على ما يريد, تشعر بعنفه, قوته, قسوته, طموحه وطمعه الشديد, يكفي القول إن بول دانو الممثل المساعد قال «في المشهد الأخير, بدأ دانيال برميي جديًا بكرات البولينج حتى ارتطمت واحدة برجلي فعلمت أن الوضع سيصبح رهيبًا!».

أما عن دوره في Lincoln وبعد رفضه تأدية الدور لسنوات، وبعد إلحاح من ستيفن سبيلبيرغ لأداء الدور, عمل دانيال عامين بمفرده ليصل لنبرة صوت لينكولن وقرأ كتبًا عن أبراهام لينكولن حتى أصبح يعرف عنه ما لا يعرفه مؤلف الفيلم.

لكن من وجهة نظري دوره في My left foot  عام 1889 كان الأعظم والأهم له على الإطلاق, فدوره كـ«كريستي براون» ذلك الرسام المصاب بالشلل الدماغي الذي منعه من استعمال كافة جسده عدا قدمه اليسرى حتى تعلم كتابة الشعر والرسم بأصابع قدمه اليسرى, في ذلك الدور تحدى دانيال المستحيل حتى تمكن من أداء دور أكاد أجزم لو جاؤوا بمريض شلل دماغي لتأدية الدور لم يكن ليخرج بهذه المصداقية, ولكن بالنسبة لذلك الممثل العبقري فإصراره على تقمص الشخصية في الفيلم المذكور هو الأكثر جنونًا على الإطلاق حيث أصر على حمله بالكرسي المتحرك أثناء التصوير وبعده خلال أسابيع التصوير كافة وكانت النتيجة كسر ضلعين وجائزة الأوسكار الأولى له.

كل تلك الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر دليل على جنون وعبقرية داي لويس, فقط تخيل معي أن تعيش بشخصية سفاح يقود عصابة مثل بيل الجزار أو ذلك الرجل الذي يكره كل شيء مثل دانيال بلاينفيو, يقول دانيال مبتسمًا لزوجته الكاتبة والمخرجة ريبيكا ميلر بعد حصوله على ثالث جائزة أوسكار «أعتقد أن زواجي كان مختلفًا, فزوجتي قابلت شخصيات كُثرًا غريبي الأطوار».

لكن لتلك الطريقة في التمثيل عواقب قد تقود ذاك الشخص للجنون إذا لم يتحكم فيها.

نحن في عام 1989 – نفس العام الذي حصل فيه دانيال على أول أوسكار – ستعرض مسرحية هاملت على المسرح الوطني الإنجليزي «أوليفيير», داي لويس يؤدي دور هاملت بينما «جودي دينش» في دور جرترود, تبدأ المسرحية  لكن بعد فترة يخرج هاملت «داي لويس» خارج المسرح هادئًا, يقف طاقم العمل من المفاجأة, دانيال يسرع خارج المسرح ويرفض تأدية أي عروض أخرى لهاملت معتذرًا لجودي «رأيت روح والدي».

تجمع الصدفة مرة أخرى بعد 20 عامًا بين جودي دينش ودانيال داي لويس ولكن هذه المرة في السينما في فيلم Nine  وقبل التصوير يبعث دانيال برسالة لجودي قائلًا «لن أتركك مرة أخرى».

ما هو المشروع القادم لدانيال؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل