المحتوى الرئيسى

نار العلاج تحرق المرضى

10/02 11:55

الداخل مفقود والخارج مولود.. عبارة عن أن تزين بها عيادات الأطباء والمستشفيات فى مصر، فمن يكتب عليه القدر أن يذهب للطبيب سيحترق حتماً إما بنار الفيزيتا أو أسعار الأشعات والتحاليل، أو أسعار الدواء التى وصلت لمعدلات غير مسبوقة، وإذا لم يمت كمداً بكل هذا فسيموت بالتشخيص الخاطئ الذى يتبعه علاج خاطئ وقد يتعرض لخطأ طبى يودى بحياته، إذن فهو مفقود فى كل الحالات، وفى ظل فشل المنظومة الصحية وغياب الرقابة وانعدامها على العيادات الخاصة تبقى المشكلة قائمة، وعلى المواطنين اللجوء إلى الله لينقذهم من عذاب الطب والعلاج فى مصر.

«من لم يمت بالمرض مات بتكاليف العلاج وفيزيتا الطبيب»، حقيقة يحترق بها المرضى ويتجرعون مرارتها كل يوم، وكأن آلام المرض وحدها ليست كافية حتى تأتى أسعار الأطباء وتكاليف العلاج لتزيد من معاناتهم وتقتلهم فى كل مرة يفكر فيها أحدهم أن يتوجه إلى الطبيب، ونظرًا لتدنى مستوى الخدمات الطبية المقدمة فى المستشفيات العامة بكل أنواعها سواء كانت تابعة لوزارة الصحة أو الجامعات، فلا يجد المريض أمامه سوى العلاج الخاص سواء فى عيادة طبيب، أو مركز طبى متخصص، أو مستشفيات خاصة واستثمارية لا تهدف سوى للربح ولو على حساب المريض، فى حين تبقى المراكز الطبية التابعة لبعض المساجد أو الكنائس كملاذ أخير للمرضى الفقراء، ولكن قلة عددها وضعف إمكانياتها تجعل خدماتها مقصورة على عدد محدود من المرضى، بينما يعانى الباقون من الاستغلال الذى يصل لحد الجشع، هذا فى حين تقف نقابة الأطباء مكتوفة الأيدى لا تستطيع السيطرة على هذا الارتفاع الرهيب فى أسعار كشف أطبائها وأسعار الخدمات الطبية بشكل عام.

كما ارتفعت أسعار كل شىء فى مصر، ارتفعت أيضًا فيزيتا الأطباء والخدمات الطبية بشكل مبالغ فيه، حتى وصلت إلى 1500 جنيه لدى بعض كبار الأطباء، فى حين طال الارتفاع العيادات الطبية فى القرى والنجوع بما زاد من معاناة المرضى، وفى الوقت الذى تؤكد فيه الإحصاءات أن مصر يوجد بها 82 ألف منشأة طبية خاصة تستحوذ على 70% من الخدمة الطبية فى مصر، بينما المستشفيات العامة والجامعية تعانى من تدنى الخدمة الطبية، لذلك يجد المريض نفسه مضطراً للجوء للعيادات الخاصة لتوقيع الكشف الطبى عليه، وبالتالى فلا حيلة له سوى الخضوع للأسعار المرتفعة التى تصل فى بعض الأحيان إلى حد استغلال حاجة المرضى للعلاج، ورغم أن الدكتورة منى مينا عضو مجلس نقابة الأطباء أكدت لـ«الوفد» أن هذه الفئة التى تغالى فى أسعار الكشف لا تتعدى 0٫5 % من عدد الأطباء والذين يقدر عددهم بـ260 ألف طبيب تقريباً، إلا أن المرضى فى كل مكان تتعالى صرخاتهم من ارتفاع تكاليف العلاج التى ترهق جيوب المصريين وتزيد من معاناة المرضى.

الواقع يكشف حجم الكارثة التى يعانى منها قطاع الصحة فى مصر، حيث إن الحال المتردى فى المستشفيات العامة دفع المواطنين إلى التكالب على عدد من الأطباء حتى إن عياداتهم تستقبل مرضى من جميع محافظات مصر، حتى إن أحد الأطباء المتخصصين فى مجال الكبد والجهاز الهضمى بـ6 أكتوبر وصل كشفه إلى 1500 جنيه، بينما رفع معظم الأطباء قيمة الكشف لتصل إلى أرقام فلكية أرهقت المرضى وأسرهم، وهو ما تؤكده هبة أحمد التى توجهت بوالدتها إلى أحد أطباء القلب بمصر الجديدة لتفاجأ بقيمة الكشف التى وصلت إلى 700 جنيه والاستشارة بـ200 جنيه، وطبيب آخر للجهاز الهضمى بمدينة نصر ففوجئت بأنه يحصل على 350 جنيهاً للكشف و150 استشارة، وتتساءل كيف تستطيع ميزانية أى أسرة مهما كانت أن تتحمل كل هذه المبالغ، خاصة أن كبار السن يعانون من أمراض عديدة ومزمنة أى أنهم يحتاجون لمراجعة الطبيب أكثر من مرة خلال الشهر الواحد.

فى حين رفع ياسين سليمان يده بالشكوى إلى الله من ارتفاع تكاليف العلاج بعد أن امتنع منذ سنوات عن التعامل مع التأمين الصحى نظراً لسوء الخدمة به، ولم يجد أمامه سوى الأطباء، مشيراً إلى أن أقل كشف للطبيب المبتدئ أصبح 50 جنيهاً، وجنيهات المعاش القليلة لم تعد تستطيع مواجهة هذا الارتفاع فى كل شىء، خاصة أن المشكلة ليست فى قيمة الكشف فقط وإنما فى أسعار العلاج التى ارتفعت بشكل مبالغ فيه، وأسعار التحاليل والأشعة التى تختلف من معمل لآخر حسب المكان واسم المعمل.

وأمام مستشفى التأمين الصحة بـ6 أكتوبر توافد عشرات المرضى لتوقيع الكشف الطبى عليهم هرباً من ارتفاع أسعار الأطباء، إلا أن الشكوى كانت عامة من سوء الخدمة وضعف فاعلية العلاج وسوء المعاملة، وهو ما أكده عبدالفتاح عبدالنبى، العامل بهيئة النظافة الذى جاء يشكو من التهاب فى الأعصاب وبعد طول انتظار وصف له الطبيب دواء، ولكن الصيدلانية التى تعمل بصيدلية المستشفى رفضت أن تكتب له على الدواء عدد الجرعات ونهرته وطلبت منه أن يذهب للطبيب مرة أخرى، فما كان منه إلا أن خرج يطلب الشفاء من الله، وأضاف: «يعنى مش كفاية أن علاج التأمين ليس له أى فاعلية ونحصل عليه بعد عذاب إنما نعامل أيضًا معاملة سيئة»، وأكد أنه منذ عام امتنع عن استخدام علاج التأمين الصحى وأصبح يشتريه من الخارج بـ40 جنيهاً ولكنه فوجئ بزيادة سعره 100% فعاد مرة أخرى للتأمين الصحى والشافى هو الله.

أما محمود شحاتة، صاحب الإعاقة فى قدمه فقد أصيب بكسر فى ذراعه وتوجه للمستشفى لتجبيره وبعد طابور طويل و4 أيام من الانتظار تم تجبير الذراع مقابل 4 جنيهات فقط، فى حين أن سعر هذه الخدمة فى أى عيادة خاصة لا يقل عن 300 جنيه، وتساءل: لماذا لا يتم معاملة المعاقين معاملة خاصة فى التأمين باستثنائهم من الطوابير، وتقديم الخدمة لهم بسرعة، فأمثالنا لا يستطيعون احتمال ساعات الانتظار والتوجه للمستشفى لأيام عديدة، فأين الرحمة؟

وعلى الرصيف، جلس محمد رجب مريض القلب يلتقط أنفاسه ويشكو تكاليف العلاج الباهظة التى لم يعد أجره يستطيع مجابهتها، فعلاج القلب غال والعملية التى تم إجراؤها له لم تشفه تماماً، ومطلوب منه علاج بـ205 جنيهات فى كل مرة وبما أنه يحتاج لعلبتين من الدواء أى أنه يدفع 410 جنيهات كل شهر للعلاج، والدواء الذى يصرفه التأمين الصحى ليس له أى نتيجة، لذلك استقطع من أقوت أولادى لأشترى العلاج وربنا يرحمنا مما نحن فيه.

وأمام أحد المستشفيات الخاصةن التقينا محمد عبدالسلام، الرجل الأربعينى، الذى يعانى من جلطة فى القدم، ولأنه ميسور الحال فقد توجه للمستشفى الخاص لتلقى العلاج فكلفه هذا 22 ألف جنيه للحجز فى المستشفى لمدة 3 أيام وتذويب الجلطة، ولكنه تساءل عن حال الفقراء فى هذا البلد قائلاً: الحمد لله أنا أستطيع أن أدفع هذا المبلغ أما من لا يستطيع فماذا يفعل؟

الغريب أن عدوى التهاب تكاليف العلاج لم تقتصر على القاهرة فقط، ولكنها وصلت للمحافظات أيضاً، حيث رفع أحد أطباء الجهاز الهضمى بمحافظة القليوبية قيمة الكشف من 100 إلى 150 جنيهاً والاستشارة بـ50 جنيهاً، وطبيب آخر للقلب رفع الكشف إلى 200 جنيه مما زاد من معاناة المرضى، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار معامل التحاليل والأشعة. والمعاناة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تزيد مع اشتراط الأطباء التوجه لمراكز بعينها لإجراء الأشعة والتحاليل، وهناك أطباء لا يعترفون بأى تحاليل أو أشعة تجرى فى أى معامل غير تلك التى يوصون بها، بل إن الأمر وصل لحد تعاقد الأطباء مع صيدليات بعينها لشراء الدواء منها.  وعن معامل التحاليل والأشعة، فحدث ولا حرج فالأسعار تختلف من معمل لآخر حسب نوع التحليل ومكان المعمل ومدى شهرته، فمثلاً تحليل وظائف الكلى فى أحد المعامل يصل إلى 150 جنيهاً، بينما فى معمل آخر يصل إلى 180 جنيهاً، بينما هناك  ثالث يصل إلى 220 جنيهاً، وفى التأمين الصحى ومستشفيات الحكومة الأسعار تقل عن ذلك بكثير، بل إنها مجانية تماماً ولكن معاناة الانتظار وسوء المعاملة هى الثمن الذى يدفعه المريض.

نقابة الأطباء تلقت شكاوى عديدة من المواطنين بسبب هذه المغالاة فى رسوم تقديم الخدمة الطبية للمرضى مما جعل مجلسها يشكل لجنة لوضع حد أدنى وأقصى لتقديم الخدمة الطبية، كما تم إرسال مذكرة لإدارة العلاج الحر بوزارة الصحة لتقديم دراسات خاصة بهذا الصدد، وهو ما أكدته الدكتورة منى مينا والتى أشارت إلى أن المشكلة الحقيقية التى جعلت فئة قليلة من الأطباء تغالى فى أسعارها بهذا الشكل هى تدنى الخدمة الطبية فى المستشفيات العامة، مما جعل الناس يضطرون إلى اللجوء للعيادات الخاصة، وأضافت فى إنجلترا مثلا العيادات الخاصة لا تقدم سوى 2% إلى 3% من الخدمة الطبية لأن المستشفيات العامة تقدم خدمة جيدة، أما فى مصر فالوضع معكوس ودائما ما يلجأ المواطنون إلى العيادات الخاصة بسبب سوء الخدمة الطبية العامة، ولذلك تطالب بضرورة تحسين الخدمة فى المستشفيات وإيجاد نظام صحى يقدم خدمة صحية محترمة بما لا يسمح باستغلال المريض، وأضافت أن النقابة بالتعاون مع الجمعيات العلمية ستقوم بوضع أسعار استرشادية للأطباء، ولكنها لن تستطيع ان تفرض رقابة حقيقية على المغالين لأن أسرة المريض فى معظم الأحيان ترفض التعاون معنا والإفصاح عن القيمة الحقيقية لما دفعوه لدى الأطباء، خاصة فى حالات الجراحة وتخصصات الرمد والعظام وجراحة القلب والعمود الفقرى.

من ناحية أخرى كشف الدكتور محمد نصر رئيس لجنة الصحة بالوفد ومقرر لجنة التسعير بلجنة اعداد قانون التأمين الصحى الجديد أنه لا توجد فى مصر تسعيرة للخدمة الطبية، ولا توجد لها أى محددات، لذلك رأينا فى قانون التأمين الصحى الشامل عمل تسعيرة استرشادية للخدمة الطبية والعمل بنظام الوحدات خاصة فى العمليات الجراحية، على ان تكون سعر الوحدة 200 جنيه وكل عملية جراحية يحدد لها عدد من الوحدات بما يحدد لها قيمة معينة، فمثلا عمليات القلب المفتوح ستشمل 80 وحدة أى أن سعرها 16 ألف جنيه بالإضافة إلى مصاريف المستشفى وهكذا، ولكنه أكد أن هذه التسعيرة ستكون استرشادية وليست اجبارية ولكنها شاملة لكل الخدمات الطبية.

وبعيدا عن مغالات العيادات الخاصة ما زالت المستشفيات والمراكز الطبية التابعة للمساجد والكنائس تنافس العيادات الخاصة فى تقديم خدمة طبية جيدة بأسعار معقولة، حتى أصبحت لمستشفيات مساجد الجمعية الشرعية وأنس بن مالك والنور المحمدى بشبرا شهرة خاصة، بينما مستشفيات كنائس مار جرجس والراعى الصالح وغيرها تعتبر ملاذا للمسيحين والمسلمين على السواء، وتقدم هذه المستشفيات الخدمة الطبية بأسعار تتراوح بين 30 إلى 50 جنيها للكشف، مع عمل الأشعة والتحاليل بأسعار معقولة ولكن ضعف إمكانياتها فى حالة الجراحات، والزحام الشديد يعتبر أهم مشكلاتها، والحل كما أكد الخبراء يكمن فى نظام صحى جيد يضمن تقديم خدمة جيدة فى المستشفيات العامة ويقى المواطنين شر استغلال المستشفيات الخاصة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل