المحتوى الرئيسى

إحداهن هجرها زوجها.. قصص مصريات هزمن السرطان واحتفظن بأنوثتهن

10/01 19:58

انقسام في خلايا أنسجة الثدي وتمرد على أنظمة التحكم الطبيعية بالجسم، يعقبه انقسام في الأسرة وفراق بين المحبين، من فوقه موت معنوي، وانتظار لأجل لم يحن موعده بعد، وبعث جديد.. بطله إرادة نسائية ترفع رايتها على جثة السرطان المستعمر لجسدها، وثقافة علاجية غائبة عن مجتمع لا يعرف المرض إلا من خلال إعلانات جمع التبرعات، ومن بعيد يقف طبيب يقاوم وحشًا ينهش قلوب الإنسانية قبل أجسادها.

كل البشر يخافون المرض وعندما يصاب المرء، يتحول إلى عبء ثقيل على كل من حوله؛ ولكن ما هو الحال عندما يكون هذا المرض هو السرطان اللعين؟.. صدمة ما بعدها صدمة، تتحطم الآمال والأحلام وتصبح الدنيا سوداء أمام المريض الذي يعاني بجانب مرضه قسوة من حوله، فقد يهجره شريك العمر ويهرب الأصدقاء ويموت قبل الأوان.

فمن منا عندما يرى إعلانات التبرع لمرضى السرطان لا يقشعر بدنه ويتفتت قلبه وجعًا عليهم، وقد تلوم نفسك إن تحدثت أو تناولت طعامك أثناء سماعك أنين وشكوى أصحاب المرض، بل قد تُغير القناة التليفزيونية من الأساس كما يفعل الكثيرون منا.

لا يكتفي المرض بالتمكن من جسد الإنسان، ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك حيث إحباط المريض وأسرته؛ بل يستمر في جبروته أثناء العلاج منه ويتحدى كمحتل اغتصب أرضًا رافضا الخروج منها، فتضعف قوة المريض ويتشتت ذهنه وينتشر في جسمه، ويستأصل من جسم المريض ما يختاره هو، ويمنع المريض من الاختلاط بالناس، ويتركه شاحب الوجه، نحيل الجسم، فاقدًا للشهية وهذا أيضًا بعد أن تتغير ملامحه تمامًا، عقابًا على محاربته له. 

ويعتبر سرطان الثدي من أكثر الأورام انتشارًا بين الإناث، إذ يمثل 30% من مجموع سرطانات الإناث في مصر، فهو ثاني أكثر الأمراض السرطانية انتشارًا في العالم، ولكن ما أسباب سرطان الثدي ومدى خطورته وما طرق العلاج وأهمية الكشف المبكر؟

قبل كل هذا لابد أن نعرف أن سرطان الثدي هو عبارة عن انقسام خلايا أنسجة الثدي ونموها دون الخضوع لأنظمة التحكم الطبيعية في الجسم، وقد تغزو هذه الخلايا النسيج المحيط بالثدي، كما يمكن أن تنتقل لأجزاء الجسم عن طريق الدم أو الجهاز الليمفاوي إذا لم يتم علاجها.

وتتمثل أعراضه في وجود كتل أو أورام بالثدي، ونزول إفرازات مدممة من حلمة الثدي، أو وجود تورم في الغدد الموجودة تحت الإبط، أو كبر حجم الثدي، وللأسف غالبًا ما تظهر هذه العلامات في مرحلة متأخرة من المرض، وهنا تكمن أهمية الفحص الدوري والكشف المبكر.

جدير بالذكر أن خطر الإصابة بسرطان الثدي يتضاعف بوجود قريبة واحدة من الدرجة الأولى أي أم أو أخت أو ابنة مصابة بالمرض، أما في حال وجود قريبتين من الدرجة الأولى فيزيد خطر الإصابة إلى 3 أضعاف.

وقد يصاب الرجل به أيضًا، علما بأن حوالي 1 من 5 من الرجال المصابين بسرطان الثدي لديهم قريب أو قريبة مصابة بالمرض.

وفي هذا التحقيق سنعرض لكم نماذج مختلفة من نساء أصبهن السرطان، خاصة سرطان الثدي، حيث تشكل تجربة كل امرأة حاربت المرض وتغلبت عليه - على طريقتها - فارقًا كبيرًا بالنسبة إلى أخريات فتمهد الطريق لهن ليقمن بالمثل ويواجهن المرض بشجاعة وعزم وإرادة.   

وسنعرف حكايات مختلفة فمنهن من تخلى عنها الزوج وتزوج بأخرى، وأخريات كن ضحية جهل الطبيب وسبب لهن مشاكل صحية أخرى كثيرة، وواحدة منهن تركها خطيبها خوفًا من أن يصاب أبناؤه في المستقبل من نفس المرض، وهناك من نجحن في تخطي الصعوبات بفضل دعم الزوج والأسرة، كل سيدة في هذا الموضوع هي بطلة، كل واحدة منهن لها قصة تقشعر لها الأبدان وإذا تحولت قصة منهم لفيلم سينمائي لوصفته بأنه فيلم هندي غير واقعي ولك كل الحق.. كما سنعرض شكواهن من غياب التوعية عن هذا المرض مما سبب لهن مشاكل صحية أخرى..

خطأ طبيب كاد يودي بحياتي 

لم تكن تعرف أن الابتلاء موكل بالنطق، فحدث لها ما كانت تخاف أن يحدث لأطفالها، حصد المرض صحتها ومع الإهمال الطبي تآكل أربعة ضلوع من القفص الصدري، وحرمها هذا من احتضان أولادها، إلا أنه لم يأخذ ابتسامتها وصلابتها. 

نشوى صالح ٤١ عامًا تحكي رحلتها مع المرض، فابتسامتها وإيمانها تقول: "كنت عندما أشاهد إعلانات شهر رمضان السيئة عن مرض السرطان، أقول (يارب لو مقدر لينا خليه في مش في حد من ولادي).

قبل 8 سنوات، اكتشفت نشوى إصابتها بالمرض، وتقول "بدأت قصة اكتشاف المرض في السنة الـ33 من عمري، أثناء رضاعة ابني الثاني حيث وجدت احمرارًا في الثدي وإحساسًا بوجع شديد جدًا فقصدت طبيب جراحة عامة وأوعية دموية، وشّخص حالتي في بادئ الأمر على أنه خراج، وطلب في البداية كورس مضاد حيوي، بعدها بـ ٤٨ ساعة، قرر فتح الخراج، فاكتشف أنه ورم، أعطاه لزوجي وطلب منه فحصه وتحليله".

وتتابع نشوى: "مرت أيام من القلق والخوف حتى وجدت جميع من حولي يفرون مني ويهربون من سؤالي وإلحاحي، زاد قلقي وارتيابي، فسألت زوجي فأخبرني بصراحة ممزوجة بالخوف على (أنتي عندك سرطان)".

وكانت اللحظات الصعبة بالنسبة إلى نشوى عندما اكتشفت مرضها، فقد صدمها أن تكون مريضة بهذا المرض ولديها أطفال في سن صغيرة بحاجة إلى رعايتها، مؤكدة "أصعب ما في المرض هو أن أبلغ والدتي، وبعد تردد وتفكير طويل أخبرتها وحرصت أن أطمئنها، وجلست أبكي يومًا كاملاً".

"الصمت يطبق على المكان، الجميع في حذر، توضأت وصليت العشاء وأعقبتها بركعتين قضاء حاجة، سرت الطمأنينة في قلبي، لدرجة أنني كنت أضحك مع الأطباء ودخلت غرفة العمليات، وعندما وجدت أن جهاز القلب به عطل قلت ضاحكة للدكتور واضح إن مليش نصيب النهاردة أجي لكم بكرة"، هكذا وصفت نشوى عمليتها.

وتابعت نشوى: "بعد العملية بدأت مرحلة العلاج الكيماوي، وكان أكثر ما يؤرقني فيه هو الاكتئاب ولم أكن أعرف أن الاكتئاب أحد الأعراض الجانبية للكيماوي، والذي كان أصعب وأكثر ألمًا من الكيماوي نفسه، ولكن لم يبلغني الطبيب بهذا ولا بكيفية التعامل معه".

وقالت نشوى: "بعد الانتهاء من جلسات العلاج الكيماوي، بدأت أغرب رحلة في حياتي وهي الإشعاع، فبعد الجلسة الثامنة بدأ ظهور صديد وطالبني الطبيب بالتوقف، وشّخص الحالة بأنها خُراج وطلب إجراء عملية تنظيفية، ولكن أثناء رحلة العلاج الإشعاعي تكرر الصديد 5 مرات، ونتج عن ذلك استمرار رحلة العلاج الإشعاعي 6 أشهر، نتيجة التوقف المستمر بسبب الخراج، وكنت أعيش على المسكنات من شدة الآلام، وكنت أنام 3 أيام متواصلة، وكانت أشعر بآلام لا توصف في عظام منطقة الصدر، وشّخص الطبيب هذا بأن سرطان الثدي انتشر في العظم،  طلبت من الطبيب مرارًا وتكرارًا عمل أشعة مقطعية على منطقة الصدر لاكتشاف سبب الألم ولكنه رفض تمامًا وهذا كان شيئًا مزعجًا لي وهو عدم سماع الطبيب لشكوى المريض".

وتابعت "وبعد الجلسة الثامنة والعشرين، قرر الطبيب زيادة عدد الجلسات إلى 3 جلسات لتعويض فترات التوقف، وفي الجلسة الأخيرة قرر عمل أشعة مقطعية ليكتشف تآكل ٤ ضلوع من القفص الصدري وتكوين ورم، ووقتها قرر الطبيب (ترك الحالة) وطلب مني الخروج من المستشفى، فقصدت طبيب أورام آخر وقرر عمل العملية وذهبت إلى المستشفي لأكتشف أن الطبيب كذب في تخصصه وأنه ليس بطبيب أورام بل طبيب قدم سكري!!".

وقررت نشوى التوجه إلى مستشفي قصر العيني لقسم جراحة القلب والصدر، وبعرضها على طبيب أمريكي تصادفت زيارته إلى المستشفى، اختار حالتها للجراحة من ضمن حالتين، ودخلت العمليات لمدة ٩ ساعات، استأصلوا فيها 4 ضلوع تحمي القلب واستبدلهم بشبكة لحماية القلب.

وبعد العملية وبرنامج العلاج، عاد الصديد مرة أخرى، وبالعودة للطبيب.. كان رده "مليش دعوة.. إحنا فوقناكي من العملية بالعافية"، وتضيف نشوى "تم احتجازي في المستشفي واستدعوا الطبيب الأمريكي، وقرر إدخالي غرفة العمليات والمتابعة من خلال مكالمة فيديو وقالوا إن نسبة النجاح ٣٠٪ فقط، فقررت عدم الخضوع للعملية لأن أطفالي صغار واخترت طريق الاعتماد على المضادات الحيوية".

وأكدت نشوى أنه بعد العودة بيوم واحد من أداء العمرة، قررت الدخول لغرفة العمليات رغم أن فرصة نجاحها كانت ٣٠٪، ولكنها اضطررت لذلك بسبب استمرار الصديد، وأزالوا الشبكة الحامية للقلب، وتتذكر نشوى "لا أنسى وأنا في غرفة العمليات، عندما سأل طبيب التخدير الجراح عن التخدير فأجاب الجراح (أنا أصلاً مش عارف أنا هعمل إيه)". 

وتتابع "كانت المفاجأة أن السبب في كل هذه المشاكل هو أن طبيعة جسمي وعظامي لا تتحمل العلاج الإشعاعي، ولكن أغفل الطبيب المعالج كل العلامات السيئة أثناء متابعة العلاج الإشعاعي، وأعيش الآن بقلب لا يحميه شىء وغير قادرة على احتضان ابني الصغير، وأضطر أن أصده عندما يرمي نفسه في أحضاني".

زوج داعم في كل لحظة

بدت التجربة التي مرت بها نشوى أسهل بفضل زوجها الذي كان الداعم الأكبر لها، فقد كان يرافقها دومًا إلى المختبرات والمستشفيات لإجراء الفحوص والخضوع للعلاجات وإلى عيادات الأطباء، وكان يهدئها حتى لا تشعر بالتوتر بسبب وضعها، ويرعى الأطفال. 

وتنصح نشوى صالح كل المرضى: "السرطان مش آخر الدنيا ولا هو مرادف الموت، السرطان محنة.. ربنا يخصك بها ليميزك.. السرطان بداية جديدة لحياة جديدة.. بعد السرطان نولد من جديد.. بعد الألم أمل".

وتعاتب نشوى الإعلام التوعوي، الذي تنازل عن دوره واكتفي بأن يكون منبرًا للإعلان وجمع التبرعات، مُبديًا أن مرضى السرطان سيموتون لا محالة، ولا يقدم أي توعية عن المرض ولا عن العلاج وآثاره الجانبية، ولا يدعو للحياة، وأتمنى أن تكف وسائل الإعلام عن عرض تلك الإعلانات الكئيبة.

فايزة حسن، ربة منزل، وأم لـ3 بنات، تعرضت لإهمال طبي جسيم عندما اكتشفت المرض في عام 2014، وكان في الثدي الأيسر وبدأت في عمل أشعة المنوجرام والسونار، وظهر الورم في الأشعة، ووقتها قررت الطبيبة أخذ عينة وبدأت رحلة العذاب، فدخلت حجرة العمليات وتبين بعد أخذ العينة أنه ورم خبيث، وفي هذا الوقت كانت تستعد لزواج ابنتها الكبرى ولأجل الظروف المعاكسة لم يعالجها الدكتور بالشكل الجيد.

وتقول فايزة: "كنت أتناول المضادات الحيوية حتى يجف الجرح، وبدأت آثار العملية تؤلمني وفي هذا الوقت كنت أخضع للعلاج الكيماوي، وبعد أكثر من 6 جلسات فقدت شعري كله، ولكن ساءت حالتي، ووقتها قرر الطبيب إجراء عملية استئصال كلي للثدي، ولم يجد الطبيب أوردة لتركيب الكانيولا، وبدلاً من أن يدخل الكيماوي لجسمي دخل على الرقبة، وقلت لهم إن العملية بها خطأ حتى دخلت غرفة العمليات مرة أخرى، وتأكدوا من خطأهم وفي نفس اليوم تم حقن  الكيماوي في الوريد، وخضعت لـ 25 جلسة علاج إشعاعي، ثم علاج هرموني، ولازلت في مرحلة العلاج.

ليس سهلاً على أي امرأة أن تتقبل إصابتها بسرطان الثدي، فإلى جانب المخاوف التي تتكون لديها حول المرض وخطورته واحتمال تطوره، تتأثر أنوثتها به، هواجس كثيرة تتملك المرأة مع إصابتها بسرطان الثدي، فيقلب عالمها رأسًا على عقب، وغالبًا ما تعتبر هذه المرحلة مرحلة انتقالية تبدل حياتها وشخصيتها ككل.

السيدة حنان واجهت المرض وعاشت هذه التجربة كأي امرأة أخرى أصيبت بسرطان الثدي، لكن اللافت أنها تمكنت من مواجهته بشجاعة كبيرة، بحيث إنه لم يتمكن من تحطيمها بل على العكس جعلها أكثر قوة فانطلقت من التجربة التي عاشتها بإيجابية لتساعد نساء أخريات يمررن بالتجربة نفسها من خلال انضمامها لفريق دعم مريضات بالسرطان. 

حنان زوجة وأم لـ3 أولاد تعمل مُدرسة رسم، تركت عملها بسبب حالتها الصحية وتحكي لنا عن تجربتها فتقول: أجريت عملية استئصال للغدة الدرقية عام 1999، وحدث خطأ تسبب في شلل بالأحبال الصوتية وعدم القدرة على التنفس بسهولة، ومن وقتها وأنا بين المستشفيات والأطباء وأجريت عمليتين في الحنجرة، ومنذ 3 سنوات في رمضان 2013، شعرت بجسم صغير في الصدر بحجم الزيتونة فذهبت للأطباء للاطمئنان فأخبروني أنها مجرد التهابات بالغدد، وأخدت علاج ولكني لم أشعر بأي تحسن بل ساءت حالتي وكنت أتألم بشدة. 

وذهبت لمكان آخر للعلاج فأصابني الإحباط فتحدثت مع دكتورة حديثة التخرج، وعرفت منها أنه ليس مستبعدًا أن أكون مريضة بالسرطان، وذهبت بالفعل لطبيب جراحة أورام ثدي وهناك أخبرني الحقيقة المفزعة (أنا عندي سرطان).. لم أشعر بمن حولي كان معي أخي الكبير وزوجته وهم أول من عرفوا بمرضى لم أبكِ بعيني ولكن قلبي كان ينزف خوفًا على أولادي؛ ولكني آمنت بأنها منحة من الله يختبر بها إيماني وأنه رزقني هذا المرض وهو يعلم أني قادرة على تحمل الآلام. 

ومع بداية أول جرعة كيماوي أحسست برهبة وخوف؛ لأنه كان مجهولاً بالنسبة لي ومرت الجلسة الأولى ورجعت إلى منزلي بالشرقية منهكة ومتهالكة وبعد مرور يومين بدأت أتحسن نوعًا ما ومع كل جرعة كيماوي كان هناك ألم مختلف، وكنت كل مرة أفقد القدرة على التنفس والضغط يقل وكان الطبيب يهرع لنجدتي ليعطيني حقن لأتنفس، وكان الدكتور يظل بجانبي خوفًا علي من ضيق نفسي. 

وأكثر ما كان يؤلمني هو عدم قدرتي على مراعاة أولادي بل كنت عبئًا عليهم وشعرت بإحباط شديد، خصوصًا عندما وقع شعري فأحسست أنني فقدت نفسي ونظرت مرة في المرآة ولم أعرف نفسي فهذه التي أمامي ليست أنا وبكيت بمفردي دون أن يراني أحد، وفي يوم أحضر لي أخي باروكة وكنت ألبسها، وكان ابني الصغير يقول لي (أنتي جميلة كده والله يا ماما).

وكانت ابنتي دائمًا تقول لي (أنتي ملاك زي الطفل الصغير المولود)، فكان أبنائي هم الدافع لشفائي رغم رحلة العلاج الصعبة والتي كانت ما بين إحباط وإصرار، بسبب آلام ما بعد الكيماوي خصوصًا أنه تسبب لي في تكوين حصوة بالمرارة حرمتني من بعض المأكولات ومن رعاية أبنائي، وأكثر الصعوبات التي واجهتها هو تشتت أولادي وأنني أصبحت عبئًا عليهم وأيضًا السفر من الشرقية للقاهرة.

أكثر ما آلمني هو إحساسي بالوحدة وأنني لم أعد احتمل الحياة بهذا الألم، بالإصافة إلى نظرة بعض الناس وخوفهم من مجرد سماعهم بالمرض، وعلى الرغم من رحلة العلاج الصعبة فقد كنت استقبل جرعة الكيماوي بالهزار والضحك مع كل الموجودين بالمستشفى، وكنت أعمل على التخفيف عن المرضى الجدد فكان تخوفهم كبير من فقدان شعرهم بسبب الكيماوي، فكنت أعلق على هذا قائلة إنه نيولوك، فكنت أشجع نفسي معهم، وبعد ذلك أجريت عملية جراحية لاستئصال الثدي ولكن تخوف الأطباء من العملية بسبب التنفس وعملت عملية شق حنجري وركبت جهاز برقبتي لأستطيع دخول حجرة العمليات.

وخرجت من العمليات وبدأت رحلة العلاج الإشعاعي وبدأ الخوف والألم من جديد وخضعت لجلسات الإشعاع بالإسماعيلية ومرت - الحمدلله - فترة الإشعاع بسلام، وأخضع الآن للعلاج الهرموني. 

وأحب أقول لكل مريضة بالسرطان.. المرأة تبقى امرأة مهما حدث وهذه تفاصيل يجب عدم التركيز عليها، ثمة تفاصيل أخرى يمكن أن توليها المرأة اهتمامًا غير مسألة شعرها، أنتي جميلة بشعرك أو بدونه والمرض هدية من الله وهزيمته بالإصرار والإرادة ستجعل منك إنسانة جديدة.

قد تشعر المرأة بالضعف في تجربة من هذا النوع، فتشعر بالحاجة إلى مساندة كل من حولها ولكن في حالة سارة لم تشعر ولو للحظة بالضعف رغم تخلي خطيبها عنها، وبقيت قوية طوال فترة مرضها لتعكس قوتها هذه على من حولها. 

وقت صعب ذاك الذي تبدأ فيه المرأة بالتحضير لتكوين أسرة، ثم تكتشف سارة مرضها، سارة 33 سنة حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال أصيبت بسرطان الثدي عام 2014، ووقتها كانت مخطوبة وتقول: "عندما شعرت بألم في الثدي الأيسر، ذهبت إلى الطبيب للاطمئنان وشّخص حالتي بأنه ورم حميد وطلب مني عمل أشعة المنوجرام، فذهبت إلى معمل للتحاليل الطبية وكانت المفاجأة أن تقول لي طبيبة الأشعة، بأنه ورم خبيث وليس حميدًا، ونصحتني بأن أقوم بسحب عينة للتأكد، وخرجت بعدها وأنا أضحك وفي حالة ذهول وبحثت عن معمل لسحب عينة وبعد أسبوع ظهرت النتيجة وأكد الطبيب أنه ورم خبيث، ونصحني بإجراء عملية في أقرب وقت.

وأخبرت خطيبي بحالتي وطلبت منه إنهاء الارتباط ولكنه رفض وأصر على إتمام الزواج، وقمت بإجراء العملية وبعدها بشهر ذهبت للطبيب المعالج وشرح لي رحلة العلاج فأخبرت خطيبي بأن الزواج سيتأخر عام حتى يتم العلاج بناء على ما قاله الطبيب، والإنجاب لن يكون إلا بعد خمس سنوات لإنهاء العلاج الهرموني، وإنني سوف أذهب لطبيب آخر لأتأكد من ذلك، وتأكدت بالفعل وخضعت بعدها لأول جلسة كيماوي، ومرت الأيام وانتظرت أن يتحدث خطيبي ولكن لم يقم بالاتصال بي حتى جاء اليوم الذي أخبرني فيه بأنه عرف من صديق له صيدلي أنني لو أنجبت بعد ذلك سوف أنجب أطفالاً مصابين بالمرض وأنهم سوف يموتون وأنه كان يريد الزواج والإنجاب في أقرب وقت.. وأنهى الخطوبة.

التمسك بالله كان يغنيني عن الخطوبة ولعله أفضل من حال آخر، ووقف أهلي وأصدقائي بجانبي، وبدأت رحلة العلاج مع الكيماوي بثقل دمه، ومن بعده العلاج الإشعاعي ثم الهرموني، وبدأ معهم التغيير في نظرتي للحياة، لم استسلم للسرطان حتى لا يأخذ مني أكثر مما أخذ، فكنت بعد خضوعي لجلسة الكيماوي بـ3 أيام أذهب إلى عملي وبعد إنهاء الإشعاع بيوم، انتظمت تمامًا في العمل، وقررت أن استمتع بكل ما كتبه الله في الحياة بحلوها ومرها.

انتهت سهير فتحي، متزوجة ولديها بنتان وولد، من العلاج الكيماوي والإشعاعي والهرموني والذي استمر لمدة 5 سنوات، وأجرت عملية استئصال ثدي، وعن بداية اكتشافها للمرض فتقول: "اكتشفت المرض بالصدفة بعد أن شعرت بورم بسيط جدا، فلجأت إلى دكتور أورام وطلب مني إجراء أشعة منوجرام وسونار وبعد الأشعة تخوفت الطبيبة من أن يكون ورمًا خبيثًا، فاتصلت بالطبيب لأبلغه فطلب مني عينة لتحليلها".

وتتابع ذات الـ 60 عامًا: "في اليوم التالي ذهبت إلى دكتور لأخذ العينة وجاء يخبرني بضرورة إجراء عملية خلال يومين لأن هذا النوع نشط وشرس، ووقتها تأكدت من ظنوني بأنني مصابة بالسرطان؛ ولكن لم أشعر بالانزعاج وحمدت الله على هذا الابتلاء، خاصة أنه لم يمض على ارتدائي للحجاب سوى أشهر قليلة فشعرت أن الله تقبل توبتي وغفر لي فابتلاني ليختبرني، وفي خلال يومين أجريت العملية وست جلسات كيماوي و25 جلسة علاج إشعاعي، وخلال تلك الفترة فقدت كل شعري ولكن وجود أبنائي بجانبي شجعني على الاستمرار والتمسك بالأمل".

وأضافت: "وسمعت عن إحدى المؤسسات التي تكافح سرطان الثدي، وذهبت إلى هناك لأجد ورش وكتيبات عن كيفية التعامل مع المرض ولولا توجيهات الموجودين والكتب والتمرينات كنت سأفقد القدرة على الاستمرار، وحتى الآن لازلت أتابع معهم ورجعت إلى عملي، وكنت أجري متابعة كل شهرين ثم كل ستة شهور والآن كل سنة".

وتضيف سهير أن أصعب موقف مر عليها كان أثناء رحلة العلاج عندما ذهبت للمتابعة، وطلبت الدكتورة إجراء أشعة مقطعية بالصبغة على الصدر، فاكتشفت وجود ورم آخر على الرئة في حجم رأس الكبريت وكانت صدمة كبيرة، مؤكدة أن الطبيب المعالج أصيب بذهول؛ لأنه من المستحيلات ظهور ورم جديد أثناء العلاج بالكيماوي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل