سهرنا يا ليل.. محاولات الوصول للكمال الفني(2).. أسماء مكررة وألحان تركي

غابت إليسا عامين وعادت بألبوم "سهرنا يا ليل" الذي يتضمن 16 أغنية، وهو عدد كبير ربما أرادت من خلاله أن تعطي تميزا لألبومها الذي يحمل رقم 10 في مسيرتها الغنائية التي وصلت لأكثر من 15 عاما، لكن التميز العددي لم يكن هدف إليسا الوحيد، حيث فضلت أن تقدم عدد متنوع وكبير من الحكايات الغنائية المعتاد تقديمها منها والجديد عليها في محاولة جادة لإرضاء الأذواق المختلفة من الجمهور، دون أن تدرك أنها من الممكن أن تكون وجبة دسمة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

أرادت إليسا من خلال "سهرنا يا ليل" أن تؤكد على نضجها الفني واختلافها عن ذي قبل، وهو بالفعل ما ظهر في الألبوم ولكنه كان هناك بعض التشتت، لتخرج بعض الأغاني بشكل لا يتناسب مع إليسا، ولكن قد يصلح مع مطربات أخريات.

ونظرا لأن عدد أغاني الألبوم كثير وأيضا نظرا لأن كل أغنية به تحمل طابعا خاصا، نستعرض عبر عدة تقارير تحليلية أغاني "سهرنا يا ليل" لنحاول أن نعرف ماذا قدمت المطربة اللبنانية في هذا العمل الفني الذي استغرقت فيه عامين كاملين.

وفي الحلقة الثانية نوضح كيف سعت إليسا بجدية في البحث عن قصص غنائية مختلفة، وهو المضمون الذي تلعب عليه دائما حيث تبحث طوال الوقت عن قصص مميزة ونماذج لامرأة رومانسية أو مقهورة أو "متمردة" أو حتى "عكس اللي شايفينها" وهي خطوات نضوج مهمة يؤكدها رغبتها الملحة في الدخول لمناطق لم يسبقها أحد إليها ويحسب لها ذلك، ولكن في رأيي أن ما أفسد هذه الخلطة بعض الأغاني التي حملت كلمات ضعيفة وأخرى بأسماء مكررة بل وأبيات مكررة من أغاني أخرى.

حتى الآن لا أجد سببا منطقيا يدفع إليسا لإعادة استخدام لحن تركي لأغنية قدمت في عام 2014 وحققت نجاحا كبيرا ووصلت نسبة مشاهدتها إلى ما يقرب من 28 مليون مشاهدة، فمن المؤكد أن الشاعر نادر عبد الله كان باستطاعته كتابة الأغنية على لحن رومانسي أخر لكن التعامل بمنطق أن اللحن "متخلقش غيره" وضع العديد من علامات الاستفهام لاسيما وأن كلمات الأغنية تحمل قدر عالي من الرومانسية.

بالإيقاع المقسوم وإلانترو المميزة واللحن الخفيف على الأذن جاءت أغنية "أغلى الحبايب" لتمل حالة شجن مختلفة رغم بساطة بعض الكلمات التي كتبها الشاعر أحمد الجندي مثل "أغلى الحبايب اللي عن حياتي غايب" وهي جملة استخدمت في أكثر من أغنية لعل أبرزها أغنية تحمل نفس الاسم للفنانة نوال الزغبي قالت أيضا في بدايتها "تبقى أغلى الحبايب مهما تبعد يا غايب" وكان ذلك عام 2012.

تقع اليسا مجددا في نفس الألبوم في فخ تكرار اسم الأغنية حيث قدمت أغنية تحمل نفس اسم ألبوم المطرب تامر حسني الذي طرح قبل منها بشهرين تقريبا، ومع ذلك لم تلتفت إلى أهمية تغيير الاسم، كما لم تلفت نظرها الشركة المنتجة التي قامت بإنتاج العملين.

بخلاف ذلك نستطيع أن نقول أن توزيع تميم جاء مميزا حيث حرص على استخدام موسيقى الهاوس ليجعل لهذه الأغنية شكلا كما أنه أحيا لحن مدين، أما بالنسبة للكلمات فجاءت عادية بالإضافة إلي بعض الجمل التي وضعت لزوم السجع فقط مثل

عمري ما هبعد وأسيبك وحيد

أو يبقي عن قلبي قلبك بعيد

الجملتان هنا تؤديان إلى نفس المعني فواحدة منهم تكفي.

هذا إلى جانب استخدام الشاعر أحمد الجندي السجع بشكل كبير وبكلمات بعضها مستهلك مثل

عمرى ابتدا لما قلبي لقاك

و اتمني أكمِّل حياتي معاك

هتكون حبيبي هنا أو هناك

احنا الليلادي هننسى اللي فات

ده الحب بينّا يتقال في حكايات

و نعمل بإحساسنا بيه معجزات

"هخاف من إيه" للمتميزين نادر عبد الله ومحمد يحيى، نحن هنا أمام قصة جديدة من قصص الحب والخيانة والخلاف التي تتناولها إليسا بأسلوبها المتميز من خلال

جاء الإنترو في بداية الأغنية موفقا، والذي كان يتكرر طوال الأغنية فيعطيها شكلا، مع اللحن الذي وضعه المميز محمد يحيى، فعلى الرغم من أنه لا يجعل المستمع يشعر بالاستماع لأغنية درامية بشكلها المعتاد الحزين الذي تؤكده الكلمات، إلا أنه بلحنه أعطى للأغنية روح مختلفة، وجعلها مميزة.

أيضا قدم الشاعر قصة غير مستهلكة غنائيا بشكل كبير، من خلال فتاة تعاني إهمال حبيبها فتقرر أن يفترقا بعد أن فاض بها الكيل، حيث برع في توصيف المعاني ووضع الكلام في مكانه الصحيح وتحديدا في الشطر

جوايا مش فاضل مكان لجراح ولا لحرمان كمان

دي حكاية خلصانة من زمان، تفيد بإيه بعدين!

ملينا مع بعض الكلام، ونسينا أحلامنا القدام

كان عادي نتفارق قوام زي أي اتنين

عليا بإيه، وانا شايفاه بينساني

عليا بإيه، وهو العمر فيه تاني!

عشان وياه بقية عمري يضيعوا عليه

ملحوظة : كان ينبغي على إليسا أن تغير اسم الأغنية لأي اسم اخر بعدما سبق واستخدمه المطرب رامي جمال قبل عامين في ألبومه السابق.

حالة فنية عاشها الثلاثي إليسا وصلاح الكردي مؤلفا وملحنا وناصر الأسعد موزعا ليقدموا أغنية معبرة بمعنى الكلمة حول الندم على قصة حب وباتت هناك رغبة ملحة في الفراق في وقت لا تستطيع صاحبة القرار على ذلك، وتجلت هذه الحالة في الشطر

تناقض قوي استمر بها طوال الأغنية بالإضافة إلى الجمل التعبيرية التي استخدمها مثل

كان الوفا معك وفي وما طلع منك

مثل هالأيام قلبك كسر قلبي

مثل هالأيام صاب العمى قلبي

ما عم أسمع له دقاته ولا بتعني لي حياته

شو بيسوى قلبي والعالم يا عمري

نجحت إليسا في غناء الأغنية بشكل تصاعدي بدءا من "يا ريت بقدر أحكي مع حالي وأنسيها الندم" التي قدمتها بصوت هادئ، وحتى "اه يا زماني اه" والتي كانت في قمة الغضب، ولم تقدم الأغنية بشكل هادئ متناسب مع اللحن، أو بشكل غاضب متناسب مع كلمات الأغنية.

استخدم الموزع ناصر الأسعد مقدمة موسيقية أشبه بالموسيقى التركي إلا أنها جاءت متناسبة تماما مع الحالة العامة للأغنية، كما تصاعد بشكل جيد بالموسيقى مع صوت إليسا حيث كلما تصاعد صوت إليسا تصاعدت معها الموسيقى.

كما عبرت عن الحالة الفنية التي تقدمها في الأغنية بصدق من خلال إحساسها بكل حرف تغنيه.