المحتوى الرئيسى

دار الحلبة | المصري اليوم

10/01 00:08

ما زلنا مع الرجل الحكيم. ما زلنا مع فيلسوف مصر الذى تأمل طويلا، وتكلم قليلا، وكتب كثيرا. عندما كتب نجيب محفوظ رواية «ابن فطومة»، كان وقتها فى السبعينيات من عمره. لقد هدأت الزوابع التى لطالما ثارت. والحيرة ارتدت إلى يقين هادئ عميق. وقتها استخدم الفن الروائى كحيلة لنقل تأملاته فى أطوار البشرية المعذبة، وانتقالها من مرحلة إلى مرحلة بحثا عن الكمال الذى لم يحصل عليه قط.

فى المقالات السابقة كتبت أن «دار المشرق» يرمز بها إلى فترة سحيقة فى حياة البشرية، كانوا فيها عراة يعبدون القمر ويمارسون الجنس على المشاع. أما «دار الحيرة» فيرمز بها إلى الحضارات القديمة فى مصر والصين، حيث يُمارس الحكم المطلق ويعتقدون أن الإله يحل فى الملك!

واليوم موعدنا مع «دار الحلبة»، والذى تشير كل الدلائل إلى أنه يرمز بها للحضارة الغربية فى أوروبا وأمريكا.

كان وصفه لها كالتالى: «مدينة كبيرة تنطق بجمال الهندسة ونعمة الثراء. صفوف من العمائر والبيوت والقصور وحوانيت بعدد الرمال. وتيارات لا تنقطع من النساء والرجال. وحتى الفقراء فحالهم أحسن درجات من فقراء الحيرة والمشرق.

الجمال موفور وكذلك الأناقة! ويصادفك الاحتشام كما يصادفك التحرر! والحدائق تبدأ ولا تنتهى. ومظاهرات هنا وهناك. واحدة تطالب بشرعية العلاقات الجنسية الشاذة وأخرى تندد بها. ومظاهرة تشكو للوالى رفع المكوس وضيق الأحوال، والشرطة يتبعون المظاهرة ولا يتعرضون لها بخير ولا بشر.

المفاجأة المزلزلة كانت حينما تهادى صوت فى الجو يصيح «الله أكبر». وثب قلبه واشتعلت حواسه واندفع على هدى الصوت حتى بلغ المسجد فراح يصلى الظهر فى فرحة متوهجة بعين دامعة وصدر منشرح (هل يرمز ذلك لعودة نجيب محفوظ الحميمة إلى الدين فى هذه المرحلة من عمره؟). وما لبث أن هرول صوب الإمام فاحتضنه وانهال عليه تقبيلا. استسلم لانفعاله باسما وما لبثت الصداقة أن انعقدت بينهما ليعرف منه أنها ليست ديارا إسلامية. وإنما هى دار الحرية التى تُمثل فيها جميع الديانات والمذاهب والملل والنحل. تعامل الجميع على قدم المساواة وتحتفظ كل طائفة داخلها بتقاليدها الذاتية واحترام الطوائف الأخرى. يُنتخب رئيس الدولة طبقا لمواصفات علمية وأخلاقية وسياسية فيحكم لعشر سنوات ثم يعتزل فيحل محله قاضى القضاة وتجرى انتخابات جديدة. وله مجلس خبرة فى جميع الأنشطة يعاونونه بالرأى.أما الزراعة والصناعة والتجارة فيقوم بها القادرون من الأهالى.

الحرية هى القيمة المقدسة المسلم بها عند الجميع، والالتزام هنا بالمرجع الذى يطبق روحا ونصا. الطائفة الإسلامية لم تتوقف عن الاجتهاد، والمرأة لها دور كبير فى هذا المجتمع.

ويدور نقاش مرير بينهما عن إسلام دار الحلبة وإسلام ديار الوحى. وحين يعترض الرحالة على الحرية التى تجاوز الحدود الإسلامية يقول الإمام إن النبى، صلى الله عليه وسلم، لو بعث لأنكر إسلامهم كله!

وعلى ضوء تلك الحوارات المتبادلة والود الحقيقى ينمو حب شريف مع ابنة الإمام التى فتنتها فكرة الرحالة الذى يضحى بالأمان من أجل الحقيقة. يتوج الحب بالزواج وتطيب له الإقامة فى دار الحلبة لكن مشروعه النائم فى زيارة دار الجبل ما يلبث أن يوقظه من سبات الراحة والعسل فتأذن له زوجته المحبوبة أن يواصل رحلته إلى دار الجبل على وعد بالعودة عقب الرحلة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل