المحتوى الرئيسى

الإرث التاريخي والرهان علي ثقافة وتوعية المجتمع المصري

09/30 14:28

اقرأ أيضا: هل يؤدى حذف آيات الجهاد فى القرآن إلى وقف الإرهاب؟! دور النخبة فى تفاقم الأزمة المصرية ظلال الفرعونية وتحديات الديمقراطية فى مصر مقاطع من ملحمة كامب دايفيد مبادرة حرمة الدماء المصرية

يعاني المجتمع المصري  من خمسة أمراض ثقافية تسبب فيها جميعا الحاكم المصري :

المرض الأول :هو تسليم الشعب عقله للحاكم الذى كان إلها علي أساس أن الإله يحل محل العقل في تصريف أمور المواطن لم يعد المواطن بحاجة إلي هذا العقل الذي أهداه الله إليه لكي يميز بين الخطأ والصواب ولكى يعرف الله من خلاله ومادام الله موجودا في شخص الحاكم فلم يعد للعقل وظيفة بعد أن صار الحاكم هو الإله وهو الذي يوجه المواطن للدنيا والأخرة . في هذه المرحلة من تاريخ مصر كان الحاكم يحاول أن يقترب من خصائص الإله حتي لا يكتشف المواطن إذا سرق عقله وإستعان به . وقد أفلت من ذلك في العصور القديمة سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما إهتدي إلي الله بعقله فأخرس الحاكم وحطم أصنام شعبه وإستوثق من الله في قوة هذا العقل بعد أن تجاوز مرحلة الجدال مع النمرود علي فرضيات النظرية عندما قال له إن من خصائص الله ثم طلب إبراهيم بعد ذلك من الله أن يثبت له ذلك الإقتراب حق اليقين فأثبته له في قصة الطير وهي قصة جاءت وراء قصة أخري مشابهه في قدرة الله علي الإحياء والإماته وهي قصة عزير .

وأظن أن هذا المرض لا تزال أثاره تطارد الحاكم والمحكوم في مصر حتى الآن  وهو ما أسميناه سابقا ظلال الفرعونية التى تتحدي نشأة النظام الديمقراطي في مصر. كان الحاكم يقترب من الإله في الله والكفاءة والقدوة والأخلاقيات مما كشف عنه التاريخ الفرعونى الخصب ولذلك عندما كلف موسي بمخاطبة فرعون كان التكليف أن فرعون طغي فكان التوجيه أن يقول له قولا لينا لعله يتذكر إنه ليس إلها او يخشي الإله الحق إي أن الألوهية في فرعون سياسية وكان يدرك يقينا أن هناك إلها لهذا الكون وإنه يتشبه به في بعض  ما تحتمله الطبيعة البشرية فمن الجهل أن نشبه الحاكم المستبد بإنه فرعون فهو إهانة للفرعون الذي ترك لنا ما نفخر به بينما ترك لنا المستبد ما تلعنه به الأجيال .

المرض الثاني : أن إنتهاء العصر الفرعوني وسقوط نظرية الإله حل محلها إله حقيقي هو إله موسي وعيسي ومحمد فحل الإله الحقيقي محل الإله المصطنع الذي كان لا ينفي الإله الحقيقي ولكنه  معجب به مقلدا لبعض صفاته. وهذه المرحلة هي التى بدأت بموسي عليه السلام قبل زوال العصر الفرعونى ولكن المصريين فضلو إلههم علي إله موسي وتكاد قصة موسي مع فرعون مصر أن تتكرر في سياق مختلف في أيامنا بين الحاكم والمحكوم في مصر حيث يتمسك الحاكم بأنه معصوم وإن طريقته هي المثلي والا يستمع الناس الي غيره وإنه يعرف كل شئ والا يلتفت الناس الي المؤامرة عليه ولا يرون إلا ما يري .

 في مرحلة التنازع بين الإله الوهمي والإله الحق كان طبيعيا في عصورنا المتاخرة أن يفسد الإله  الوهمى دنيا إله الحق وأن يصرف الناس عنه ويظل هذا التنازع قائما حتي اليوم وصار الإله الوهمى يدعي إنه الدولة كما صار يدعي أن الإله الحق هو الدين وأن لكل دائرته فلا جمع بين الدولة والدين أو بين الدين والدنيا أو بين الدنيا والأخرة فصار حكام مصر علي مر التاريخ يستخدمون الدين ولكن ينهون غيرهم عن إستخدامه ويضيق المقام بضرب الأمثلة علي ذلك من حياتنا المعاصرة . وهكذا أصر الحاكم أن له الدنيا وللشعب الأخرة وهو موقن أنه ليس هناك أخرة أصلا وأنه لا يرجو لقاء ربه وإن كان يدعي غير ذلك زورا وبهتانا وذلك لكى يصرف العامة عن المطالبة بحقوق في هذه الدنيا  وهو موقن أيضا بإنه لابد ان ينفرد بهذه الدنيا وأن يدخل في صراع دموي لكي يظفر بها حتي لو ضحي بالأخرة التى لا يؤمن بها .

المرض الثالث : هو ملأ الفراغ الذي يحتله العقل بالخرافات والأوهام والخزعبلات خليطا بالسياسة والإجتماع والدين والغيبيات ولذلك يحرص الحاكم في مصر علي توجيه الناس إلي هذه الخرافات مثل تفسير الأحلام والأفلاك والنجوم وتحضير الأرواح والجن حتي صارت تغذي المواطن المصرى في شريحة معتبره من الإعلام وأصبحت تجارة رابحة حتي إن بعض الفضائيات لا تتورع عن أن تتخصص في إعلانات عن أعشاب وعلاجات وخرافات خارجة عن حدود الأدب ومع ذلك تطلق أصوات كبار المقرئين في القرآن الكريم كخلفية لهذه الإعلانات ولذلك وقع الشعب فريسة لعصابة يشترك فيها الحاكم مع بعض رجال الدين وتجار الشعوب ليكرسوا إبعاد العقل عن المواطن ويغرقوه في عالم الخرافات والأوهام .

المرض الرابع :هو التفنن في وسائل تغييب العقل وذمه وشيطنته علي أسس دينية بمقولة أن العقل يؤدى إلي الألحاد والكفر وأن العقل من عمل الشيطان وتجنيد عدد من المشايخ لتكريس هذه الخرافة وقد التقت مصلحة المشايخ مع مصلحة الحكام في تغييب العقل حتى أن بعض المقولات المتداولة تكرس ترك كل ما يتعلق بالدين للشيخ وكل ما يتعلق بالسياسة للحاكم وما دامت الدنيا تتوزع بين الدين والسياسة فقد خرج في الواقع من الدنيا والأخرة وأصبح كيانا مسلوب العقل يتلقي ولا يقدر علي المناقشة وفي هذا السياق تم تكفير كل من لا يسلم في الدين والسياسة مما أدي إلي نشأة ثقافة تحرض علي من يناقش أو يعترض أو ينتقد وهو مثير للمشاكل كما إنه عند المشايخ يخلق البدع ومن ثم  صارإلابداع من البدع مذموما وتم توظيف القرآن والأحاديث لخدمة هذه الغاية ولذلك فإن الرباط الآثم لا يزال قائما بين بعض المشايخ وهم فقهاء السلطان الذين لا يتورعون أن يكذبوا علي الله ورسوله لكي يرضي الحاكم عنهم فلا يسمح لعاقل أن يكشف زيفهم ولا يتاح له أن يكذبهم رغم أن أكاذيبهم إفتراء علي  الله ورسوله ولا ندرى كيف يلقي هؤلاء الله بهذه الفرية التى يضيق المقام عن تفصيلها .

وقد إستعان الحاكم في مصر في العصر الجمهورى لبث الخرافات عند الشعب بثلاثة أدوات الاولي هي الإعلام والثانية هي التعليم والثالثة هي الثقافة هذا الثالوث هو الذي يحاصر المواطن فلما إكتشف المواطن إنه ضحية بدأ يبحث عن البديل الذي حرص الحاكم علي تجفيفه فأصبح البديل هو الإشاعات والروايات المتناقلة التى تحملها شبكة التواصل الإجتماعي وهو التى تتحدي الحاكم في مصر دون أن يكون لها مركز إرسال ولذلك صارت هذه الشبكة أكبر تحدى للحاكم يحاول التخلص منها بقهر وسجن الناشطين فيها أو مراقبة الحسابات أو محو الصفحات والحرب الإلكترونية عليها وبذلك ينهي جميع مظاهر التنفيس فلا يبقي إلا باب العنف مفتوحا لمواجهة القهر العقلي والنفسي والإعلامى  وهو ما يسعي اليه الحاكم مادام يملك ادوات القوة.

المرض الخامس:هو الثقافة السياسية المغلوطة وهو ضعف الثقافة العامة وظهور الفجوات الثقافية المخيفة وهى مساحات تلعب فيها أجهزة الحاكم في مواجهة المواطن الأعزل من عقله ومما يجادل به السلطة من معلومات مثال ذلك  أن أجهزة الدولة عندما تبنت فجأة نظرية أن تيران وصنافير سعودية وإنها لم تكن مصرية وإنما أمانة عادت إلي أصحابها لم يصدق طفل ذلك وإنما تم تسريب من يردد بين الناس وما هى أدلة مصر لمصرية الجزر بدلا من أن يطالب أصحاب نظرية سعودية الجزر بأن يدللوا علي سعوديتها فكأن الأصل عندهم أنها سعودية وكأن من يدعي مصريتها عليه الأثبات. وعندما ترتفع أصوات النقد للرئيس أو الحكومة فإن الأجهزة تروج لأمرين الاول بأن الرئيس بعمل بينما الحكومة لا تتعاون ويردد ذلك نواب في مجلس النواب والأمر الثاني يرددونه وما البديل فكأن البدائل قد انتهت وقد اصبح الوضع لحالي قدرا ومقدورا .

في ظل هذه الأمراض الخمسة يصبح العاقل شاذا مكانه مستشفي الأمراض العقلية وخارجها شعبا أبله فقد عقله أو اضطر إلي ذلك وأكبر تهديد للحاكم المستبد ليس الثورة عليه خاصة اذا كان نظامه من تركيبة معقده تسنده دول وقوي وإنما علي المدى البعيد الرهان علي إستعادة العقل للشعب المصرى وتغذية العقل بالمعلومات الصحيحة عندها فقط يذبل الحاكم المستبد ويسقط كما تسقط أوراق الخريف .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل