المحتوى الرئيسى

الجذور المؤسسية للمحاولة الفاشلة لانقلاب الخامس عشر من يوليو في تركيا

09/30 16:44

منذ محاولة الانقلاب العسكري في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، وتركيا تعيش ما يمكن وصفه بالأوقات المصيرية. فالدولة تجاهد منذ ذلك الوقت للتعامل مع توابع الانقلاب العسكري الفاشل. ويستمر مواطنو تركيا في حزنهم على فقدان 240 شخصاً، وكذلك العناية بألفَي مصاب جراء محاولة الانقلاب. ومع كل ذلك، تبدو تركيا بمظهر أكثر تماسكاً، وذلك بفضل مظاهر الوحدة التي بدت على معظم الطوائف السياسية والاجتماعية بالدولة. في الحقيقة، فإن إحساس الشعب بامتلاكه للمكاسب الديمقراطية التي تحققت بتركيا، وكذلك نضوج الحركات السياسية المختلفة كانا عاملَين حاسمَين في فشل المحاولة الانقلابية. هذه العوامل ضرورية ولكنها غير كافية لإنهاء عصر الانقلابات العسكرية بتركيا، وأيضاً إنهاء الأنشطة المشبوهة وغير القانونية للعناصر المتمردة داخل الدولة.

يحاول هذا المقال شرح الأصول المؤسسية للانقلاب العسكري، مسلطاً الضوء على الدور الذي تلعبه المجموعات المتمردة التي تشغل بعض المؤسسات الحيوية بالدولة؛ هناك ثلاثة أبعاد مهمة في هذه الصدد. 1) فالمركزية الشديدة لطريقة عمل الدولة التركية ومحاولات الدولة لفرض هوية معينة تسهل على العناصر المتمردة اختراق مؤسسات الدولة والسيطرة عليها لأغراضهم الخاصة، ومن ضمن هؤلاء من يخططون لعمل انقلابات عسكرية. 2) يعمل النقص في آليات حل النزاعات بين الحكومة والمعارضة على تفاقم هذا الخلل المؤسسي. 3) أثناء تحديدها لسياسات التعامل مع محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، لا يجب على الحكومة التركية اللجوء إلى الإصلاحات السهلة، ولكن بدلاً من ذلك عليها تفنيد الأسباب والتعامل مع الأصول المؤسسية والأسباب المتعلقة بالتيارات المختلفة بالمجتمع وراء ما اختبرته في مساء الخامس عشر من يوليو/تموز.

تصارع تركيا للتعامل مع توابع محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في الخامس عشر من يوليو/تموز، فما القضايا التي ما زال على الشعب فهمها قبل أن يتكون لديه فهم سليم للانقلاب؟ على ما يبدو، أن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه غالبية المواطنين هو هوية منفذي الانقلاب، فقطاع واسع من الشعب يعتقد أن حركة غولن المشبوهة والسرية هي من يقف وراء هذا الانقلاب. منذ عام 2014، قضت الحكومة التركية باعتبار حركة غولن منظمة إرهابية، وطبقاً لما نشرته مجلة الإيكونومست، فإن غالبية الشعب والنخب السياسية ترى أنه بجانب هذا الوجه الظاهر لحركة غولن، تمتلك الحركة ذراعاً سرية، عبارة عن شبكة من المؤيدين للحركة يشغلون مواقع هامة بالنظام القضائي التركي وقوات الجيش والشرطة. ويتفق الرأي العام التركي على أن هذه الذراع السرية تم تحريكها لتنفيذ انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز.

تؤيد هذه الفكرة أيضاً اعترافات وشهادات الأعداد المتزايدة للجناة المعتقلين وغيرهم من ضباط الجيش، جاءت إحدى أهم هذه الشهادات على لسان خلوصي أكار، رئيس أركان الجيش التركي، الذي احتجزه الانقلابيون كرهينة ليلة الانقلاب، إذ قال خلوصي في شهادته إنَّ أحد آسريه عرض عليه التحدث على الهاتف مع فتح الله غولن، مؤسس حركة غولن، وكذلك جاء اعتراف أحد الضباط المعاونين في قيادة الجيش بانتمائه لحركة غولن.

تمتلك تركيا تاريخاً طويلاً من الانقلابات العسكرية والمحاولات الفاشلة للانقلاب، فقد تعرضت لانقلابات عسكرية ناجحة في 1960 و1971 و1980 و1997، ومرت أيضاً بمحاولات فاشلة للانقلاب في 1962 و1963 و2016 (انقلاب الخامس عشر من يوليو /تموز)، ومن بين كل هذه الانقلابات العسكرية والمحاولات الفاشلة للانقلاب، كانت هذه المحاولة الأخيرة هي الحدث الأكثر دموية والأكثر إفزاعاً لتركيا، فهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي يتم فيها قصف البرلمان والمجمع الرئاسي ومقرات المخابرات والقوات الخاصة.

على أية حال، تشعر تركيا بتداعيات هذا الانقلاب، فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة تحاول الدولة التعافي من آثارها؛ إذ تأثر العديد من المواطنين بمقتل 240 شخصاً، وكذلك إصابة ألفين آخرين جراء الأحداث العنيفة ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز. وتُعَد النتيجة الإيجابية الوحيدة لهذه المحاولة الانقلابية هي تأثير هذا العنف وهذه الخسارة على المواطنين ودفع قطاعات عديدة من المجتمع تجاه الوحدة والاحتشاد ضد المتآمرين، فرد فعل الشعب التركي تجاه الانقلاب كان ضخماً.

وبحسب وكالة الأناضول، تُعَد التظاهرات والحشود المؤيدة للديمقراطية في إسطنبول في السابع من أغسطس/آب عام 2016 -الذي شاركت فيه معظم الأحزاب- هي التجمع الأكبر في هذا الصدد في تاريخ تركيا السياسي؛ إذ تشارك الرئيس ورئيس الوزراء وقادة الأحزاب الكبرى بالمعارضة - باستثناء حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد (HDP) - نفس المنصة للتحدث بصوت واحد والتنديد ضد محاولة الانقلاب. وبهذا، قاموا بالاحتفال وتدعيم الشعور الشعبي بامتلاك الديمقراطية التركية الوليدة، يمكن أن نعتبر هذا الإحساس لدى الشعب من تملكه لمكتسبات الديمقراطية أحد العوامل الأساسية التي أسهمت بشكل غير مباشر في فشل محاولة الانقلاب، وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، تقف جموع الشعب بجانب ساسته المدنيين للاستماع إلى رئيس الأركان يتحدث على نفس المنصة، مندداً بمحاولة الانقلاب ومعلناً ولاءه لنظام الحكم المدني بالدولة.

كل هذه التطورات تُعَد مظاهر مشجعة للغاية، فقد كانت المسيرات الشعبية ضد الانقلاب ونضوج الأحزاب السياسية - التي قامت بوضع خلافاتها جانباً لمواجهة الانقلاب وحماية الديمقراطية - عوامل مهمة ساعدت على حماية نظام تركيا السياسي. باختصار، كان إحساس الشعب بامتلاك السيادة ونضوج الأحزاب السياسية من العوامل التي دعمت الديمقراطية بتركيا.

مع أن هذه العوامل ضرورية، ولكنها غير كافية لإنهاء هذه الحالة من المحاولات العسكرية غير القانونية لانتزاع السلطة من السياسيين المدنيين بشكل دائم، والقضاء على الأنشطة المشبوهة وغير القانونية للعناصر المتمردة داخل الدولة، فالأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك لضمان عدم تعرض تركيا لمزيد من المحاولات الانقلابية في المستقبل. على وجه الخصوص، هناك ثلاثة تدابير ضرورية يجب العمل عليها للوصول إلى مستقبل سياسي خالٍ من الانقلابات بالدولة، تتعلق هذه التدابير بالقدرة النظامية على جعل الأمر مكلفاً من الناحية السياسية والقانونية لأي جماعة متمردة تحاول السيطرة على مؤسسات الدولة بطريقة تخرج على قواعد التنافس الديمقراطي وتنفيذ مصالح خاصة بها تؤدي إلى إساءة استغلال السلطة.

من الناحية المؤسسية، فإن المركزية الزائدة بالدولة التركية تجعل الأمر سهلاً على مدبّري الانقلابات لتحقيق أهدافهم، كما أنها تسهل على أية حركة متمردة منظمة أن تتوغل في مؤسسات الدولة وتمارس مستوى غير متكافئ من السلطة. فالأنظمة التي لا تتمتع بالمركزية وتتوزع فيها السلطات تجعل الأمر صعباً في السيطرة عليها وتقويضها. ومن الناحية الأيديولوجية، فإن المناخ الفكري بتركيا يخلق حافزاً لتيارات اجتماعية سياسية ومجموعات دينية بعينها لتحاول المشاركة في النظام والتأثير على الدولة من خلال المؤسسات العامة، وبالتالي تنفيذ مخططاتهم الخاصة وسياساتهم المفضلة في الدولة والمجتمع ككل. أما من ناحية السياسة (أو بالنسبة للمناخ السياسي) فإن قلة التواصل السياسي والحوار وآليات حل المشكلات بين الأحزاب الحاكمة وباقي مجموعات المعارضة قد مهد الطريق لمنفذي الانقلاب وثبت أقدامهم في النظام السياسي، وسَبَّب هذا الخلل المؤسسي في النظام التركي ممارسة السلطة السياسية بشكل ضيق، مما يؤدي إلى إساءة استغلالها.

يؤدي النظام الإداري شديد المركزية في تركيا بالمجموعات والتنظيمات التي تمتلك أجنداتها الخاصة إلى أن تسعى إلى التواجد أولاً بأجهزة الدولة، ومن ثم السيطرة عليها. ففيما يتعلق بمؤشرات المركزية السياسية، تسجل تركيا معدلات أعلى من المتوسط الذي حددته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). على سبيل المثال، تجمع الحكومة التركية حوالي 70% من إجمالي الدخل القومي، وهو ما يزيد بشدة عن المتوسط الذي حددته المنظمة الذي يبلغ 58%، وأيضاً يعمل حوالي 85% من موظفي القطاع العام بالحكومة المركزية في تركيا، بينما يعمل 15% فقط في الأجهزة المحلية. هذه النسبة ليست فقط الأعلى ضمن دول المنظمة، ولكنها أيضاً تعتبر نسبة مرتفعة ضمن الدول المركزية عموماً، ففرنسا مثلاً يعمل فيها 45% من موظفي القطاع العام بالحكومة المركزية، والسويد تصل فيها نسبة العاملين بالإدارة المركزية إلى 15% فقط، وكلتاهما دولتان مركزيتان.

في الأنظمة شديدة المركزية، يكون الأمر أسهل نسبياً لجماعات بعينها أن تسيطر على السلطة بشكل أكبر من غيرها، فبمجرد التحكم في المناصب الأساسية ببعض مؤسسات الدولة، يمكن لجماعة صغيرة فرض نفوذها بطريقة غير متكافئة مع حجمها والدعم المتوافر لديها. تؤكد حالة حركة غولن وممارساتها داخل أجهزة الدولة هذه النقطة. فلطالما كان تواجد المنتمين للحركة على المستوى المجتمعي شيئاً غير ملحوظ، ولكن حقيقة احتلال الحركة تقريباً لبعض المؤسسات كالشرطة والقضاء، والسيطرة على مؤسسات أخرى كالجيش، منحت الحركة نفوذاً وقوةً لا تتناسب مع حجمها على الإطلاق.

كنتيجة مباشرة، فإن سياسة اللامركزية ستؤدي بالتأكيد إلى القضاء على طموح الجماعات التي تسعى إلى اختراق النظام والسيطرة عليه، فالعدد الكبير للمؤسسات وتوزيعها الجغرافي والإداري سيحقق التمدد الذي سيجعل السيطرة على الدولة أمراً صعباً بالنسبة لهذه الجماعات، ولن تكون سلطة الدولة متمركزة كما هي الآن، وكما كانت أيضاً أثناء انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الدولة شديدة المركزية تسعى بشدة إلى محاولة التأثير على هوية وأيديولوجية مجتمعها عبر طرق الهندسة الاجتماعية، لتوضيح الأمر، من المفيد دراسة العلاقة بين الدولة والمجتمع خلال فترة الجمهورية. فمنذ بدايتها، وتركيا تم تصميمها ليس كدولة حديثة تتكون من مجموعة من المواطنين، ولكن كدولة مؤدلجة بهوية معينة تتكون من مجموعات، ولم يكن يُنظَر للمؤسسات العامة كمؤسسات حيادية، ولكن من خلال أيديولوجيات معينة. فبينما كان الجيش والسلطة القضائية مسؤولين عن الدفاع عن مبادئ الفكر الكمالي (مجموعة من المبادئ منسوبة إلى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة) كانت الشرطة تُعَد تجمعاً للفكر القومي، وخاصةً في الفترة بين 1980 و1990. وبداية من منتصف التسعينات، استطاعت حركة غولن إحكام السيطرة على كلتا المنظمتين (الجيش والشرطة) عاماً بعد آخر، مما أدى إلى التأثير على حيادية الدولة وجودة تقديم الخدمات العامة بشدة.

كنتيجة لذلك، لم تعد الدولة ترى نفسها خادماً للشعب، ولكنها أصبحت ترى نفسها مسؤولة عن توجيه الشعب للمسار الصحيح. والأكثر من ذلك، ولوقت طويل، شجعت هذه الدولة نمو هوية معينة وهي القومية التركية العلمانية الغربية، بينما في الوقت نفسه قامت بتضييق الخناق على الهويتين الكردية والإسلامية. وفي بيئة كتلك، تم تهميش المجموعات الاجتماعية التي لا تتفق أفكارها عن العالم وهويتها مع أفكار وهوية الدولة، والتعامل مع هذه المجموعات بريبة.

هذه السياسات الإقصائية التي تحاول فرض هوية بعينها للدولة أنتجت نوعين من رد الفعل لدى هذه الحركات الاجتماعية التي لم تتماشَ هويتها مع اهتمامات الدولة. فأولاً، اقتنعت هذه الجماعات التي تم التضييق عليها أمنياً أن الطريق الوحيد لتغيير هذا الوضع هو الوصول إلى مقاليد السلطة بالدولة، وثانياً، اضطرت هذه السياسات الإقصائية والتهميشية أعضاء هذه الجماعات لإخفاء هوياتهم وانتماءاتهم أثناء اختراق مؤسسات الدولة. أدت معتقدات كتلك بهذه الجماعات - بالإضافة إلى طبيعة الدولة في تركيا - إلى أن تصبح أجهزة الدولة عامل جذب قوياً لأي مجموعة تطمح للتأثير على الحياة العامة. وبهذا الشكل، تكون حركة غولن هي نوعاً ما نتاجاً للدولة الكمالية السلطوية شديدة المركزية بتركيا.

ولكن هذا الوضع قد تغير جزئياً في العقد الأخير، إذ أصبح امتلاك خلفية دينية أو أيديولوجية اجتماعية سياسية معينة لا يشكل خطراً على وظيفة أي موظف بالقطاع العام. ومع تغير الدولة، كان يجب على الحركات الدينية والاجتماعية أن تتغير أيضاً في تعاملها مع النظام السياسي. وعلى العكس من بقية التيارات والمجموعات الدينية والاجتماعية السياسية، أصرت حركة غولن على نهجها واستمرت في أساليبها السرية لاختراق الدولة، وهو ما أثار العديد من الأسئلة حول دوافع الحركة. بالفعل تساءل العديد من الأشخاص سابقاً عن الدوافع الخفية لدى أعضاء حركة غولن لإخفاء هوياتهم، حيث لم يعد إظهار الهوية سبباً للعقاب أو التهميش أو التمييز. وفي الحقيقة، فإن أنشطة حركة غولن - وخصوصاً منذ بداية عام 2012 وصولاً إلى محاولة الانقلاب الأخيرة - تؤكد أن إخفاء أعضاء الحركة لهوياتهم لم يكن غرضه تجنب التمييز والتهميش، ولكنه كان جزءاً من مخطط السيطرة على الدولة وتنفيذ الأجندة الخاصة بالحركة.

بينما تقوم الحكومة بتفكيك الشبكة الخاصة بحركة غولن داخل أجهزة الدولة، يجب عليها أن تتعلم الدرس من هذه التجربة، وأن تسعى إلى تحييد الدولة أيديولوجياً. وفي مقابل ذلك، يجب على الحكومة أن تطلب من كل المجموعات الدينية وكذلك الحركات الاجتماعية السياسية التي تسعى إلى التنافس على السلطة وتقلدها أن يتحلوا بقدر أكبر من الشفافية.

آليات فعالة لحل المشكلات بين الحكومة والمعارضة:

أخيراً، يبدو أن التفاعل والتعاون بين الأحزاب والنخب السياسية أثبت فاعليته في مواجهة محاولة الانقلاب، مما يوضح لنا الطريق لحل باقي التحديات الكبرى التي تواجهها تركيا اليوم. فعندما كانت تحتاج الحكومة التركية - قديماً والآن - لشريك للتعامل مع التحديات الكبرى أو الأزمات الوشيكة، كانت دائماً تختار - طوعاً أو جبراً - شريكها من خارج البرلمان والمجال السياسي، فمثلاً عندما احتاج حزب العدالة والتنمية لترويض الجيش التركي لوقف تدخلاته في أمور السياسة ومنعه من القيام بانقلابات عسكرية، وجد الحزب نفسه مُجبَراً على التعاون مع حركة غولن، وخاصة في الفترة من 2007 وحتى 2010 حينما كان الصراع على السلطة داخل الجيش التركي في ذروته. ونتيجة لذلك، وسعت حركة غولن وجودها داخل جهاز الدولة، ممهدة الطريق لأنشطتها المستقبلية المشبوهة وغير القانونية.

وأيضاً عند محاولتها للتعامل مع توابع أزمة عملية السلام الكردية منذ 2015، طلبت الحكومة مساعدة الجيش التركي وأعطته مزيداً من النفوذ. ورأينا كيف كان الصراع مع حزب العمال الكردستاني (PKK) مدخلاً للجيش إلى التحكم في جزء من سلطة المحافظين المدنيين. ولهذا، كان دائماً ما ينتهي التعاون مع قوى غير سياسية بتقويتها وزيادة نفوذها. وبهذا تقترح السابقة التاريخية أن هذه القوى غير السياسية تسيء استخدام السلطة حينما تُمنَح قدراً أكبر من السلطة التي يجب أن تمتلكها، والمحاولة الأخيرة للانقلاب مثال واضح على هذا.

توضح الصورة أيضاً كيف أن عدم تسوية الأزمات السياسية الكبرى يسهل الأمور على الجماعات التي تسعى للحصول على السلطة عبر أساليب غير ديمقراطية، بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم تواجد قنوات مناسبة للحوار السياسي والتعاون بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة قد مهَّد الطريق لجماعات بديلة غير مسؤولة لتملأ هذه الفجوة. والدرس الذي ينبغي تعلمه هنا هو أن الحكومة ينبغي عليها امتلاك خارطة طريق متطورة للتعامل مع أزمات تركيا الكبرى، وليس فقط الأزمة الكردية. وأيضاً، ينبغي على الحكومة في مساعيها أن تطلب المساعدة من المعارضة. ولسنا في حاجة إلى التذكير بأن هذا يتطلب معارضة مسؤولة وراغبة في التعاون لتعمل مع الحكومة بشكل بناء على القضايا السياسية الكبرى. تعاونٌ كهذا بين الحكومة والمعارضة لن يترك ثغرات في النظام السياسي لتستغلها العناصر المتمردة وتسيطر على النظام.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل