المحتوى الرئيسى

قيادات الجماعة وراء فض رابعة

09/30 10:39

وجه الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقا، رسالته الثالثة والأخيرة إلى شباب الجماعة داعيا إياهم لفهم مضمنها لتغير الواقع الحالي عما سبق.

و حمل حبيب في مقال له على صحيفة الوطن بعنوان "رسالة إلى شباب الإخوان3" قيادات الجماعة مسئولية الدماء التي أسيلت  في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة مشيرا إلى أن  الجماعة تراهن حاليا على الدعم الخارجي وانهيار الدولة .

هذه هى الرسالة الثالثة والأخيرة لشباب الإخوان، وهى تضع كسابقتيها الحقيقة أمامهم بكل الصدق والشفافية من خلال عرض موضوعى ومنصف لقضايا كثيرة، ليفكروا ما هو الواجب عليهم أن يفعلوه.. هذه مرحلة لا ينفع معها السمع والطاعة دون أن تعترف قياداتهم بما ارتكبوه من أخطاء جسيمة.. وليتذكر الشباب جيداً أن هذه القيادات هم فى التحليل الأخير بشر يصيبون ويخطئون، وبالتالى عليهم أن يناقشوا ما حدث منهم بصدق وعقل ووعى، وأن ينحازوا فقط لما يقتنعون أنه الحق والصواب.. هذا هو حقهم الذى لا ينازعهم فيه أحد، كما أنه واجبهم الذى يجب أن يضطلعوا به، لأنهم مساءلون عنه بين يدى الله تعالى يوم القيامة.. صحيح أنى تركت الجماعة بشكل فعلى فى أوائل يناير عام ٢٠١٠، لكنى كنت متابعاً لمعظم -إن لم يكن كل- نشاطاتها وفعالياتها، بل لم أدخر وسعاً فى توجيه النصح لقياداتها فى التوقيت والموقف المناسبين.. فى هذا المقال أحاول قدر الإمكان أن أبين وأوضح الأخطاء التى ارتكبتها قيادات الجماعة أثناء وبعد فض اعتصام رابعة، وكيف أنها لم تكن على قدر المسئولية، وكان واضحاً فقدانها للرؤية السياسية الواعية التى تنظر إلى الغابة ككل لا إلى شجرة فيها، وآمل أن أكون قد أديت واجبى بما أملته علىَّ تجربتى وضميرى، لصالح وطنى وأمتى.

(١) خلال اعتصام رابعة الذى استمر لـ٤٨ يوماً، كان أمام قيادات الجماعة عشرات الفرص للخروج الآمن، وبالتالى نجاة المئات من الضحايا والجرحى والمصابين، فضلاً عن فتح صفحة جديدة لمراجعة المواقف، واستدراك ما فات، بل والبدء فى اتخاذ خطوات جادة نحو بناء مصر على أسس وقواعد صحيحة وسليمة تتلافى كل الأخطاء التى وقعت من كافة الأطراف.. لكن للأسف، لم تكن هذه القيادات حريصة على أى من ذلك.. لم تنظر لأبعد من مواطئ أقدامها.. زجت بعشرات الآلاف من الشباب فى صدام دموى مع قوات الأمن من أجل استعادة سلطة فشلت فى إدارتها فشلاً ذريعاً.. فهل كان الهدف هو أحداث «كربلائية» للتغطية على هذا الفشل، وعدم مساءلتها عنه؟ ربما.. لقد صرح مؤخراً أحمد المغير، فتى الشاطر، أنه كان هناك سلاح فى اعتصام رابعة كفيل بصد أى هجوم من الشرطة، إلا أنه كانت هناك «خيانة» -حسب قوله- من البعض الذين قاموا بتهريب الجزء الأكبر منه خارج الاعتصام(!) وبغض النظر عن هذا التصريح، فإن الداخلية وكافة الأجهزة المعنية كانت تعلم بوجود سلاح، وأنه سوف يستخدم أثناء عملية الفض.. فهل كانت القيادات تمنى نفسها بأن الدولة لن تتخذ قراراً حاسماً بالفض؟ وهل كانت لديها وعود بأن هناك دولاً أو قوى سوف تتدخل فى الوقت المناسب، لاستعادة السلطة؟! إن أى دولة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدى أمام من يرفعون السلاح فى وجهها، فهل تتركهم يفعلون ما يريدون، فيسقط القتلى، وتهتز أركان الدولة، ويعمها الفوضى، ويسودها عدم الاستقرار، أم تتصدى لهم بكل حسم وحزم؟ وهل يمكن اعتبار حمل السلاح وسيلة للوصول إلى السلطة، أو حتى لاستعادتها بعد أن قامت ثورة شعبية لإزاحتها؟ إن المسئولية الكبرى تقع على عاتق هذه القيادات، حيث منحت الفرصة لقوات الأمن لكى تضرب، وتضرب بقسوة وعنف.. ثمة مسئولية أخرى تقع على عاتق الحكومة، وهى أنها كيف سمحت لهذا العدد الكبير أن يحتشد فى ميدان رابعة؟ وكيف سمحت للسلاح -أيا كان نوعه أو حجمه- أن يصل إلى أيدى المعتصمين؟ فى غزوة مؤتة (والقياس هنا مع الفارق)، كانت مهمة خالد بن الوليد بعد أن آلت إليه إمرة الجيش، هى الانسحاب به والحفاظ عليه، حتى لا يتعرض للإبادة، حيث رأى أن موازين القوى مختلة بشكل كبير، فقد كان جيش المسلمين حوالى ٣ آلاف، بينما جيش الروم يتجاوز ١٥٠ ألفاً.

(٢) وإذا كانت قياداتكم تراهن على دعم ومساعدة أمريكا وأذيالها ومن يدور فى فلكها، فقد ضلت الطريق وأساءت الاختيار، ولن تجنى من وراء ذلك إلا الخسران والبوار.. وأجدنى أتساءل: هل غاب عن هذه القيادات حقيقة المشروع الأمريكى/ الصهيونى الذى يستهدف تفتيت المنطقة، وتركيع الأمة، والقضاء على خصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضارى؟ وهل غاب عنها ما فعلته أمريكا فى أفغانستان، وما نشأ عن ذلك من تكوين ما سمى بتنظيم القاعدة، فضلاً عن الخراب والدمار؟ وهل خفى عليها غزوها واحتلالها للعراق، وأنها السبب الرئيسى فيما حل به من مصائب وكوارث وتفكيك لمؤسسات الدولة واستنزاف لثرواتها، علاوة على الحروب الطائفية والنزاعات العرقية التى ما زال العراق يعانى منها حتى الآن، ناهينا أنها كانت وراء نشأة داعش؟ وهل نسيت تأييدها المطلق ودعمها الكامل للعدو الصهيونى، وأثر ذلك على المعاناة التى يعيشها الشعب الفلسطينى؛ فى الداخل وفى الشتات؟ وهل فاتها أن «المتغطى بأمريكا عريان»، وأنها لا تسعى إلا لمصالحها وليذهب الآخرون إلى الجحيم؟ فماذا تفعل هذه القيادات يوم تدير أمريكا ظهرها لكم، عندما تجد مصالحها مع مصر الدولة؟ يومها لن تجدوا دعماً أو مساعدة أو تأييداً.. سوف تكتشفون أنها تركتكم تلقون مصيركم ونهايتكم.

(٣) إن قياداتكم تراهن على انهيار الدولة؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. نعم، مصر تعانى من أزمة اقتصادية حادة، وهى تمر الآن بمرحلة انتقالية صعبة، خاصة بعد ثورتين كشفتا عن تركة خربة فى كل المجالات والميادين.. ثم، يجب ألا ننسى معارك الإرهاب التى كانت سبباً مباشراً لتراجع النشاط السياحى، وهروب الاستثمارات، ولا أن ننسى الفساد الذى ظل يرتع فى مصر على كافة المستويات عقوداً طويلة.. ثقوا جيداً أن انهيار الدولة -الذى تتمناه هذه القيادات- لن يحدث بإذن الله.. سوف تستعيد مصر إن شاء الله عافيتها بجهود أبنائها المخلصين وجنود جيشها الغر الميامين.. سوف تتخلص من أزماتها وتنفض عن نفسها غبار السنين، وسوف يأتى اليوم الذى تؤدى فيها دورها الاستراتيجى والحضارى على المستويين الإقليمى والدولى، وما ذلك على الله بعزيز.. تذكروا قول «حافظ» فى رائعته «مصر تتحدث عن نفسها»: «أنا إن قدر الإله مماتى.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى»، أو قول «شوقى»: «بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة.. وأهلى وإن ضنوا علىَّ كرام».. أيها الشباب: ثوبوا إلى رشدكم، ولا تجعلوا الكراهية تعمى قلوبكم.. عودوا عما أنتم عليه، واتركوا ما أنتم ماضون فيه، ولا تكونوا ألعوبة فى يد أعداء وطنكم وأمتكم.. لا تبحثوا عن تبريرات لقياداتكم، ولتكن لديكم شجاعة مواجهتها ومحاسبتها على أخطائها.. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل