المحتوى الرئيسى

الموت لن يوقفهم.. مراهقون نجوا من كارثة رشيد يتوعّدون بمعاودة الهجرة لأوروبا.. لن تصدق موقف أهاليهم

09/28 17:41

عندما غرق قارب رشيد على بعد عشرات الأميال عن ساحل البحر المتوسط في مصر، سقط عطية عبده قمري، البالغ من العمر 17 عاماً، في البحر بين أمواجه المُتلاطمة، ومعه المئات من المهاجرين الآخرين الذين أصابهم الذعر.

كان أكثر من نصف العدد الذي كان على متن القارب، يشبهون عطية كثيراً، جميعهم فتيان في سن المراهقة. ومنهم الكثير ممن ترك قرى الصيد الموجودة على الساحل الشمالي حيث يلتقي نهر النيل والبحر، أملاً في بدء حياة واعدة في إيطاليا، وأملاً كذلك في إرسال بعض الأموال إلى أهلهم الذين يحتاجونها بشدة.

كان الكثير منهم يسافر في الطوابق السفلية من المركب، التي غالباً ما تكون مُخصصة لتخزين الأسماك، حسب تقرير لصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية.

سمع عطية، الذي كان نحيفاً وطويلاً وسبَّاحاً قوياً، أصوات البعض وهم يصيحون في استغاثة: "ساعدوني، أنا أموت". استطاع بعضهم الإمساك بعطية والتشبث به، بينما غرق البعض الآخر إلى أعماق البحر. وأحد أصدقائه الذي كان موجوداً بجانبه، انزلق بعيداً عنه.

وفي وقت لاحق، قال عطية، الذي لم تُظهر عيناه التي تختبئ خلف رموشه الطويلة أي تعبيرات: "رأيته يغوص إلى الأسفل، مع أنه كان يتشبّث جيداً بيدي".

أصبح البحر الأبيض المتوسط الذي يمتد ما بين شمال إفريقيا وإيطاليا، من بين الأماكن الأكثر زحاماً والأكثر دموية على الإطلاق، إذ يحاول الكثير من المهاجرين واللاجئين الهرب من الفقر والعنف في أوطانهم. وزاد عدد الشباب الذين يحاولون عبوره بشكل ملحوظ للغاية في الفترة الأخيرة، طبقاً لما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

وتسببت تلك الرحلات في قتل ما يقرب من 3165 مُهاجراً ممن يحاولون الوصول إلى أوروبا في عام 2015 فقط، والأعداد في طريقها هذا العام 2016 لتجاوز مجموع وفيات العام الماضي الذي بلغ 3771 قتيلاً وفقاً لمسؤولي معهد الهجرة والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ممَّا يجعله العام الأكثر دموية في تاريخ البحر المتوسط.

تدفق عام 2015 أكثر من مليون مهاجر إلى أوروبا عن طريق البحر، وكان معظمهم من السوريين الفارين من الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم. وسافرت تلك الأعداد الضخمة من خلال تركيا عبر بحر إيجة، وصولاً إلى اليونان، حيث تقطعت بهم السبل وأقاموا في مُخيمات مُؤقتة.

وقد تسببت القيود التي فرضتها دول البلقان والاتحاد الأوروبي في بنود الاتفاقية التي أُجريت مع أنقرة بشأن عودة المهاجرين إلى تركيا، في إيقاف ذلك الزحف الضخم. ولكن طبقاً لما أعلنته المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن ما يقرب من 301,583 مُهاجراً استطاعوا الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر هذا العام. ومن بين هؤلاء، وصل 131,432 مُهاجراً إلى إيطاليا، وجميعهم قطعوا رحلات طويلة امتدت أسبوعاً أو أكثر، قادمين من إفريقيا، وعلى رأسهم النيجيريين والإريتريين.

وقال العديد من المسؤولين والمحللين إن مصر قد برز اسمها كونها موطناً للمهاجرين، خاصةً الشباب. فمنذ شهر أغسطس/آب 2016، وطبقاً لما أعلنته المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد القُصَّر المصريين غير المصحوبين بآبائهم، الذين يصلون إلى إيطاليا عن طريق البحر، تضاعف 3 مرات تقريباً عن العدد المُسَجَّل في نفس الوقت من العام الماضي، إذ وصل عددهم إلى 2266 بعد أن كان 854.

وأعلن مسؤولون ليبيون في سبتمبر/أيلول 2016، أنهم توصلوا إلى اتفاقية مع إيطاليا لمحاربة الهجرة غير الشرعية، التي - مع استمرار الحرب الأهلية الليبية - ستتسبب على الأرجح في توجيه المزيد من المهاجرين المتجهين إلى أوروبا إلى مصر.

وتعتبر أوروبا مقصداً جذابا للغاية للأعداد المتزايدة من السكان في مصر، التي وصلت إلى 93 مليون نسمة حتى الآن.

وذكر عطية أن عدد السكان في قريته زاد بشكل كبير ووصل إلى 35 ألف شخص، معظمهم من الشباب العاطلين عن العمل، مع قدر ضئيل من التعليم، ما يجعلهم يتنافسون على الأعمال منخفضة الأجر.

وقد ترك الصيد الجائر حتى الرجال ذوي الخبرة عاطلين عن العمل سنوات. أما الآن، فالمهربون الذين يحرصون على القيام ببعض الأعمال لكسب المال السريع، يثيرون المخاوف بين الناس، قائلين إن أوروبا ستغلق أبوابها قريباً، طبقاً لما أعلنه المحللون.

وبعد غرق القارب الذي كان عطية على متنه يوم 21 سبتمبر/أيلول 2016 ووفاة العشرات - الذين وصل عددهم إلى 200 شخص على الأقل بحلول يوم الثلاثاء 27 سبتمبر الجاري، بعد العثور على المزيد من الجثث - وتَرْك العديد من الجثث المفقودة، دعا رئيس البرلمان الأوروبي إلى ربط المعونة المُقدَّمة إلى مصر باتفاقية شبيهة بالاتفاقية التي وصلوا إليها مع تركيا في شهر مارس/آذار 2016، للحد من محاولات الهجرة إلى أوروبا.

ومن جانبه عقد البرلمان المصري جلسة طارئة هذا الأسبوع لإعداد قانون يتم بحثه في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، الذي سيتضمن فرض غرامات تصل قيمتها إلى 56 ألف دولار أميركي، واحتمالات الحكم بالسجن مدى الحياة، على المهربين، عند وفاة أي من المهاجرين أو إصابتهم بالإعاقة الجسدية أو الشلل.

أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي حث البرلمان المصري على ضرورة تمرير القانون في وقت قريب، فقد أكد للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر أن إدارته تعمل على الحد من محاولات الهجرة غير الشرعية.

وقال السيسي في خطاب مُتلفز يوم الإثنين 26 سبتمبر 2016: "بالطبع ينتابنا القلق الشديد حيال الأمر، لكننا ملتزمون بحماية حدودنا ومحاولة منع تلك الحوادث. وعلى المجتمع بأكمله أن يشارك بمجهوداته لكي لا تتكرر مثل هذه الحوادث مرة ثانية".

وأضاف في كلمته التي وجهها لمجموعة الشباب الذي يفكّر في الهجرة: "لا تتركوا وطنكم وترحلوا عنه، إذ إنه يمكنكم الحصول على فرصة للمشاركة في نموه، فقط إن بدأتم بالعمل يداً بيد معنا".

أما نائلة جبر، السفيرة المصرية التي تقود الجهود التي تبذلها مصر لمكافحة الهجرة غير الشرعية، فهي تعمل على القانون المُقترح. وقالت جبر: "لن يكون القانون هو الحل السحري للمشكلة. فالمهربون يطرقون أبواب المصريين ويخبرونهم بأنهم بإمكانهم أن يعيشوا في الجنة".

وقد انتهى مكتب نائلة جبر لتوّه من دراسة شملت فحص 11 من أصل 27 محافظة مصرية، ترسل شبابها للهجرة إلى خارج البلاد، وتخطط كذلك لحملة توعية عن طريق وسائل الإعلام. وقالت إن الدول النامية عليها القيام بالمزيد من الجهود لتشجيع الهجرة من خلال الطرق المشروعة القانونية.

وقالت سارة كرو، المتحدثة باسم منظمة اليونيسيف: "لا يقتصر الأمر على وضع قواعد تنظيمية أقوى. فقد واجهنا المشكلة ذاتها مع دول البلقان، ولا يزال الكثير من الناس يأتون، لكنهم يتبعون طرقاً أكثر خطورة من ذي قبل".

لقد حاول خفر السواحل المصري مجابهة قوارب المهرِّبين خلال الأسابيع الماضية، وأوقفوا عدة قوارب على الساحل الشمالي تحمل على متنها مئات المهاجرين. وقالت السُلطات إنَّ 7 من أفراد طاقم القارب الذي غرق الأسبوع الماضي قد وُجِّهت إليهم تهم الاتجار في البشر والقتل الخطأ، واعتُقِل أيضاً مالك القارب.

قال أحمد خميس، صياد على الساحل الشمالي من رشيد، إن بعض المهربين يبتاعون مراكب صيدٍ قديمة تتراوح أسعارها بين 20 ألفاً و30 ألف دولار. وأضاف أنهم يبقون المهاجرين في منازل محلية سرية، مستخدمين زوارق صغيرة لنقلهم إلى المراكب الكبيرة المرساة بعيداً عن الشاطئ.

يعبئ المهربون القوارب الرديئة بمئات الأشخاص - أكثر بكثير مما صُمّمت لحمله - في رحلات ذهابٍ فقط يمكنها أن تُربح المهربين مئات الآلاف من الدولارات.

خميس، البالغ من العمر 34 عاماً، لديه ابنٌ عمره 13 عاماً، ويقول إنه يحاول إبقاءه بالقرب منه، ويختار أصدقاءه بحذر، لكن ربما لا يكون هذا كافياً. وقال: "لا يوجد شيءٌ نبقيهم

أغضبت وفيات حادث الغرق الأسبوع الماضي الكثيرين في مصر، لكنها فشلت في إخماد التوق الشديد ضمن الشباب المنتظرين قرب الرصيف، والذين عرضوا صوراً ورسائل من موقع فيسبوك من أصدقائهم الذين نجحوا في الوصول إلى إيطاليا، متضمّنة نصائح حيال ما تقول بالإيطالية إبان وصولك، "مانجيارِه" - أي "يأكل".

عندما كان في التاسعة عشرة دفع مصطفى أبوعامر الذي يعيش في قرية بمحافظة المنوفية الواقعة إلى الشمال من القاهرة، 3000 دولار لمهرب ليأخذه إلى إيطاليا. بعد 9 أيامٍ في البحر أنقذه الصليب الأحمر، ووجد عملاً في إيطاليا كنجارٍ وأصبح مقيماً شرعياً. تزوج، وبنى منزلاً، وعاد إلى مصر ليربي طفليه.

الآن في عامه الثامن والعشرين يعرف أن نجاحه ألهم ابن قريبه بعمر 16 عاماً أن يركب القارب الأسبوع الماضي. ولم يُسمع منه منذ ذلك الحين.

قال أبوعامر منتظراً الأخبار بالقرب من الرصيف: "الأمر أسوأ الآن، كنا 150 شخصاً فقط على قارب طوله 16 متراً. هذه المرة كانوا مئات".

على مقربة، قال أشرف جمعة (19 عاماً) إنه يتحدّث يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي مع صديق عمره 17 عاماً في إيطاليا، غادر قريتهم في محافظة الفيوم (الواقعة إلى الجنوب من القاهرة) قبل 6 أشهر. قال إن صديقه يرتدي الآن سلاسل من الفضة، ويذهب إلى المدرسة، وتبنته عائلة إيطالية وفي طريقه الآن لأن يصبح مقيماً شرعياً.

يقول جمعة: "عندما أسأله (ألن تعود؟)، يقول (لماذا؟)".

حاول أخو جمعة الكبير الهجرة إلى إيطاليا عن طريق ليبيا مؤخراً لكنه اعتُقل. بينما كان أخوه الأصغر البالغ من العمر 15 عاماً على متن المركب الذي غرقت، ومازال مفقوداً.

قال جمعة إن المهرب الذي رتّب عبور أخيه عمل في هذا المجال في قريتهم أكثر من 16 عاماً، وبدأ بإرسال أبنائه.

كان جمعة سيركب قارب تهريب قبل 6 أشهر، لكنه أعاد النظر في الأمر. اختفى القارب، وتظل أعداد كبيرة من المهاجرين مختفية حتى الآن. اليوم يتوق جمعة لأخبار عن أخيه الأصغر. يقول بعض الناجين إنهم رأوه بعد أن غرقت المركب. آخرون يقولون إنهم رأوا جثته.

يتذكّر جمعة المرة الأخيرة التي تكلما فيها. كانت الأسرة قد وقّعت "كمبيالة" لدفع حوالي 4000 دولار للمهرب من أجل رحلة أخيه. يقول جمعة: "كان يمزح معي، قائلاً (لن أرجع إليكم)"، مضيفاً أن أخاه كان يعرف المخاطر.

وأشار جمعة إلى رجلٍ عجوز يفرز التمر تحت شجرة نخيل من أجل بضعة دولارات في اليوم. قال: "ماذا يمكن لشابٍ مثلي أن يفعل بـ4 أو 5 دولارات في اليوم؟ إن بقيت هنا في مصر، فلن أعيش حياةً كريمة أبداً، ولن أتزوج أبداً".

ينشر الأصدقاء الذين نجحوا في الوصول إلى إيطاليا على مواقع التواصل الاجتماعي قصص عن ذهابهم إلى المدرسة. وبينما يرسلون المال لذويهم، تزدان منازل عائلاتهم المبنية بالطوب الأحمر بأطباق استقبال إشارة القمر الصناعي، والبلكونات المزخرفة، والأبواب الخشبية المنحوتة، وحديد التسليح الذي يصعد عنان السماء بينما يضيفون طابقاً فوق الآخر.

نادراً ما يُعاد الشباب من إيطاليا، التي لديها قوانين تمنع ترحيلهم القسري.

قال أحمد أفندي إن أخاه ذا السبعة عشر عاماً أعيد العام الماضي من جرين آيلاند لأن السلطات شكّت أن عمره 18 عاماً. طلب المساعدة فوراً ليعود مرة أخرى، لكن أحمد - الذي يجني دولارين ونصف دولار في اليوم من قيادة شاحنة لا يمتلكها - رفض.

كان قريبهما المراهق على متن القارب الذي غرق الأسبوع الماضي ومازال مفقوداً.

قضى عطية 8 ساعات في البحر قبل أن ينقذه صياد، ليجعله من ضمن 160 شخصاً نجوا من الغرق. الآن تخشى والدته، سامية علي (36 عاماً) من أن يحاول ابنها مجدداً رغم المأساة. قالت: "لن يتخلى عن فكرة أنه يجب أن يذهب".

كان عطية قد وقع على إيصال أمانة ليدفع للمهرب 2000 دولار. عندما انهار القارب، لم يتوجّب عليه الدفع، يمكنه أن يجرب قارباً آخر.

أخرج فواتير علاج والده. والده مصابٌ بالتهاب الكبد الوبائي "سي"، ولم يعمل منذ عقد ويحتاج 110 دولارات في الأسبوع من أجل الدواء. قال عطية: "أخبرت والدي بأنني سأحصل له على مالٍ كافٍ للعلاج".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل