المحتوى الرئيسى

بيضاء.. ملفوفة القوام | المصري اليوم

09/28 00:39

بهذه العبارة مضمونة التأثير تبتدئ إعلانات طلبات الزواج على النت. مثلما كان فى طلبات الزواج بالصحف، أيام كانت هناك أبواب لذلك. وقد عاينت قبل سنوات سعى شباب الإخوان بالذات إلى الارتباط بإحدى المهجرات من البوسنة والهرسك أيام حرب البلقان، بعد أن خلفتهن الحرب مشردات، حيث الزواج من إحداهن يكلف مئات الجنيهات فقط. وكن جميعاً شقراوات ملونات العيون. بما يتطابق والخيال الموروث، كما تربت عليه عاطفة أكثر الشباب. مع أن أقربهن إلى الإسلام لا تجيد سوى نطق عبارة.. لا لاه إلا لاه، موهاماد رسول اللاه. وكالعادة يصفون عجزهم هذا عن ممارسة العاطفة بادعاء أن ذلك نصرة للإسلام. حتى سرت بين أهالى المنصورة وقتذاك طرفة.. لماذا لا ينصرون الدين فى الأخوات الصوماليات أو السودانيات وكانت الحرب والتشرد هناك على أشدهما أيضاً!. قيل أيضاً ألا تبتغى نصرة الإسلام فى المصريات اللائى يمتد بهن العمر دون فرصة فى حياة محترمة وطبيعية! وقد بلغن فى الإحصاءات الرسمية 9 ملايين فتاة ما بين 18 و35 عاماً حتى عام 2009- وفق آخر تقرير للجهاز المصرى للإحصاء.

ولأن نقائص الرجل هى دائماً نقائص المرأة. فإن المصريات أيضاً يعتنقن النموذج الرجولى المشابه. حتى إن صورة مهند فى المسلسل التركى ظلت على موبايلاتهن. وبأسماء نور ومهند تسمّت محلات كثيرة.

الآن.. لماذا يفضل الرجال والنساء نموذجاً أوروبياً ويجعلونه معياراً للجمال؟ ثم ما هو النموذج المصرى للجمال على غرار قوميات أخرى كاليابانى والهندى والأفريقى واللاتينى الذى تأسره السمرة العنبرية والشعر المسترسل. علماً بأن هناك أعمالاً أدبية كثيرة هفت إلى نموذج المرأة الأوروبية (رواية «البيضا» ليوسف إدريس، و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، وكذا عند توفيق الحكيم وعبدالحكيم قاسم... إلخ). نحن نتحدث عن مجرد الشكل، ودعك الآن من المحتوى.. ولن نجازف بالقول بأن هذا الشكل جعل من المرأة سلعة تُستهلك كأى سلعة لها مواصفات. مما ينزع خاصية التفاعل عن أى علاقة إنسانية أساسها التواصل.

قبل حكاية حرب البلقان هذه، حدث أن زارت المنصورة زنجية أمريكية كانت حديث العالم وقتها، هى أنجيلا ديفيز، بصحبة مساعدتها أستاذة الباليه «ديبورا» وإعلاميات شهيرات مثل د. منى أبوسنة، ود. نوال السعداوى، ود. منى حلمى... إلخ. وراحت ديبورا- التى هى أيضاً زنجية شعرها مفلفل- تراقب الكثير من العابرات ممن صبغن شعرهن أصفر- لم يكن الحجاب منتشراً- ومن بيضن وجوههن بالكريمات. وسألتنى: هواى؟ ولماذا لا تعتز الفتيات بصفاتهن.. الإجابة طبعاً.. لأن الرجال لا يعتزون هم الآخرون بصفاتهم.

فكرت وقتها بأن السبب هو نموذج الهانم التركية الذى تركه فينا الاحتلال العثمانى. المرأة الشقراء الممتلئة، ثم بدا الأمر أبعد من هذا.. فوصف هذا النموذج تكرر فى أشعار أقدم من الاحتلال العثمانى بكثير. فماذا يكون إذن؟!.. ولن يكون فى عولمة الجسد الإنسانى. أى فى المركزية الأوروبية التى تحتل الشعوب عاطفياً أيضاً.

فالذوق والميول يتشكلان بعد زمن كبير من الممارسة فى موضوع المرأة، مثلما فى بقية الأمور.

بالطبع من حق أى شخص أن يسعى إلى الجمال كيفما يمليه عليه خياله. لكن لماذا تغلب على هذا الخيال صورة تقريباً واحدة للجمال؟!.. ولاحظ أن المذيعات والفنانات والإعلاميات يحاولن أن يتطابقن وهذه الصورة أيضاً. وقد أضيف إلى الأمر حديثاً جراحات التجميل وحقن الزئبق والعدسات الملونة. مثلما عملت عليه شركات التجميل بكريمات التبييض وصباغة الشعر.. يعنى نشأت صناعة كاملة، والمعنى أنه ليس هناك نموذج عربى أو مصرى بشكل يجعل سؤال ديبورا لايزال قائماً.. ليه؟.

قد يقول أحد إن مصر تاريخياً استقبلت الكثير من الأجناس، استوطن بعضها وتزوج وأثمر بقاؤها ذلك التنوع فى صفات المرأة والرجل معاً.. غير أنه ما أسرع ما يجيب التراث الدينى.. إذ تتكرر فيه عبارة «حتى ولو كان عبداً حبشياً»، بل إنه إلى حين قريب كانت الأسر العريقة تحرص على امتلاك واحد وواحدة ذات بشرة سوداء للخدمة. ثم يجيب أيضاً عبدالله بن عباس فى وصفه لرحلة الإسراء والمعراج ووصفه للحور العين- كما لو أنه يصف فتيات غربيات الملامح.. الواحدة منهن لشدة بياضها يمكن أن ترى الماء وهو ينزل من عنقها. عليها شفوف ملونة. ويكون نصفها من المسك، ونصفها من العنبر. ليس بينهن سوداوات أو سمراوات، ويضيف التراث الدينى شيئاً يلائم العربى بأنه إن ضاجعها المؤمن تعود له بكراً من جديد.

أضاف لى الفنان التشكيلى «على البهات» حقيقة أن المسيح عليه السلام، والذى نعرفه بهيئته.. يجرى تصويره فى بعض دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية كرجل أسود أو عاجى البشرة. وليس بهيئته الأوروبية التقليدية. فهل نحن محتلون عاطفياً بنموذج للمرأة والرجل معاً، بما يتطابق دنيوياً مع نظيره فى الآخرة، بالذات المرأة؟ بمعنى هل هو استلاب ثقافى اجتمعت فيه المركزية الأوروبية مع الطابع العقائدى ليورثانا ذلك الذوق وتلك العاطفة!.. ربما، لكننى واثق أن ذلك الاحتلال العاطفى لا يتغير بالكلام، إنما بتحقيق الاستقلال الاقتصادى والسياسى، مما يساعدنا على التبلور كأمة.. كما تبلورت وخلصت إلى طبائعها أمم كاليابانية والصينية والهندية... إلخ. وبما يدرب ذوقنا وخيالنا على التخلص من الاستلاب العاطفى. فنكون قادرين على أن نحب أنفسنا أولاً، لا نماذج لسنا منها وليست منا. أكاد أسمع الآن همساً.. الناس فى إيه وأنت فى إيه؟.. لكننى أرى العالم مترابطاً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل