المحتوى الرئيسى

التمايز بين الدعوي والسياسي في التجربة المغربية

09/27 18:46

نشأت حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب عن توحد فصيلين في العمل الإسلامي سنة 1996، هما حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي. وقد كانت نتيجة مسار مراجعات متواصلة فكريا وتنظيميا وسياسيا على مدى عقود من الزمان، قبل هذا التوحد وبعده.

وتعتبر تلك الاجتهادات على العموم استلهاما لتراث الحركة الوطنية والعلمية بالمغرب وتكييفا لتراث الحركة الإسلامية عالميا مع الواقع المغربي.

إن عوامل تلك التحولات متعددة ومتداخلة، لكن يأتي في مقدمتها طبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي المغربي الذي عرف منذ الاستقلال انفتاحا اجتماعيا وسياسيا نسبيا وتعددية سياسية نشطة، كما عرفت فترة نشأة الحركة بالذات مزيدا من الانفتاح على المستويات السياسية والحقوقية.

ولم يتبن المغرب قط في تاريخه المعاصر إستراتيجية عدائية للحركة الإسلامية، ولم يسلك -كما سلكت بعض الدول- أسلوب تجفيف منابع التدين لمحاصرتها. ولذلك اتسم التيار العام في أوساط الشباب المتدين وفي أوساط الحركة الإسلامية بالاعتدال والوسطية.

وقد يكون من أهم اجتهادات الحركة تلك المرتبطة بالعلاقة بين العمل الدعوي والعمل السياسي، في ارتباط برؤية أشمل تهم مقاصد الحركة ومكانة الإصلاح السياسي فيها والعلاقة مع الحقل الديني الرسمي.

1- القطيعة مع مطلب إقامة "الدولة الإسلامية"

يشكل كل من الموقف من النظام السياسي وطبيعة العلاقة معه واحدا من أهم التحولات الممهدة للتمييز بين الدعوي والسياسي.

وهكذا، برز تدريجيا لدى قيادات وأبناء الحركة الوعي بأهمية كون الدولة في المغرب ذات جذور تاريخية تمتد إلى أكثر من اثني عشر قرنا، وأنها ظلت باستمرار كيانا سياسيا مستقلا، والوعي بأهمية استنادها منذ البداية إلى الشرعية الدينية. فكان مبرر وجودها، على العموم، هو الدفاع عن الدين ونشره، وهو أيضا مبررها في الاستمرار، وذلك على الرغم من التحفظ على ممارسات قد تبرز أحيانا وتكون منافية للحكم الرشيد أو لمقاصد الدين.

وقد تعززت تلك الشرعية الدينية بالتنصيص في الدستور بعد الاستقلال على أن المغرب دولة إسلامية وأن الملك أمير المؤمنين. وبالتالي، فإن تأثير صدمة سقوط "الخلافة الإسلامية" على المغرب كان أخف بكثير منه على المشرق العربي، لأن الجميع يعتبر أن الدولة الإسلامية في المغرب مستمرة، لم تنقطع ولم تسقط. وقد أعطى ذلك ما عرف بـ"الخصوصية المغربية"، مما كان له تأثير بعيد المدى على السلوك الدعوي والتنظيمي والسياسي للحركة.

ومن تأثيرات ذلك، القطيعة التدريجية مع فكرة "إقامة الدولة الإسلامية" التي أخذت مفهوما انقلابيا طيلة عقود من القرن الماضي لدى بعض الحركات الإسلامية المشرقية، وبروز الحديث عن خطاب الإسهام في إقامة الدين بدل خطاب إقامة الدولة. وأكدت الحركة في أدبياتها على أن الدولة والمجتمع لا يخرجان عن صفتهما الإسلامية، وأن مبرر العمل الإسلامي هو الإسهام في إعطاء مضمون لهذه الصفة في الواقع والإسهام في تقويم الوهن في عرى الدين.

وقد ساعد هذا التحول ـمن بين عوامل أخرى أهمها البيئة السياسية في المغرب والانفتاح الذي بدأ يعرفه ـ في الحسم مع التفكير الانقلابي، والتبني النهائي للمنهج الإصلاحي في التغيير. ولهذا، تم سنة 1987 إصدار جريدة الإصلاح التي كان شعارها "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" }سورة هود، الآية 88{. وتم التوجه بحزم إلى تبني العمل في إطار الدستور والقوانين الجاري بها العمل، ومن داخل المؤسسات.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل