المحتوى الرئيسى

كريم رجب يكتب: «مصر تغرق» في ذكرى «عبد الناصر».. و«السيسي» يتحالف مع «الحمار» | ساسة بوست

09/26 13:41

منذ 11 دقيقة، 26 سبتمبر,2016

قهوتي لا تقبل السكر كأيامنا الخالية من أي حدث سوي، ودخان تبغي الكثيف يخترق صدري إلى رئتيّ ليشكل سحابة رمادية دخانها الكثيف يشبه الحالة الضبابية التي نعيشها، أما النيران فيكفي أنها تزيد درجة غليان البن الرديء بعد ذوبانه في مياه الصنبور الملوثة أو المصريين من كم الهراء اليومي لهذا النظام، تتدافع الأفكار فيما يشبه زحام ركاب مترو الأنفاق وقت الظهيرة، هل أتطرق لزيارة نيويورك أم أكتب عن خالد الذكر، وجدت مركب رشيد أغرقت الأفكار في بحار الوطن المحبط.

أما المستهل فسيكون زيارة الرئيس المتأمل عبد الفتاح السيسي إلى نيويورك، العاقلون في بر مصر لا يهتمون بخطاباته، ولكنهم ينتظرون على أحر من الجمر مثل عشاق «الكوميكس» إطلالة الرئيس بخطاب أو زيارة أو حتى نظرة تأمل في سقف أي مكان يدخله، فمن منا لا يذكر صورته الجميلة في قمة العشرين التي التقطها مصور عبقري وهو يقف مبتسمًا وسط كم كبير من المتغيرات حوله، ويكفي أن نذكر تعليق السواد الأعظم من جمهور مواقع التواصل على الصورة بـ«أصلًا عادي»، كذلك نظره للسقف في أي مكان يدخله شيء غير مفهوم كبقية تصرفاته.

حالة تلاشي الأمل التي وصل لها عدد كبير من المصريين ليست وليدة اللحظة، ولا تتعلق بحب الرجل أو كراهيته، ولكنها بالأساس نتيجة لتحويل مصر إلى دولة شبه فاشلة، فعلى سبيل المثال منذ شهر تقريبًا قطع عدد من المساكين الطريق في شبرا الخيمة اعتراضًا على عدم توفر لبن الأطفال، فتدخل الجيش لحل الأزمة وقد فعل ذلك، فخرج عدد كبير من الغاضبين عبر وسائل التواصل اعتراضًا على إقحام المؤسسة العسكرية في هذا الأمر بدافع أن ذلك يعد إهانة لجيش مصر، مطالبين بضرورة معاقبة من تسببوا في تفاقهم الوضع.

فما كان من كتائب السيسي الإلكترونية، ومرتزقة الإعلام إلا أن وجهوا لهم الاتهامات بالخيانة، واستشهدوا بأنشطة تجارية للجيش الأمريكي مثل «البيتزا» وغيرها، وهنا أقول لهم هل تعلمون أن أكبر شركة تصنع طائرات حربية في العالم «لوكهيد مارتن» ليست مملوكة للجيش الأمريكي أصلا؟ بل تكتفي الحكومة الأمريكية بالحصول على نسبة من مبيعاتها وممارسة بعض الضغوط أحيانـًا لإتمام صفقات مع دول بعينها، لا أعارض النشاط الاقتصادي للجيش المصري ولكن بشروط؛ أولها أن لا يأخذوا مليمًا واحدًا من موازنة الدولة، لا معاشات ولا مرتبات ولا أي شيء، وثانيها أن يمتثلوا لأسس المنافسة الشريفة في عرض منتجاتهم، طالما أنهم لا يستطيعون مواجهة فُجر بعض التجار مثلًا.

بالعودة إلى خطاب الرئيس في نيويورك نجد أن مغازلة الرجل للشعب الإسرائيلي شيء بالغ الحقارة، حتى وإن كان الغرض منها جيدًا للشعب الفلسطيني، فلا يعقل أبدًا أن توصف تجربة إهانة مصر على يد «السادات» وتوقيع كامب ديفيد بـ«الفريدة»! نحن لن نغفر لإسرائيل وقادتها ما فعلوه بجنودنا في صحراء سيناء المقدسة، أيضًا قصفهم لأطفالنا في بحر البقر، وقتلهم عمالنا في نجع حمادي، وغيرها كثير، فقط كل ما نرجوه أن يقرر الفلسطينيون مصيرهم وأن ينهوا الانقسام الداخلي بينهم ومن ثم سنكون كما شهد التاريخ في ظهورهم ونتصدر لنصرة قضيتهم في كل الساحات.

أما عن تصريح الملياردير الفقير فكريًا دونالد ترامب المرشح لرئاسة الولايات المتحدة، بأن «السيسي» رجل رائع، معبرًا عن سعادته بوجود كيمياء بينهما، فهو يعد مؤشرًا قويًا على اقتراب العلاقات المصرية الأمريكية من التحسن بعد فترة طويلة من الفتور، ولمن لا يعلم أسرار هذا التقارب واحتفاء الإعلام المصري بهذا اللقاء، أقول له إن «الحمار» الديمقراطي، وهنا لا أقصد ترامب بالطبع ولكن شعار الحزب، لا يكترث بحقوق الإنسان ولا الحريات، فقط يعترف بلغة المصالح ويكتفي بها، وهذا ما يطمئن الرئيس المصري جدًّا، ويجعله يعبر عن ثقته في قوة السيناتور الأمريكي حال دخوله البيت الأبيض.

أما عن السيدة البائسة هيلاري كلينتون، فهي تعاني من اعتلال صحتها وقراراتها بشأن مصر، فأغلب تصريحاتها لا تحدد ما إذا كانت ستتبع سياسية «الفيل الديمقراطي»، أم ستكون مصر حالة خاصة في أجندتها، فحزبها يمارس أسوأ المساومات القذرة في لعبة السياسة، وساحات الشرق الأوسط وبلدانه تشهد على دعمهم لداعش والسعودية التي لا تتردد في دعم الإرهابيين، وأيضًا تحالف الديمقراطيون مع تركيا ثم أداروا ظهورهم لها في لمح البصر أو هو أقرب، كذلك استخدامهم لـ«هيومان رايتس ووتش» وغيرها لابتزاز الديكتاتوريين العرب.

وبعيدًا عن سوءات «السيسي» ومساوئ نظامه، لا يجب أن تمر ذكرى رحيل جمال عبد الناصر، مرور الكرام، ولنقتطف من غياهب حكمه ما تيسر لنا حتى نستفيد في ثورتنا القادمة ضد الجهل والفقر والمرض، أخرج هشام أبو النصر فيلمًا بعنوان «البيات الشتوي» قام ببطولته القدير عبد الله غيث، وشاركه عبد الله محمود وأحمد راتب وصابرين وعدد من الفنانين الناصريين، الفيلم عن رواية الكاتب الكبير يوسف القعيد، التي يأخذنا فيها لخريف 1964م، ويقدم لنا الحلم الذي يدغدغ الحياة البسيطة في قرية ريفية، ويهيج القلوب اليائسة من التغيير ويوقد شعلة الأمل ليحدث شروخًا في الواقع ويرفع سقف طموحات الفلاحين وأمانيهم، ولكن قبيل تحول الحلم إلى واقع تقطع البيروقراطية طريق الآمال وتجهض كل ما سبق، فهي العدو الحقيقي لأية ثورة والقاتل الغادر لكل الطموحات، وجحيم الأوطان، فقراء هذا الوطن ومساكينه حولوا جمال عبد الناصر إلى إله للعزة والكرامة، وإحقاقـًا للحق فإن الرجل كان يتمتع بكاريزما رهيبة مكنته من القلوب قبل العقول، وهو الوحيد الذي تلقى هجومًا ضاريًا من شعراء وأدباء في حياته ونال كثيرًا من الحب والتقدير عبر الأشخاص أنفسهم بعد وفاته، ومنهم على سبيل المثال الشاعر السوري الكبير نزار قباني، والفاجومي أحمد فؤاد نجم، وعبد الرحمن الأبنودي.

لا يعرف كثيرون أن جمال عبد الناصر كان رئيسًا لاتحاد طلاب مدرسة النهضة الثانوية، بحي الظاهر في القاهرة، وفي هذه الفترة ألقى عبد الناصر نفسه في بحار الثقافة والأدب، وأخذ يسبح بين ما كتبه «فولتير» و«روسو»، وقرأ عن الثورة الفرنسية و«نابليون» و«الإسكندر»، أيضًا «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، ورائعة فيكتور هوجو «البؤساء»، وكان للأدب العربي نصيب، من سيرة النبي محمد إلى أشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، كذلك «عودة الروح» لتوفيق الحكيم التي قد تكون سببًا في أن تصل طموحات الطالب جمال عبد الناصر إلى حكم مصر، لأنها تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يوحد صفوفهم ويقود نضالهم نحو الحرية، ومن المعلومات المدهشة أن الطالب جمال عبد الناصر لعب دور «يوليوس قيصر» بطل تحرير الجماهير في مسرحية «شكسبير» بحضور وزير المعارف في حفل مدرسة النهضة الثانوية عام 1935، كان عبد الناصر متذوقًا للأدب شغوفًا بالثقافة وممثلًا أيضًا، ولكن السلطة لا تؤمن بالثقافة والديكتاتور لا يعترف بالإبداع، فقد عبد الناصر عذرية الفهم، وأفقد الشعب أعز ما يملك، ومنذ عهده دخلت مصر عهدًا مازوخيًّا لا نعلم متى سينتهي.

أما عن علاقته بأمريكا فأعلن موقفه الرافض لمعونتها وتهديد السيادة المصرية، وشن وقتها هجومًا حادًا على الولايات المتحدة، وقال: «إذا كان الأمريكان فاهمين إنهم بيدونا شوية معونة علشان يتحكموا فينا وفي سياستنا أنا بقولهم إحنا مستعدين نقلل استهلاكنا من المواد الغذائية، في سبيل أن نحافظ على استقلالنا اللى حاربنا علشانه، ومستعدين نرجعلهم المعونة على «الجزمة»، إحنا شعب مبيحبش الرزالة والغتاتة»، ولكن من خلفوه في حكم المحروسة بكل أسف تناسوا ذلك، فولوا وجوههم شطر واشنطن وقدموا كرامة مصر قربانًا على عتبات البيت الأبيض، فالسادات ألقى بأوراق مصر هناك ومنذ ذلك الحين لم تعد، ومبارك كان يرى أنه التعامل بندية مع الولايات المتحدة يعد انتحارًا، كذلك المشير طنطاوي كان يحافظ قدر استطاعته على توازن العلاقات، ومرسي لم يتردد مرشده في الذهاب إلى جون كيري لأخذ المباركة الأمريكية، أما «السيسي» فأنا أعتبره «حكاية تانية خالص».

لن أجادل في حالة الشد والجذب بين النظام المصري والولايات المتحدة عقب الإطاحة بـ«مرسي»، ولكن سأختصر كل هذا في مشهد «فضيحة» إن جاز وصفه، كيف لأي إنسان يتمتع بذكاء محدود أن يقرأ ويتابع تصريحات النظام المصري بعدم الانصياع للكتلة الغربية أو الشرقية بل يؤكد عبر إعلامه الكارثي أنه ند قوي ويعبر عن الكرامة المصرية وإرادة الشعب الأبي، أن يشاهد «السيسي» وهو ينتظر مصافحة أوباما بطريقة مهينة وترتسم على وجهه ابتسامة «سايس» ينتظر بضع جنيهات من رجل ثري! – مع اعتذاري الشديد للسايس عن التشبيه، هذا الموقف «المسخرة» حاول إعلام «السيسي» أن يمحيه بخبر يفتقر للمهنية عبر موقع شهير لأنصار مبارك «السيسي يحرج أوباما في الأمم المتحدة»، والحقيقة أن مهازل «الجنرال» جعلتنا أضحوكة الأمم.

وكما أنهي يومي، بكثير من الفكر في غد ملامحه محددة مسبقـًا، ومزيد من زرع الأمل كما يفعل كل عاطل ومحبط في هذا الوطن، تمامًا مثل 400 من أبناء مصر ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فقرروا أن يولوا مدبرين، منهم من أخذ زوجته وطفله إلى المجهول بحثًا عن حياة أفضل أو آخرة تنهي كل هذا العبث، سبقتهم أحلامهم على مركب صغير يمتلكه سماسرة اعتادوا على التجارة بالوطن وثروته البشرية، ولكن لأن الرياح غالبًا ما تمزق أشرعة سفن الأحلام، وغياب الحظ يغرق الأمل، صعدت أرواح أكثرهم بؤسًا، ونجا الأشد شقاء، وسبقهم إلى أوروبا كثير من الأولين وربما أثناء كتابة هذه السطور تكون وصلت أعداد لا بأس بها إلى سواحل القارة العجوز.

لن نخوض في تفاصيل الكارثة، فقط نتضرع إلى الله أن يهدي من انتقدوا الضحايا أو يكتب لهم المصير نفسه عبر سفن شرعية حتى يتجرعوا من الكأس نفسه، مأساة مركب رشيد باختصار شديد هي ناقوس خطر لوطن يغرق، بدأت الثقوب تنخر في سفينة مصر منذ عهد خالد الذكر، ثم تزايدت بالسادات ومبارك وطنطاوي ومرسي، أما «السيسي» فهو يريد الإبحار بالسفينة رغم كل ما بها إلى بحر الظلمات، كما اعتدنا القول الملكية لم تكن جنة، ولكن نحمل الجنرالات المسئولية الكاملة لأنهم تعهدوا وحددوا في مبادئ ثورتهم عام 1952 بإقامة حياة ديمقراطية سليمة، ولكننا لم نر الحياة ولا حتى الديمقراطية، فقط كل ما نحلم به أن تظل مصر سليمة من الأذى.

كثيرون لا يريدون مغادرة الوطن، وأكثر يمنون أنفسهم بتأشيرة أو حتى قارب موت يستقلونه هربًا من الجحيم، مصر الآن هي الأم الثكلى التي فقدت ابنها، تسيل دموعها ندمًا على فراقه، يقطر قلبها دمًا لأنها طردته منها، ولكنها بريئة من إزهاق روحه، كفاكم عبثـًا واتقوا الله في وطن كان يهرع الأوروبيون إليه منذ 60 عامًا هاربين من جحيم بلادهم، وتشهد مخيمات العريش وبورسعيد وغيرها على ذلك، لماذا حولتم مصر من جنات وعيون وزروع ومقام كريم لشبه دولة يفتك بها الظلم والفساد والجهل والمرض والفقر؟ ماذا تريدون منا؟ كفاكم مصادرة لأحلامنا المشروعة، وتيقنوا أننا سننتزع حريتنا منكم ولو بعد حين، وختامًا تحضرني كلمات أحد من زج بهم عبد الناصر في معتقلاته، العظيم نجيب سرور في وصيته لنجله التي سكنت **امياته، عندما قال:

يا ابني أنا جعت واتعريت وشفت الويل

وشربت أيامي كاس ورا كاس طرشت المر

يا ابني بحق التراب وبحق النيل

لو جعت زيي ولو شنقوك ما تلعن مصر

اكره واكره واكره بس حب النيل

وحب مصر اللي فيها مبدأ الدنيا

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل