المحتوى الرئيسى

رصاصة في وجه الملك

09/26 01:19

كانوا يقصفون بلغراد، وكنت هنا زميلاً الى جانبنا في «السفير» في العام 1999. قلةٌ تعرفُ ذلك عنك. وكنت تتململ حنقاً كيف تُستباح عاصمةٌ وتقسّم يوغوسلافيا أمام تواطؤ العالم... وأنظارنا.

وقتها قتلوك يا ناهض. يوم انهمرت الصواريخ الأميركية على التلفزيون الصربي لإسكات الصوت المعادي للامبريالية كما تحب ان تسميها، وأنت تنفث دخان سيجارتك بشراهة وغضب. مات الصحافيون تحت أنقاض المبنى، ولم يندد أحد بذلك. وكانت ربما سابقة أن تباد قناة تلفزيونية لأنها «معادية». ولم يندد أحد. ثم عاودوا الكرّة. وكلما ذهبوا الى عاصمة استباحوها. قصفوا التلفزيون العراقي، ثم قناة «المنار»، وأغلقت قنوات وإذاعات في فلسطين واليمن والعراق ... لا لشيء سوى لأنها متهمة بمعاندة الامبراطورية وعملائها في العالم.

وهكذا، كنت أنت في بيروت آتياً من عمان حيث جربوا قتلك مرة، وآلموك. دار الزمن دورته، وغادرتنا، فإذا بك أمام مئة بلغراد اخرى، وعواصم اخرى تنتهك وبلاد شرّعوا أبوابها أمام الفتنة والانقسام وشيوخ الضلال والدم. دمشق الشقيقة، والقاهرة الحبيبة، وصنعاء الجريحة، وبغداد الحزينة..

لكنك كنت ايضاً تخشى على عمّان. وكان كثيرون يعتقدون أنك تبالغ. يظنها القصر ـ والملك - بعلاقاته وتحالفاته، محصنة، وتراها أنت في خطر. وها أنت مرمي أمام «قصر عدله» مضرجاً بدمائك.

القاتل خادم للامبراطورية ذاتها ولعهرها العالمي. أما الرصاص فهو ليس في وجوهنا كلنا، هو في وجه الملك نفسه، ذلك أن ظنَّه بإمكانية اللعب مع العقارب، وإيوائها، واحتضانها المنظم، خدمة لمصالح استقرار داخلي واهٍ، أو مخططات تطال الجوار السوري والعراقي، يمكن أن يرتد على حياة الأردنيين وأمنهم. «هجوم الركبان» الحدودي لم يكن المؤشر الأول ولا الأخير على الخطر الداهم الذي يجازف الملك بالتذاكي على تناقضاته.

وقتها قتلوك يا ناهض. لما سجنوك أول مرة وبعدها مرات، ولما منعوك من الكتابة، ولما سمح الملك هذه المرة باستدعائك بسبب رسم كاريكاتيري لم ترسمه أنت، واتهامك بتهديد أمن المملكة! فيما كبار شيوخ «جهاد النكاح والذبح» يعربدون في طول بلادك وعرضها، وقد أفتوا بجواز قتلك.

دمك، على وجه هذه السلطة التي آوت القاتل. لم تفرز شرطيا واحدا لحمايتك وتركتك وحيدا في صحراء التكفيريين، وها هي جثتك ملقاة على أرض انحطاطنا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل