المحتوى الرئيسى

الحذر المضاعف مطلوب

09/25 21:50

زيارة السفير الإسرائيلى فى مصر للكنيسة المرقسية بالإسكندرية خبر مؤسف ومقلق، كما أن التبريرات التى قيلت للزيارة بعضها مرتبك وغير مقنع وبعضها صادم ومزعج. أستند فيما أدعيه إلى النص الذى أبرزته صحيفة «الشروق» على صفحتها الأولى يوم السبت ٢٤/٩، الذى لم أجد تصويبا له أو تكذيبا خلال الثمانى والأربعين ساعة التالية. الخبر المنشور نسب إلى مصدر كنسى ما يلى: إن لقاء السفير الإسرائيلى مع ممثلى الطائفة الأرثوذكسية تم بناء على طلب من السفير المذكور وليس بترتيب من الكنيسة ــ إنها كانت زيارة «مفاجئة» ولم تستغرق أكثر من نصف ساعة ــ إن السفارة تقدمت بعدة طلبات سابقة لمقابلة الطوائف المسيحية فى الإسكندرية، إلا أنها جميعا قوبلت بالرفض الذى تم فى السابق «لأن موقف الكنيسة الوطنى كان واضحا فى هذا الشأن».

هل يمكن أن نصدق حقا أن الزيارة كانت مفاجئة؟ مبلع علمى أن السفراء لا يقومون بزيارات مفاجئة للجهات التى يقصدونها، ولكن الأمر لابد أن يرتب بإخطار مسبق، سواء للقاء المسئولين فى تلك الجهة، أو للجهات الأمنية التى لها دورها البديهى فى هذه الحالة، خصوصا مع السفير الإسرائيلى الذى يحتاج إلى تأمين من نوع خاص. لا يخفف من وقع التصرف أن يكون الرجل قضى نصف ساعة فقط مع المسئولين فى الكنيسة أو قضى أكثر من ذلك، لأن التحفظ ليس على مدة الزيارة ولكن على مبدأ القيام بها باعتبارها شكلا من أشكال التطبيع الذى يستفز الرأى العام ويسوغ استنكاره. ناهيك عن أنه ليس مفهوما أن يقال إن الزيارة كانت مفاجئة وإنها كانت بطلب من السفير وليس بترتيب من الكنيسة.

يقترن الاستياء بالحيرة حين نلاحظ ما ذكر فى الخبر عن أن السفير الإسرائيلى سبق له أن طلب زيارة الكنيسة ولكن ذلك الطلب رفض عدة مرات. تنضاف إلى الحيرة الدهشة وخيبة الأمل حين يفسر الرفض السابق لطلبات الزيارة بأنه راجع إلى أن الموقف الوطنى للكنيسة كان واضحا آنذاك. وهو ما نستدل منه إلى أن الرفض كانت له أسبابه الوطنية، ونفهم منه أن الأمر لم يعد بذات الدرجة من الوضوح الآن. وإذا جاز لى أن أعيد صياغة الكلام بصورة أكثر دقة فقد أقول إن الكنيسة كانت تتعامل بحذر مع الموضوع الإسرائيلى فى السابق. خصوصا أن نظام مبارك كان مع التطبيع الحذر، لكنها تخلت عن ذلك الحذر فى الوقت الراهن، باعتبار أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب أصبحت أكثر دفئا. وأن الكلام عن السلام البارد الذى ظل عنوانا للعلاقة فى السابق، جرى التراجع عنه فى الوقت الراهن، بحيث أصبح الكلام أكثر إفصاحا وجرأة، حتى صرنا نقرأ تصريحات تصف العلاقة مع إسرائيل بأنها من قبيل السلام الدافئ وليس البارد. وهى صياغة قلبت الآية، بحيث صار السلام باردا مع الفلسطينيين وقطاع غزة بوجه أخص، ودافئا مع الإسرائيليين.

لا نستطيع أن نتجاهل فى هذا الصدد أن الزيارة التى قام بها البابا تواضروس بطريرك الكرازة المرقسية على رأس وفد كنسى للقدس فى شهر نوفمبر من العام الماضى (٢٠١٥) ــ وهى الأولى من نوعها منذ ٥٣ عاما ــ كانت خطوة لها دلالتها على درب العلاقات «الدافئة» المشار إليها مع إسرائيل. ومعروف أن المجمع المقدس كان قد أصدر فى شهر مارس عام ١٩٨٠ منع سفر المسيحيين للحج فى الأراضى المقدسة عقب اتفاقية كامب ديفيد.

هذه الخلفية تنسجم مع التحليل الذى أورده بيان بعض المثقفين الأقباط الذى انتقد رعاية الكنيسة للمظاهرات التى رتبت لاستقبال الرئيس السيسى أثناء زيارته للأمم المتحدة، حين ذكر أن القيادة الكنسية الراهنة أصبحت منذ الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ لاعبا سياسيا حريصا على الاندماج مع النظام القائم بأكثر من حرصه على التفاعل مع الحراك المجتمعى والمسار الديمقراطى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل