المحتوى الرئيسى

«إرث ستالين»..بوتين يُنشئ جهازًا استخباراتيًا جديدًا - ساسة بوست

09/25 17:19

منذ 18 دقيقة، 25 سبتمبر,2016

«بوتين ربما لايزال يعيش في أيامه الماضية مع «جهاز الاستخبارات الروسي» (كيه جي بي)، ولكن هذا الجهاز قد انتهى من الوجود، لايمكن أن نأخذ ذلك على محمل الجد»، يبدو هذا التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي السابق «داوود أوغلو» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم يكن في محله.

ويعمل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بجدية؛ للتواجد في أجواء جهاز الاستخبارات الروسي السابق «كيه جي بي»، وهو يريد أن يكون مثل الزعيم السوفيتي «جوزيف ستالين» استخباراتيًا، لذلك اتخذ قرار بإنشاء جهاز استخباراتي جديد يحقق أحلامه في السيطرة على روسيا، وعلى العالم، بعد أن يضمن بقاءه في منصبه حتى العام 2024.

لماذا يُنشأ بوتين جهازًا استخباراتيًا جديد؟

«إن جهاز كيه. جي. بي، كان أحد أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم، والجميع داخل روسيا وخارجها يعلم ذلك، ولهذا فإن إنشاء إم جي بي، سيمنح روسيا قبضة حديدية تشرف عليها قيادتها الموحدة«. يخلص هذا التصريح الذي أدلى به الجاسوس في وحدة «ألفا» الاستخباراتية الروسية، «سيرجي جونشاروف»، الهدف الرئيس من إعادة إنشاء جهاز استخبارات جديد للقيادة الروسية الحالية.

سيُمنح هذا الجهاز صلاحيات كانت خاصة بجهازالاستخبارات السوفييتي السابق، الذي بدأ بوتين حياته المهنية فيه، فقد كان اسم «إم جي بي»، هو الاسم الأول الذي سُمّي به جهاز الاستخبارات، الذي أوجده الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، إبان حكمه، ثم تحول إلى «كيه جي بي» عقب وفاة ستالين.

وتذكر صحيفة «ذي كومرسنت» الروسية، أن الإدارة الروسية ستؤسس «إم. جي. بي» من جهاز الأمن الفيدرالي، وأن هذا الكيان الجديد، جهازي الاستخبارات الخارجية (إس في آر)، وحرس الدولة (إف إس أو«.

وبحسب صحيفة «التايمز» الأمريكية، فإنه من المتوقع أن تدمج «الخدمات الاستخبارية الخارجية»، و«خدمات الحراسة الفيدرالية»، التي تحرس بوتين، في جهاز الأمن الفيدرالي.

ولا يقتصر الخوف من هذا الجهاز على الداخل الروسي المتمثل في موقف المعارضة الروسية، التي أدركت أن هذا الجهاز سيفرض المزيد من القمع الممنهج، بمجرد إبصاره النور، بل سيصل القلق منه على المستوى العالمي، خاصة مع الخصم الولايات المتحدة الأمريكية.

يوصف بأنه «أسوأ دكتاتور في القرن العشرين»، إنه الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، الذي ما يزال محل تقدير عند الروسيين، بالرغم من دوره في موت الملايين منهم؛ إذ يرى الروس فيه المنتصر على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

ستالين هو أحد أقوى مؤسسي أجهزة الاستخبارات في العالم، حتى اليوم ما تزال تُكشف أسراره الاستخباربة، فمؤخرًا قال أحد العملاء: إن الأمر وصل بستالين لحد التجسس على الزعيم الصيني «ماو تسي تونج»، بتحليل برازه؛ وذلك بهدف رسم تصور عن حالته النفسية الأمر الذي أفضى في النهاية لتقليل ستالين من أهمية فكرة توقيع اتفاقية مع الزعيم الصيني؛ لأنه «عصبي» كما أظهرت نتائج تحليل برازه.

وبوتين الذي أًرجعت حتى مشيته لخلفيته العسكرية الاستخبارية، يبدو أنه يحاول أن يكون مثل جوزيف ستالين، فهو «رجل غامض» و«حرباء» كما يصفه مؤلف كتاب «بوتين..المسار السرّي» الذي أشار إلى تلّون بوتين حسب الظروف تبعًا لما تقتضيه مصالحه.

ويقول المؤلف »فلاديمير فيديروفسكي»: إن «بوتين حافظ باستمرار في عمله على الطرق التي كان قد تدرّب عليها في سنوات عمله الطويلة كأحد ضباط جهاز ضباط الجهاز السرّي السوفييتي السابق الشهير (كيه جي بي)، وهو لم يحافظ فقط على تلك الطرق، بل برع فيها»، مُضيفًا «طبقًا لتعليمات مدرسة (الكيه جي بي) للعمل الاستخباراتي، يدفع الآخرون الذين يتحدث معهم للاعتقاد أنه مثلهم، وواحد منهم، وأنه مرآة يمكن لكل متحدث أن يجد نفسه فيها، باختصار يستطيع الدخول في أي قالب».

وأشار تقرير لمجلة «فورين بوليسي» إلى أن «بوتين يسخّر استراتيجية جديدة لتحقيق أطماعه التوسعية، ويستخدم لتحقيق ذلك مؤسسات وجماعات تدافع عن روسيا، هذه المؤسسات تربطها علاقات وثيقة بأجهزة الاستخبارات الروسية، وتتلقى الدعم من الكرملين وأشخاص مقربين من النظام الروسي، أنشطتها تتراوح بين تقديم المساعدات الإنسانية، والتدريبات شبه العسكرية».

ويستشهد تقرير فورين بوليسي بما جرى في القرم، أواخر فبراير (شباط) 2014، فيذكر أن «موسكو أصبحت تعتمد بشكل مكثف على المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة، والنشطاء المزيفين المشتغلين مع الكرملين؛ وذلك لإثارة الفوضى والتسبب في ظهور أزمات ببلدان الجوار؛ وذلك بهدف تبرير التدخل الروسي في الشؤون الداخلية لتلك الدول.«

أحد أقوى الأجهزة الاستخباراتية العالمية، منذ عهد الاتحاد السوفيتي وحتى الآن هو جهاز المخابرات الروسي، تأسس الجهاز في 20 ديسمبر(كانون الأول) من العام 1917 برئاسة «فليكس دزر سنسكاي».

تقوم المهمة الأساسية للجهاز على حماية الدولة الروسية أمنيًّا وحماية مصالحها الوطنية داخليًا وخارجيًا، ويخضع لسيطرته جهاز الاستخبارات الخارجية، الذي تقوم مهامه «على ضمان الظروف السلمية لإعمار الاقتصاد الوطني والإسهام في تطوير علاقات روسيا الاقتصادية والسياسية مع الدول الأخرى».

وتلعب النخب الاستخباراتية في روسيا دورًا رئيسًا في الساحة الروسية: فهي بسيطرتها على كمّ الهائل من المعلومات والأدوات التنفيذية ترسم مسارات السياسة الداخلية والخارجية لروسيا بوتين، وتعد العقل الأمني الصانع للكثير من القرارات الحاسمة، وتعرف في أدبيات الصحافة بـ«عصبة سان بطرسبرغ» نسبة إلى مدينة سان بطرسبرغ التي كانت أهم عاصمة في تاريخ روسيا، ومن أهم هذه النخب مهندس النظام الروسي الحالي مدير الاستخبارات الخارجية الروسية «فلاديمير شتيرن»، المسؤول السابق عن ملف أوروبا الغربية في العهد السوفياتي، كما يعد الجنرال «أوليج  كيرديش» المسؤول عن ملف الجبهة الأسيوية في المخابرات الروسية الرجل الآخر الذي يتحكم مع «شتيرن» في ملفات روسية هامة، ويتواصل الرجلان مع أجهزة المخابرات في العالم مثل جهاز الاستخبارات البريطاني (MI5)، والموساد الإسرائيلي والمخابرات المركزية الأمريكية، وهو فريق يعمل أيضًا على ملف الحركات الجهادية في العالم الإسلامي، مثل «تنظيم القاعدة»، ويمسك بملف المافيا في روسيا وغيرها.

يقول المعارض الروسي «رومان نعيموف»، في حديثه لصحيفة «روس برين»: إن «دائرة بوتين ترى نفسها فوق القانون، ولا تفكر إلّا في مصالحها الشخصية، إنّهم ينظرون إلينا ككتلة بشرية لا قيمة لها، همّها الأكبر تنفيذ مخططاتها، حتى لو أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة».

كما يقول الكاتب «محمد الأمين مقراويالوجليسي» «يعدّ هؤلاء الرجال أحد أهمّ وأخطر استراتيجي عالم المباحث اليوم، الأمر الذي يفسر تحكم بوتين في الكثير من الملفات، ومعرفته بخباياها، واستغلالها بشكل جيّد في تسييره لدفة الحكم في روسيا، وللسياسة الخارجية، بفضل دعم الفريق الاستخباراتي النخبوي الذي يقف وراء بقائه وإدامة حكمه، ما يفند ما يشاع في الصحافة من أنّ الرجل يعمل لوحده، وأنّه صاحب استراتيجية أمنية وسياسية فذّة، فالرجل لم يكن سوى جاسوس صغير ومغمور، مكلّف بملفات صغيرة في مدينة دوسلدورف بألمانيا».

«عملية تلاعب كبيرة بنظام المنشطات في رياضات ومسابقات دولية عديدة أشرفت عليها ونظمتها وزارة الرياضة الروسية بمشاركة ومساعدة فعالة من جهاز الاستخبارات الروسية ومجلس الأمن الاتحادي الروسي»، هذا ما كشفه تقرير مستقل للوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا) عن تلاعب جهاز الاستخبارات الروسية بنظام المنشطات في الرياضة، ويؤكد التقرير أن «العشرات من الرياضيين الروس، منهم 15 حصلوا على ميداليات أوليمبية، استفادوا من نظام تناول المنشطات نظمته وأشرفت عليه روسيا وأجهزة مخابراتها في دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في سوتشي مطلع 2014«.

من مهام الاستخبارات الروسية في التدخل بالشئون الرياضية إلى مهامها في مناطق كالينينغراد والشيشان، فقد دفع تورط الجيش الروسي في صراع هذه المناطق الاستخبارات الروسية لتشكيل فرق العمل لما تسميه بـ «مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس»، هذه الفرق هي مزيج من أفراد المخابرات المدنيين والعسكريين وعاملين من جهاز الأمن الفيدرالي ومجلس الأمن القومي الروسي لتحقيق أهداف الجهاز، كما لا يمكننا إغفال دور هذه الاستخبارات مع تنظيم الدولة، فقبل عدة أشهر نشرت وكالة «رويترز» تقرير صحفي يروي قصة خمسة مقاتلين من داغستان تمكنوا من الوصول إلى سوريا بسهولة، بالرغم من ملاحقتهم بشدة من قبل السلطات الروسية لاتهامهم بـ«الإرهاب» والانضمام لتنظيم الدولة.

حمل التقرير الذي عنون بـ «كيف سمحت روسيا لمتطرفيها بالانتقال إلى سورية للقتال في صفوف داعش» المزيد من المفاجآت عندما أكد أن هؤلاء وصلوا إلى سورية بمساعدة مباشرة وغير مباشرة من جهاز الاستخبارات الروسي، واتضح أن «خطة الكرملين هدفت إلى التخلص من المتطرفين عبر صفقات تبرمها معهم لمغادرة أراضي البلاد، حيث بدأ تنفيذها بعد مضي بضعة أشهر على قيام الثورة السورية العام 2011، واستمرت حتى العام 2014 قبل انعقاد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي».

روسيا التي تواجه خطرًا كبيرًا من تنظيم الدولة المتواجد في أراضي القوقاز الذي يعتبرها التنظيم واحدة من أقاليمه، وضعت التنظيم ضمن اهتمامات جهاز الاستخبارات فيها، فهذا الجهاز يراقب التنظيم في سوريا والعراق وأفريقيا، وكما كشف نائب رئيس الإدارة الرئاسية التابعة لهيئة الأركان العامة الفريق «سيرغي أفاناسييف» «هناك ارتفاع في مستوى التهديد الإرهابي في أوروبا؛ جراء عودة مسلحين قاتلوا في بؤر النزاعات إلى أوطانهم، وهم مستعدون لتطبيق ما كسبوا من الخبرات العسكرية في دول أوروبية». ويتابع المسؤول الاستخباراتي العسكري القول «أكثر من 800 جهادي وفدوا إلى ألمانيا خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلى جانب بقاء التوتر الأمني في مناطق تمركز الأقليات الإسلامية في النمسا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول في غرب أوروبا».

ولم تبعد عن الاستخبارات الروسية مسألة تجنيد العملاء لنيل من تنظيم الدولة، ففي واحدة من أشهر هذه القصص جُندت الجاسوسة الروسية أو «الأرملة السوداء» كما تلقب «ألفيراكارابا» لاختراق خلية للتنظيم في منطقة القوقاز، وتمكنت كارابا من قتل أربع من عناصر التنظيم بعد الزواج بهم، بل أدت معلومات نقلتها كارابا التي أعدمها تنظيم الدولة إلى موت عدة عناصر من التنظيم.

انهار الاتحاد السوفيتي، ولم تنته الحرب الباردة بين الخصمين روسيا وأمريكا، فجهاز الاستخبارات الروسي يبقى في حالة تأهب قصوى ضد الولايات المتحدة، لأن الهدف الروسي الذي تبناه الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بـ«تدمير النهائي لجميع أعداء الوطن المجيد» ما زال قائمًا.

ولا يخفى بوتين الضابط السابق بجهاز «كيه.جيه.بي» إعجابه بالعملاء الذين يعتبرهم الأكثر وطنية، وحدث أن التقى ورحب بعشرة عملاء للاستخبارات الروسية رحلوا من الولايات المتحدة في إطار صفقة تبادل وصفت بأنها واحدة من أكبر فضائح الجاسوسية منذ الحرب الباردة. ولم يتخلص مجتمع الاستخبارات الروسي الحالي من إرث جهاز «الكيه جي بي» ضد الولايات المتحدة، وما تزال وكالات هذا المجتمع تعمل بفكر الإدارات المتخصصة في الجهاز السابق، وتجند خلايا نائمة تستهدف الولايات المتحدة والدول الغربية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل