المحتوى الرئيسى

"ميلة توفيق" مصرية رفضت أن تكون ملكة الحبشة

09/25 13:44

في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، اجتمع الدبلوماسى يسى باشا أندراوس، قنصل عدد من الدول الأوروبية في الأقصر، بشقيقه «بشارة باشا»، في قصر الأول المتاخم لمعبد الأقصر، للترتيب والتدبير لاستقبال ضيف مهم قادم من إفريقيا، انتهي الشقيقان إلى إعداد حفل استقبال ضخم للضيف المهم يحضره الأعيان والوجهاء ورجال الدين، وتعقبه إقامة وليمة ترحيبًا بالضيف ومرافقيه، وكان هذا الضيف هو الإمبراطور هيلاسلاسى الأول أمبرطوار الحبشة الأخير. 

لم تكن العلاقات المصرية ـ الأثيوبية في عهد الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق الأول، مستقرة كانت تتخللها فترات من التوتر بين الكنيسة المصرية والحبشية، ففي مطلع الأربعينيات طالب الأثيوبيين رسامة مطران حبشي وليس مصري علي بلادهم،  ومنح الكنيسة الحبشية حق سيامة خمسة أساقفة من الأحباش دون الرجوع إلى البطريركية المرقصية الأرثوذكسية في القاهرة،  وتُدخل محمود باشا فهمي النقراشي، رئيس الوزراء، ليقنع البابا يوساب بطريرك الكرازة المرقصية بتحقيق مطلب الكنيسة الحبشية، وعاد التوتر مرة أخري في سنة 1956، ورفضت الكنيسة الحبشية المشاركة في حفل تنصيب البابا كيرلس السادس بطريركًا للكرازة المرقصية، رغم دعوة البابا الرسمية للإمبراطور هيلاسلاسى الأول لحضور الحفل.

المنصب الدبلوماسي الذي كان يشغله يسى باشا أندراوس كان ينأي به عن حالة التوتر الدائرة بين الكنيستين المصرية والحبشية، ويخول له ـ من جانب أخر، صلاحيات ونفوذ واسع لم يكن ممنوحًا حتي لطبقة الأعيان والأرستقراط في مصر، فقد كان قصره في الأقصر غير خاضع للسيادة المصرية، وهو ما استغله شقيقه «توفيق باشا» أحد عناصر الحركة الوطنية سنة 1919، عندما حاولت الحكومة المصرية إلغاء زيارة الزعيم سعد زغلول النيلية إلى الأقصر في سنة 1921 من القرن الماضي، وقام «توفيق باشا» باستقبال سعد زغلول في قصر شقيقه الملاصق لقصره بمدينة الأقصر، باعتبار أن قصر «يسى» غير خاضع للحكومة المصرية، من هنا كانت العلاقة القوية التي ربطت يسى باشا أندراوس بالإمبراطور هيلاسلاسى الأول، تلك العلاقة التي ازدهرت في النصف الثاني في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وتوجت بزيارة الإمبراطور إلى قصر العائلة، ثم طلب الإمبراطور مصاهرة العائلة فيما بعد.

ونُصب هيلاسيلاسى ملكًا علي إثيوبيا سنة 1928 ثم إمبرطورًا سنة 1930، وكان يُعرف عنه أنه من سلالة سيدنا سيلمان وبلقيس، وكذلك انتمائه إلى الكنسية الأرثوذكسية الأثيوبية المحافظة التي يعتقد أتباعها أنها حافظت علي نقاء المسيحية، وبعد ثورة 1952 نجح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إنهاء حالة التوتر بين الكنيستين المصرية والأثيوبية، حيث حضر الإمبراطور حفل افتتاح الكاتدرائية المرقصية في العباسية، في عهد البابا كيرلس السادس، الذي زار إثيوبيا أكثر من مرة لتوثيق العلاقات بين البلدين، وربما كان ذلك التقارب سببًا في أن يطلب الإمبرطوار مصاهرة واحدة من أكبر العائلات القبطية في مصر ثراءًا ونفوذًا.

 تولي يسى أندراوس عمادة العائلة بعد وفاة شقيقه السياسي الوفدي توفيق باشا أندراوس سنة 1935، وأصبح مسؤولا مسؤولية كاملة عن رعاية أولاد شقيقه الراحل وهم جميلة، وجميل، ولودي، وصوفي، كانت «جميلة» هي أكبر أبناء نائب الأقصر، وألحقها عمها بمدرسة القلب المقدس الفرنسية «السكركير» في القاهرة، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية في القاهرة أيضا، وكانت معروفة بجمالها ولباقتها وأنها أكثر أولاد «توفيق» الذين يشبهونه في شخصيته، ويبدو أن تلك الأسباب كانت كافية لأن يطلب الإمبراطور هيلاسلاسى يدها لتكون زوجة له.

تقول مصادر داخل عائلة «أندراوس» إن جميلة توفيق رفضت عرض الزواج من الإمبراطور هيلاسلاسى لعدة أسباب ومنها رغبتها البقاء مع أشقائها وأسرتها في الأقصر، وخوفها من الإقامة في إثيوبيا التي كانت موحشة في ذلك الوقت، ويذهب باحثون أن فكرة العزوف عن الزواج كانت ملازمة لعددًا كبير من فتيات العائلة الشهيرة، لأسباب غير معروفة، وأنها علي الأرجح كانت بسبب الثراء الكبير الذي ورثته العائلة ويشير الباحثون أن شقيقتيها «لودي»، و«صوفي» ظلتا دون زواج أيضا، كما لم يتزوج شقيقهن «جميل» الذي كان أول الراحلين في أولاد توفيق، ومات حدثًا.

عاشت «جميلة» مع شقيقتيها في قصرهما في الأقصر، في الظل بعيدًا عن الأضواء، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو الخيرية، طبقًا لتقاليد العائلة التي لا تفضل الظهور في الحياة العامة، وهو ما يفسر رفضها المتكرر الظهور في مقابلات لوسائل الإعلام المختلفة في مصر، وكذلك ندرة الصور الشخصية لها، واكتفت بإدارة أملاكها الواسعة التي ورثتها مع شقيقتيها عن والدهما القطب الوفدي توفيق أندراوس في ضواحي الأقصر، وتذكر دوائر قريبة من العائلة أنها كانت الأكثر تواصلا بين شقيقتيها مع فروع العائلة في القاهرة.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل